من خلال مشاركتي في العديد من الأنشطة التي ينظمها أبناء وطني من المهاجرين المغاربة، وأصدقائهم من الأجانب في مناسبات مختلفة هنا وهناك، أخلص دائما أن مناقشة مواضيع تتعلق بقضايا اللغة الأمازيغية من الأهمية بما كان نظرا للأشواط التي قطعتها ببلادنا منذ الاعتراف الرسمي بها من طرف جلالة الملك من خلال الخطابين الساميين، الأول في شهر يوليوز سنة 2001 بمناسبة عيد العرش، والثاني في شهر أكتوبر بمناسبة انشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في نفس السنة، بعد ذلك أتت محطة الاعتراف برسمية هذه اللغة في دستور المملكة منذ شهر يوليوز سنة 2011، وكذا لحظة إصدار القوانين التنظيمية سنة 2019 و2020، ثم وضع المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهذا ما أدى إلى نتيجة إحداث صندوق خاص بميزانية محترمة لتسهيل أجرأة وتنفيذ محاور المخطط المشار إليه أعلاه.
تعتبر كل هذه المراحل تاريخية مهمة، لا يمكن القفز على أية واحدة منها أو تجاوزها، لأن لكل مرحلة سياقها وظروفها، أكانت سياسية، اقتصادية أو اجتماعية.
أقول إنه أثناء هذه اللقاءات، كثيرا ما يثار نقاش آخر، وتطرح أسئلة أخرى من قبيل، هل تستطيع اللغة الHمازيغية، بعد رد الاعتبار لها على المستوى الشعبي والرسمي، وما وصلت إليه من اعتراف دستوري، واهتمام حكومي أن تكون رافعة للتنمية؟ إنه سؤال مهم، وينتقل بنا من مستوى النقاش الكلاسيكي المتجاوز الذي كنا كحركة أمازيغية نقارع به من كانوا بالأمس يريدون طمس تاريخنا وهويتنا، نقاش نحاول من خلاله إتباث هويتنا والتعريف بتاريخنا والترافع انطلاقا من هذا وذاك على الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، نقاش نريد منه إثبات ذواتنا ومدى مشروعية نضالنا من أجل قضيتنا الأمازيغية، والانتقال عبر الإجابة عن السؤال السالف، إلى مستوى آخر من النقاش والترافع على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأمازيغية. إنه في الحقيقة نقاش «براغماتي نفعي»، ليس بالمفهوم السلبي للبراغماتية والنفعية، بل من منظور اقتصادي واجتماعي وسياسي، ينسجم مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت في العالم بأسره.
وللإجابة على هذا السؤال، ودون ادعاء تملك الحقيقة المطلقة، أقول إنه بصفة عامة، فأية لغة كيف ما كانت، لا يمكن فصلها عن البيئة التي نشأت فيها وبالإنسان المتكلم بها، وبالتالي فتنمية المجتمع والإنسان لا يمكن أن تقوم على لغة غير التي يتكلم بها المعني بهذه التنمية، لأن اللغة تسمح أولا بالتواصل والتعبير، مما يسهل التعلم وتبادل المعلومات وحل المشكلات. وهي أيضًا، أي اللغة، وسيلة لنقل الثقافة والمعرفة، وهي بذلك تلعب دورًا أساسيا ومهمًا في الحفاظ على الهوية والارتباط بأرض الوطن.
واللغة الأمازيغية كباقي اللغات، لا يمكن أن تخرج عن هذه القاعدة، خصوصا أنها لغة أم ملايين المغاربة، وبالتالي فإتقان اللغة الأمازيغية واستخدامها في الأعمال التجارية بين التجار في مبادلاتهم التجارية، كما هو الحال بالنسبة لأغلب التجار في الدار البيضاء وغيرها من المدن الكبرى المغربية، أو بين التجار وزبنائهم في المتاجر الكبرى كما في الدكاكين الصغرى، واستعمالها في برامج تكوين التعاونيات الفلاحية، الصناعية، السياحية والخدماتية، كذلك استعمال الأمازيغية في الترويج التجاري للمنتوجات الصناعية، الفلاحية والغذائية، كذلك استعمال الأمازيغية في الانتاجات الأدبية، الفنية، السينمائية وغيرها من الميادين التي لها علاقة بالعمل اليومي للإنسان. لأن هذا التنشيط اللغوي للأمازيغية وحيويتها باستعمالها في كل المجالات من شأنه أن يعزز الإندماج الاقتصادي والاجتماعي للإنسان من جهة، وكذلك اللغة من جهة ثانية ما يضمن لها الاستمرار والقوة والإنتقال إلى الأجيال القادمة، وهذا ليس غريب عن لغة كالأمازيغية التي تعتبر أساس التراث الثقافي واللغوي للبلد، وعامل مهم لتقوية لبنات المجتمع.
إلا أن هذه الدينامية والحركية والاستمرارية التي يمكنها الإقتصاد والتنمية للغة، لا يمكن أن يعفينا، كمناضلات ومناضلي المجتمع المدني الأمازيغي وكل القوى الحية المؤمنة بمشروعية قضيتنا، كذلك مؤسسات الدولة وكل القطاعات الحكومية، من المزيد من بذل جهود مضاعفة من أجل النهوض باللغة الأمازيغية وتعزيز حضورها في المؤسسات التعليمية بكل المستويات من أطوار التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، واستعمالها في الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة، والترويج لها وبها في الإعلام العمومي والخصوصي، والتحسيس بها ولها في البرامج التوعوية وتشجيع الناس بالتكلم بها في اللقاءات الرسمية والغير الرسمية، والتعبير بها عن آراءهم وأفكارهم وأحزانهم وكل ما يخالج ذواتهم، لأنها ببساطة لغتهم الأم ولغة ما يخالج أرواحهم ونفوسهم ولغة وجدانهم أيضا.
وقديما قال الحكيم الأمازيغي:
ⴽⵓⵍ ⵎⵎⴰ ⵜⵙⴽⵔ ⵜⴰⵖⴰⵟ ⵖ ⵡⴰⵔⴳⴰⵏ ⵉⵔⴰ ⵓⴷⴱⴰⵖ ⴰⴷ ⵜ-ⵉⵙⴽⵔ ⵖ ⵉⵍⵎ ⵏⵏⵙ
Kulmma tskr taghaT gh wargan ira udbbagh ad t iskr gh ilm nns
كل ما فعلته الشاة بشجرة أركان سيفعله الصانع بجلدها
صرخة العدد 267 أبريل 2023/2973– جريدة العالم الأمازيغي