رشيد الراخا يكتب: الوجود السياسي لــ “إيمازيغن”

الأستاذ رشيد الراخا رئيس التجمع العالمي الأمازيغي

شهد الشهر الماضي احتفالات كبيرة ومبهرة للامازيغ بالسنة الأمازيغية الجديدة، رغم استمرار الدولة في رفض إقرار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، والاحتفالات امتدت لعدد من الدول على مستوى «الديسابورا» في أوروبا وأمريكا وكذلك روسيا، وفي عدد من دول شمال إفريقيا «تمازغا» في تونس ومصر والجزائر التي أقرته كعيد وطني ورسمي، وكذلك منطقة الطوارق وجزر كناريا، وتعتبر شعبية وانتشار هذه الاحتفالات نهوضا جديدا للحركة الأمازيغية، حيت أن المغرب شهد أزمة كبيرة أثرت على الجميع، وتتجلى إحدى معالمها على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار الخروقات في شتى الانتهاكات والخروقات اقتصاديا واجتماعيا وحتى في مجال حقوق الإنسان التي لا يحترمها المغرب، ما اثر سلبا على الجو العام، لكن احتفالات الأمازيغ بالسنة الأمازيغية الجديدة شكل فرصة كبيرة للخروج من حالة الأزمة على الأقل نفسيا، والأمازيغ احتفلوا رغم كل الظروف الدولية الصعبة ومخاطر اندلاع حروب ونزاعات كبيرة، تمسك الأمازيغ بإبراز الجانب المشرق في تاريخهم وحضارتهم ومكامن الفرح فيها وجسدوا احتفالات بمختلف الطرق والأشكال.

من بعد هذه الاحتفالات والنهضة الثقافية، لا يجب أن يجعلنا ننتظر سنة أخرى أو حلول السنة القادمة حتى نعود لرفع مطالبنا من جديد، ولذلك بادرت إلى تسجيل أو تقديم سلسلة حلقات عبر صفحة الجريدة amadalpresse» على «الفايسبوك» حول «ايمازيغن والسياسة» أو الامازيغ والعمل السياسي.

هناك مقولة أجادل بها أستاذي، الأنثروبولوجي الكبير «دافيد مونت كومري هارت» وهي أن الأمازيغ يحسنون الحرب، لكن لا يجيدون السياسة، ويقال كذلك أن هتلر قال لو تملكت أمازيغ الريف كمقاتلين أو جنود لدي لاستطعت فعل الكثير (وهي مقولة غير مؤكدة لكنها تشير للحقيقة). حيت حارب العديد من المغاربة الامازيغ في صفوف عدد من جيوش الدول الاستعمارية وأبانوا عن قدرات كبيرة، وحارب الأمازيغ كثيرا من اجل استقلال المغرب وحتى الجزائر وقدمو تضحيات كبيرة في سيبل ذلك، لكن على المستوى السياسي، لكن، وللأسف يضل أداؤهم ضعيفا ودون المطلوب، قلت في محاضرة لي سنة 2018 في تونس، أمام تمثال ابن خلدون، قلت إن «ايمازيغن» لا يرغبون في أن يحكمهم أمازيغي، إذ يتفرغون للانتقادات والصراعات فيما بينهم وأحيانا يتركون الساحة لأعداء القضية الأمازيغية، رغم كل النجاحات التي يحققونها في مختلف المجالات الأخرى، وفي إحدى قفشات عبد الاله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، معلقا على النجاحات التجارية والسياسية لعزيز اخنوش، قال: «إن هذا الشخص مؤدب ومخصوش يدير السياسة» وكأن السياسة محصورة لغير المؤدبين أو للكذابين والمنافقين..

“اليوم يتوجب علينا التسجيل في اللوائح الانتخابية واستعمال قوة الصوت وقوة القرار الانتخابي وتفعيل قناعتنا الانتخابية وقطع الطريق على تجار الدين أو «المافيوزات» وتجار الانتخابات ”

الأمازيغ يتمتعون بالمصداقية والمعقول في التجارة والمعاملات الاقتصادية وغيرها، ويهمشون في السياسة، وعلى سبيل المثال حزب الاستقلال يفتخر بان 60 في المائة من مناضليه أمازيغ ناطقون بها، وكان الأربعين بالمائة المتبقية ليست امازيغية، لكن رغم ذلك تجد أن حزب الاستقلال معاد للأمازيغية وهو حزب محافظ، ارتكب جرائم ضد الإنسانية في سنتي 58/59 أثناء أحداث الريف، وهو إضافة إلى المنشقين عنه والذين أسسوا حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تحول إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من انتهجوا وجسدوا سياسة التعريب كإديولوجية، هدفها الرغبة في قتل اللهجات المحلية، وكان هدفهم هو إقبار وطمس الثقافة والهوية الأمازيغية، رغم أن أغلبية مناضلي هذه التنظيمات أمازيغ، وأريد العودة إلى المشاكل المتراكمة في المغرب وخاصة في السلطة والحكم، باستفحال الفساد أكثر فأكثر، ومجرد تصفح الجرائد اليومية يعطي صورة عن هذا الواقع المأزوم، وطبيعي أن يحدث هذا، لأن الدين قاوموا وحرروا البلد ليسو من حكم فيما بعد ويحكم ألآن. ومولاي محمد بن عبد الكريم الخطابي قالها بصراحة لا يعقل أن ينخرط الريفيون بقوة من اجل الاستقلال، وبعد خروج المستعمر، لم يشرك الريفيون في حكومات ما بعد الاستقلال، بل وهمش الريف بشكل كبير وخطير، والغريب في الأمر انه وفي غالبية الدول الإفريقية من قادة حرب التحرير حكم بلاده بعد خروج الاستعمار، بينما في المغرب لم يحدث ذلك، تم تمرير الحكم لفئة لم تقاوم يوما الاستعمار، لنخبة تم تكوينها من طرف فرنسا في مدارسها وجامعاتها، ومازالا الأمر مستمر إلى اليوم، ويستمر معه تهميش الأمازيغ، ويستعملون في الأحزاب السياسة كمرتزقة لا اقل ولا أكثر وسأتطرق لهذا الموضوع في مابعد.

مقال منشور في العدد 129 من الجريدة الورقية لـ”العالم الأمازيغي”

وإضافة إلى كل ذلك لم يكن لدى الأمازيغ نخبة مثقفة أو متعلمة على النمط الحديث في فرنسا أو اسبانيا خاصة في الريف، أما في مناطق الأطلس المتوسط وسوس، أنشأت مدارس فرونكو بربرية ولكن لم تكن سوى مدارس تخصصية لتأهيل السكان كجنود أو فلاحين أو مهاجرين لإعادة بناء فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، يعني لتكوين أو لجلب اليد العاملة (كوليج ازرو نمودجا). إيمازيغن ولظروف التهميش والهجرة وغريها لم يفكروا أو لم يعمدوا للانخراط في السياسة، حيت كانوا ينخرطون في أحزاب ذات إيديولوجية الشرق الأوسط، والقومية العربية، ورغم أن الأمازيغ هم أغلب السكان، فإنهم لا يشاركون في الانتخابات، بخلاف الأحزاب التي تتبنى إيديولوجية مستوردة، ولا تثير المشاكل الحقيقية للأمازيغ في مناطقهم.

و في الانتخابات الأخيرة لم يصوت سوى 5 ملايين شخص من أصل 20 مليون من الذي يحق لهم التصويت، بمعنى أخر، 5 ملايين فقط من حددت مصير المغاربة البالغ عددهم أكثر من 35 مليون نسمة، ونشير هنا إلى دراسة قام بها الصحفي عبد الرحيم اريري، خلص فيها إلى أن عدد الذين صوتوا على عمدة الدار البيضاء «عبد العزيز العماري» لم يتجاوز 27 ألف صوت، ولكن يتحكم في مصير 5 ملايين مواطن من ساكنة الدار البيضاء، وفي ميزانية تتجاوز 400 مليون سنتيم، حيت الأغلبية الساحقة لم تصوت، والعدالة والتنمية يستغل الآمر حيت تفيده هذا المقاطعة، وفتحوا الأبواب لأصدقائهم في تركيا وخنقوا اقتصاد المغرب، وتزايدت البطالة، وأصبح الشباب ضائع ، وحينما يتحدث أو يحتج يتهم بالانفصال ويحكم بعشرين سنة سجنا كما حدث مع حراك الريف، لذلك فالمقاطعة تفيد هذت الحزب لأن القاعدة الانتخابية الثابتة لديهم والمقدرة بمليون ونصف مليون شخص كافية للفوز بالأغلبية في ضل مقاطعة الناس للتصويت، ويشجعون النموذج التركي، رغم كل مظاهر الاستبداد والتي ينتهجها أردوغان داخليا، وخارجيا ضد الكرد، وعبر تصدير الدواعش إلينا في شمال إفريقيا في ليبيا وغيرها.

عودة لموضوع الأمازيغ، الدين يقاطعون الانتخابات، تفيد دراسة أن نخبة أمازيغية نشطة ومؤثرة على الأوساط التي تنتمي إليها، اعتادت الدعوة لمقاطعة الانتخابات، وقد قاطعنا كذلك الانتخابات الأخيرة، حيت نعتبر أن هذه الانتخابات لا تقدم شيئا للأمازيغ والأمازيغية، ويستغل ذلك خصوم الأمازيغية، وهذه المقاطعة للمواطنين الأمازيغ قد حملت الانتخابات العديد منهم إلى الحكومة كعباس الفاسي الذي رفض أن يخرج ميزانية القناة الأمازيغية للوجود، لولا الحسم الملكي للمسألة، نفس الشيء في انتخابات 2011، وتمت الدعوة للمقاطعة، وفي الأخير صعد عبد الإله بنكيران للحكومة وعادى الأمازيغية من جديد، وشن حربا كبيرا على حرف تيفيناغ، ورفضت الحكومة إخراج القوانين التنظيمية للأمازيغية ومجلس اللغات، ورغم صعود الدكتور سعد الدين العثماني، في انتخابات 2017، ورغم مبادرته بلقائنا وتقديمنا له ملفات كثيرة حول الامازيغية إلا انه لم يقدم شيء، والأكثر من ذلك يسعون حاليا إلى طمس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية داخل مجلس اللغات، والعثماني نفسه حينما كان وزيرا للخارجية دعا إلى تغيير اسم «اتحاد المغرب العربي» وحذف مصطلح عربي ولكن حينما طلب بعض النواب في البرلمان تغيير اسم «وكالة المغرب العربي للأنباء» رفضت الحكومة التي يرأسها سعد الدين العثماني.

إن الغرض من هذه الحلقة، هو الوجود السياسي للامازيغ، نحن الامازيغ نتميز بخاصية متجدرة وقديمة، وهي الانتقاد، بينما ديكارت قال» أنا أفكر إذن أنا موجود» لدينا نحن الامازيغ «أنا انتقد إذن أنا موجود» وحتى لا أطيل عليكم، فالحقيقة أن من لم يتسجل في اللوائح الانتخابية فهو في حكم غير الموجود، ودعوتنا للمقاطعة بشكل مستمر غير مفيد، حيت انه مند سنوات مثلا ونحن ندعو الحكومة إلى اعتماد ميزانية خاصة لنهوض بالامازيغية، آو إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية، لكن لا شيء من ذلك حدث، لكن، الخلل يكمن فينا نحن، حيت نقاطع الانتخابات التي بها تتشكل الحكومة، بعدها نطالب الحكومة بتلبية مطالبنا.

“استمرارنا في الدعوة للمقاطعة فسح المجال أمام أعداء الأمازيغية وغيرهم للمزيد من طمس وتهميش الامازيغية والامازيغ ”

ولهذا أقول للذين ألفوا المقاطعة بدعوى لا مصداقية العملية الانتخابية وبدعوى التزوير، اسمحوا لي رأي آخر، هل البيجيدي الذي يعد أصواته، وفعلا استعمل أصواته وصعد لقيادة الحكومة، الذي أريد قوله أن المقاطعة ليست حلا، واستمرارنا في الدعوة للمقاطعة هو فسح للمجال أمام أعداء الأمازيغية وغيرهم للمزيد من طمس وتهميش الامازيغية والامازيغ.

أجهزوا على المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، وسيقضون على تدريس الامازيغية، سيفعلون كذلك كله لأننا قدمنا لهم الفرصة، لأننا كمواطنين لم نقم بواجب التسجيل في اللوائح الانتخابية، حتى نؤثر على العملية الانتخابية، ولنفهم اكثر السياسة في المغرب، في المغرب ليست هناك طبقات اجتماعية، هناك قبائل سياسية، على عكس ما كان سابقا بتواجد قبائل جغرافية أو أثنية، وقد تناولها جورج واتربوري جيدا في كتابه «أمير المؤمنين»، فإذا كنا حاربنا كثيرا من اجل الاستقلال، اليوم يتوجب علينا أن ننخرط في العملية السياسية.

والأمر لم يعد يحتاج للسلاح والحرب، ونحن دافعنا سلميا على الديمقراطية في سنة 2011، وحققنا تغييرا دستوريا رغم انه لم يلبي مطالبنا كلها، واليوم يتوجب علينا التسجيل في اللوائح الانتخابية، واستعمال قوة الصوت وقوة القرار الانتخابي وتفعيل قناعته الانتخابية وقطع الطريق على تجار الدين أو «المافيوزات» وتجار الانتخابات، ولا يحق لأحد أن يحاسبهم لأنهم اشتروا الأصوات. وحتى نقضي على هذه الظواهر، على ايمازيغن التسجيل في اللوائح الانتخابية، وقطع الطريق على أعداء الأمازيغية، وحتى نضمن لأبنائنا مستقبلا أفضل، اليوم أيها الأمازيغ جميعا، يجب أن تلجوا إلى العمل السياسي، يجب أن تمارسوا السياسية، البطاقة الانتخابية هو سلاح ديمقراطي كبير، يمكن أن يساهم كثيرا في تغيير الأوضاع، وإذا انخرط على الأقل 3 ملايين امازيغي في العملية بمقدورهم أن يغيروا الخارطة الانتخابية لصالح قضيتهم.

رابط الفيديو:

شاهد أيضاً

الصحراء المغربية.. المغرب يرحب بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار 2756

رحبت المملكة المغربية بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اليوم الخميس، للقرار 2756، الذي يمدد …

تعليق واحد

  1. بالفعل ان ما جاء في مقالك لا يشكل الا القليل القليل لما تعرض له الامازيغ وخاصة من طرف الامازغيين انفسهم بعد “الاستقلال’ حيث اندمجو في عملية التعريب دون رد فعل .!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *