رسالة إلى الشباب الأمازيغي حول تفعيل ترسيم الأمازيغية

بقلم: ساعيد الفرواح

عقب الإعلان عن عريضة مليون توقيع لتفعيل ترسيم الأمازيغية بالمغرب، جرت نقاشات واسعة بين الشباب الأمازيغيين، وإن سجل تجاوب واسع، فلا بد من توضيح بعض الأمور التي تثار في بعض النقاشات البينية، سواءا من باب الواجب النضالي أو لقطع الطريق على أي خلط للأمور أوتضليل.

– عريضة المليون توقيع من أجل تفعيل ترسيم الأمازيغية بالمغرب، هي عريضة من أجل لغة أمازيغية رسمية عمليا وواقعا، وتحدثت عن التفعيل لا التنزيل كما يروج، و ترسيم الأمازيغية كان دوما في مقدمة أولويات العمل النضالي الأمازيغي، لعدة إعتبارات لعل أهمها أن اللغة والثقافة الأمازيغيتين مهددتين بشكل يومي، وبالتالي يتوجب إعطاء الأولوية لإقرار الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، ثم يلي ذلك بقية الأمور من حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية، في لائحة مطلبية تتوخى في نهاية المطاف التأسيس لدولة ديمقراطية في كل الجوانب، لكن مع اعتبار إقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية المدخل الأساسي لتلك الدولة، وأنه لا يمكن الحديث عن أي دستور أو تصور للدولة في ظل أي تنكر للغة والثقافة الأمازيغيتين، ولا يمكن أن يتم التوافق أو الدخول في حوار حول أي موضوع مع أي طرف يتنكر لحقوق الأمازيغ اللغوية والثقافية.

– إن شعار الديمقراطية “أولا” لم يكن أبدا من شعارات الحركة الأمازيغية بالمغرب، بل تم دسه في الخطاب الأمازيغي من قبل ثلة من العروبيين الذين تحججوا ضد الأمازيغ بذلك الشعار، ليستمروا في تهميش وإقصاء الأمازيغية لغة وثقافة، ولطالما كان شعار الحركة الأمازيغية بالمغرب هو الأمازيغية أولا وأخيرا، وأن لا ديمقراطية بدون أمازيغية وأن لا أمازيغية بدون ديمقراطية، إذ تم اعتبار إقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بمثابة الخطوة الأولى نحو الدولة الديمقراطية، طبعا في إطار التغيير التدريجي بالمغرب، وإعتبر أي حديث عن دمقرطة البلاد لا يحسم مع حقوق الأمازيغ ملغيا، كما اعتبر أي تذرع بإنتظار الدولة الديمقراطية الفاضلة، لتأجيل إقرار حقوق الأمازيغ مرفوضا، على إعتبار أن من يقول بذلك فكأننا به يقول بشكل مباشر أنه يقبل أن تخرق حقوق الأمازيغ الثقافية واللغوية، ويقبل أن تستمر العنصرية ضدهم، وكل الممارسات والسياسات المشينة، ويقبل أن تقتل الأمازيغية كل يوم، إلى أن تأتي الدولة الديمقراطية والدستور الديمقراطي، والذي قد يأتي أو لا يأتي. لكن الشئ الأكيد أن العنصرية يجب وضع حد لها اليوم قبل الغد، والتمييز ضد الأمازيغية يجب أن ينتهي اليوم قبل الغد، لأن الامازيغية تموت مع كل يوم تأجيل إضافي لإنصافها، كما أن معركة الديمقراطية والدستور الديمقراطي لا تعني الأمازيغ وحدهم، ولا يمكن أن يكونوا حطبها، كما العلمانية، ولكن الأمازيغية بالمغرب بالتأكيد تعني الأمازيغ لوحدهم ولا يبدوا أن بقية المكونات تكترث لها. بل تحاربها وهذا وفق التاريخ والواقع وبالأدلة والبراهين.

– إن من يريد أن يجمد النضال الأمازيغي حتى تأتي الثورة والتغيير الجذري لا يبدوا غارقا في المزايدات فقط، بل كذلك يبدوا غير مستوعب لما حدث إقليميا مؤخرا، فسواءا حدثت الثورة أم لا، فمن يملك تنظيمات قوية هم من سيستفيد منها في نهاية المطاف، ولنفرض جدلا أننا قمنا بثورة بقدرة قادر، وصرنا فجأة في دولة ذات دستور ديمقراطي، وأقيمت إنتخابات، بالتأكيد الذين سيفوزون بالإنتخابات سيكونون هم أؤلئك الذين يمتلكون أحزابا ذات قاعدة جماهرية قوية، وكتلة انتخابية مناسبة، والسؤال الذي يجب أن يطرحه متوهموا ثورة لن تحدث قريبا، هل يملكون ذلك النوع من التنظيم وهل أصلا حتى يفكرون في إمتلاكه، وأنا تحدتث وافترضت أن الدستور بعد الثورة موجود وديمقراطي، في حين أن الدستور نفسه سيخضع لمنطق الإنتخابات وقد يتكرر سيناريوا أسوأ من سيناريوا أمازيغ ليبيا بالمغرب.

– إن أولويتنا الراهنة والتي ندعوا إليها كل الأمازيغيين، هي إعطاء الأولوية للحقوق اللغوية والثقافية، لطي هذا الملف لأن لغتنا وثقافتنا تنقرض كل يوم بسبب التعريب والعنصرية وتغييبها في دواليب الدولة، وبالموازاة مع ذلك التركيز على العمل التنظيمي وبشكل خاص ومباشر التوجه نحو العمل السياسي، فلا يمكن بالتأكيد أن يتحدث البعض عن ديمقراطية ودستور ديمقراطي وتصور للدولة وكل ذلك، وهم ينتمون لجمعية تنموية أو ثقافية، لأنه لا يستقيم الحديث عن أمر من قبل البعض وهم لا يملكون أي تصور له بإستثناء أحاديث عامة وعناوين عريضة ومزايدات فارغة، فهل يريدونها ديمقراطية ليبرالية أم إشتراكية أم مادا، بالتأكيد هذا نقاش يفقتد الكثيرين الجواب عنه، لأنه لم يسبق لهم أن طرحوه ولا يطرح إلا من قبل مجموعة تسعى لإمتلاك مشروع مجتمعي وبرنامج سياسي تناضل عليه بواسطة حزب وهي معروفة في أوساط الحركة الأمازيغية بالمغرب وضمنها هذا “العبد الضعيف”.

– نحن في فترة حساسة من تاريخ المغرب وقد كثرت المؤامرات ضد الأمازيغ، سواءا ضد اللغة والثقافة الأمازيغيتين أو ضد التنظيمات الأمازيغية، أو ضد المبادرات الأمازيغية التي يسعى البعض لإفشالها أو تحوير مسارها، لكن ثمة كذلك محاولات لتمييع الخطاب الأمازيغي وإفقاده أي واقعية سياسية، وجعله من دون أي ترتيب للأولويات حتى تتساوى فيه محاربة الخنزير البري مع إقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وبمناسبة الحديث عن الخنزير فلما لا ينتظر البعض مثلا الدولة الديمقراطية والدستور الديمقراطي ليتحدثوا عن محاربة الخنزير البري، بالتأكيد سيستفحل وقد يصل إلى مستويات يهدد بإنقراض البشر، إعلموا إذا أن التعريب والعنصرية ضد اللغة والثقافة الأمازيغيتين أسوأ بكثير جدا من الخنزير البري وأسوأ فتكا، فهذا الأخير مجرد حيوان، لكن الذين يخططون لقتل الأمازيغية أناس يمكلون عقولا وأحزابا وأموالا، ومتنفذين في الدولة رسموا سياسات وخططوا جيدا، لتحقيق هدف وحيد، ألا وهو جعل المغرب عربيا ووضع حد لأي ثقافة أو لغة أو انسان إسمه أمازيغية أو أمازيغي، ويكسبون مواقع كل يوم تأجيل إضافي لتفعيل ترسيم الأمازيغية.

وفي الأخير يبقى أن أؤكد أننا نريد تفعيل ترسيم الأمازيغية، ونريد حقوقنا اللغوية والثقافية اليوم قبل الغد، ولسنا نقول أننا نساند الدستور المغربي أو ندافع عنه بصيغته الحالية، بل كل ما نقوله أننا نريد كل الحقوق الأمازيغية وفي مقدمتها اللغوية والثقافية، ثم الباقي حسب ترتيب للأولويات النضالية لدينا. وحسب إمكانياتنا الذاتية وحسب ما تسمح به المرحلة، كما نريد دستورا ديمقراطيا ونريد لشعبنا أن يعيش في ظل دولة ديمقراطية و”ليبرالية”، لكن في مقدمة ذلك وفي نهايته حقوقنا اللغوية والثقافية أولا وأخيرا واليوم قبل الغد، ومن يروج لغير ذلك ويريد أن ينتظر أمرا قد يأتي أو لا يأتي فلينتظر لا أحد يرغمه على أن لا ينتظر، ومن يستطيع القيام بثورة فليقم بها لما الإنتظار، مادام لا أحد يمنعه من ذلك، إنه لمن السهل أن نزايد لكن الحقيقة تظهر بالدخول في التفاصيل، والقافلة تسير طبعا.

شاهد أيضاً

فلسطين في الوجدان المغربي: من واجب قومي إلى قضية إنسانية شاملة

في كتابه “تمغربيت… محاولة لفهم اليقينيات المحلية” (2022)، يتناول سعيد بنيس موقف المغاربة من القضية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *