التسرع في إصدار الأعمال الموسيقية دون إخضاعها للنقد والإتقان، انتحار فني …
1. نرحب بكم على صفحات جريدة العالم الأمازيغي، كيف تريد أن تقدم نفسك لقراء الجريدة؟
فريد الحمدوي، اسمي الفني ريفانا، باحث في الموسيقى الأمازيغية بالريف، مؤلف وموزع موسيقي في نفس الوقت، اشتغلت كمدرس تخصص اللغة العربية… أشتغل الآن كمؤطر للورشات الموسيقية بمؤسسة التفتح الفني بالحسيمة. متزوج وأب لطفلين، يوسف (15 سنة) ونوميديا (12 سنة)، أتابع مسيرتي الدراسية بسلك الماستر تخصص اللغات والثقافات المغربية والإيكولوجيا (الفصل الرابع)…
2. كيف بدأتم رحلتكم في غمار الموسيقى الأمازيغية؟
انطلقت مغامرتي مع الموسيقى في سن مبكرة جدا، في مرحلة الطفولة، حيث كنا نصنع آلاتنا الموسيقية والإيقاعية بأنفسنا، باستعمال علب زيت السيارات أو المائدة التي كنا نحصل عليها من مكب النفايات قرب ضريح سيدي عابد… والآلات الإيقاعية من جلد الأرانب، أو نستعمل القارورات البلاستيكية… كان هذا بمثابة المعهد الموسيقي لنا… مع مرور الوقت حصلت على أول قيثارة لي حيث بدأت أتعلم رفقة صديقي عقاد عبد الوهاب البدابات الأولى للعزف على القيثار… وكانت كتب تعليم الآلة مفقودة ونادرة جدا، فرغم ذلك كنا نتدبر أمورنا بشكل في العزف عن طريق الاحتكاك بعازفين آخرين مهرة، حيث كنا نحب كثيرا الأغاني الغربية والأمازيغية…
درست الموسيقى لمدة سنتين بالمعهد الموسيقي بالحسيمة سنة 1994 و1995، لأنقطع عن الدراسة الموسيقية بالمعهد بعد تعييني بمدينة تزنيت، حيث قضيت بها سنتين في بداياتي الأولى في عالم التدريس. إلا أن شغفي بالموسيقى دفعني للبحث عن كل السبل لتقوية معارفي في هذا المجال ولا زلت أواظب على ذلك.
وكنت شغوفا جدا بالموسيقى التقليدية الأمازيغية بالريف، خصوصا في الأعراس والمناسبات العائلية، حيث كان طقس إزران هو السائد، وكان يخلق فرجة وصورا جمالية لازالت ملتصقة بأذهاني، تلك الأجواء الرائعة التي كانت تصاحب الطقوس الاحتفالية للعرس الريفي… كما كنت أحب الأغاني الرائعة للفنانين الكبار في عالم الموسيقى الأمازيغية بالريف، نذكر منهم علال شيلح، الوليد ميمون، حسن الفارسي ثيدرين، مجموعة تواتون، فرقة بنعمان وإيريزام والفنان خالد إيزري، وفرقة إيثري وإيثران واللائحة طويلة… وقد خلق لي هذا الثراء الموسيقي تراكما موسيقيا بالإضافة إلى الاستماع للموسيقى الغربية بشكل مستمر، أثر بشكل كبير على مساري الموسيقي الإبداعي، ألهب في داخلي تلك الملكة الإبداعية، لنؤسس سنة 1992 رفقة صديقي عقاد عبد الوهاب ومحمد العيادي فرقة ريفانا الموسيقية.
3. ما هي الصعوبات التي واجهتكم في بداياتكم الفنية، وكيف تغلبتم عليها؟

كان حصولي على وظيفة التدريس في سنة 1995 فرصة ومتنفسا لي، حيث بدأت أشتري آلات موسيقية جيدة واحترافية، واختفى هذا الهاجس بالنسبة لي. فرغم مشاركاتنا في مجموعة من الأمسيات الثقافية طيلة هذه المدة، إلا أننا لم نتمكن من تسجيل أول ألبوم لنا إلا في سنة 2012، والألبوم الثاني سنة 2015… بإمكاناتنا المادية ومن مالنا الخاص.
4. ما هي التيمات والأنماط الغنائية التي تشتغلون عليها؟
ممارسة الموسيقى بالنسبة لي ليست مجرد متعة، بل معركة أخوضها من أجل تثمين التراث الموسيقي الأمازيغي بمنطقة الريف، وتطويره، باعتباره رمزا من رموز الهوية الثقافية، والثقافة الموسيقية هي جزء من هذه الثقافة، فاستمرارنا في الاشتغال على هذا النمط الموسيقي، يجعلنا جبهة الدفاع الأولى عن الهوية الأمازيغية من جانبها الفني والثقافي، بالموازاة مع نضالات باقي المكونات الأخرى للمجتمع طبعا، وكل من باب تخصصه. وهذا سيجعل من التيمات الأولى التي أشتغل عليها في الأغاني التي أكتب كلماتها وأؤلف ألحانها تسير في هذا المنحى بالذات، خصوصا ما يتعلق بالهوية الأمازيغية، وحب الوطن (الأرض) والتشبث بالخصائص الثقافية والهوياتية الأمازيغية، كلغة وكثقافة في كل تجلياتها، هذا بالإضافة إلى المواضيع الاجتماعية والتاريخية التي تهم الإنسان الأمازيغي والمغربي عموما، وكل ما يرتبط بأفراحه وأحزانه، بالإضافة إلى نشر ثقافة السلام والحب ونبذ العنف والتطرف في التعاطي مع هذه المواضيع، في قالب فني موسيقي.
5. ما هو تقييمكم لواقع الموسيقى الريفية والأمازيغية عموما؟
من الصعب إصدار حكم دقيق وتقييم موضوعي عن واقع الموسيقى الأمازيغية بالريف، في غياب أية دراسة علمية موضوعية في هذا الجانب، لكن يمكن القول وباختصار شديد أنها تعيش حالة ركود وأزمة إبداع، حيث ساهم التطور السريع لوسائل التواصل عبر الأنترنت، إلى توجيه الكثير من «أشباه الفنانين» إلى دخول عالم الموسيقى من جانبه السلبي، حيث تسود وتطغى الرداءة والتفاهة على إنتاجاتهم، بعد أن ركبوا موجة السفاهة في اليوتوب بحثا عن الجيمات واللايكات دون أن يعيروا أي اهتمام للجانب الشكلي أو المضمون لما يقدمونه… هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك تجارب موسيقية وفرق تسعى جاهدة لأن تضع لنفسها موطئ قدم في الساحة الفنية، وتجتهد في إبداع منتوج موسيقي فني يشرف الموسيقى الأمازيغية الريفية بشكل عام… دون أن ننسى تقاعس الفنانين القدامى إن صح التعبير عن الإبداع، حيث توقفوا عن إصدار أعمالهم الموسيقية مما خلق قطيعة في الساحة الفنية ربما لظروف اجتماعية أو صحية أو ربما دخولهم مرحلة الركود الإبداعي.
6. ما هي الشروط والأسس التي يجب أن تتوفر عليها اي فرقة موسيقية حتى تنجح، تتألق وتحقق الشهرة والانتشار، حسب رأيك؟

هذا بالإضافة إلى البحث عن الجودة وإتقان العمل، وعدم التسرع في إصدار الأعمال الفنية الموسيقية دون إخضاعها للنقد والإتقان، فالذي يتسرع لبلوغ القمة دون تفكير عميق، يسقط منذ الخطوة الأولى، لأن البداية كانت خاطئة أو مبنية على قرارات متسرعة.. الشهرة يجب ألا تكون هي الغاية، بل الغاية الحقيقية التي تقود إلى النجاح هي الصدق في العمل والعمل على تثمين ثقافتك الموسيقية بالبحث والاجتهاد، ورسم خارطة طريق واضحة الأهداف والمعالم، وستكون النتيجة مشرفة مع مرور الوقت… فكم من فرقة موسيقية انطفأ بريقها حتى قبل البداية، لأنها سطرت أهدافا قصيرة المدى وبحث عن الوصول إلى الشهرة بأقصر الطرق، وهذا يعد بمثابة انتحار فني.
7. برأيك أيهما يعتبر أكثر تأثيرا على الجمهور، الكلمات ام اللحن؟
إن الموسيقى فن يعبر عن إرادة الحياة وعن الوجود في كل خباياه وخفاياه، هي الفن الوحيد الذي يعبر عن الشعور دون الحاجة إلى صورة أو إلى فن آخر يعينها على البلوغ إلى أعماق الإنسان، فهي فن يستطيع أن يعبر لك عن المشاعر الإنسانية عن طريق اللحن الجميل والنابع من إحساس صادق في الإبداع أو في الأداء والعزف، هذا يجعل من الموسيقى فنا قويا في ذاته، من هنا يمكن القول بأن اللحن الجيد والأداء الجيد هو اللبنة الأساسية لعمل إبداعي راق.
أما الكلمة فهي تعد عنصرا غريبا عن الموسيقى، الكلمة أو قصيدة شعر أيا كانت تأتي لتغير منحى اللحن وغالبا ما لا تنطبق الكلمة مع اللحن من حيث التعبير عن المشاعر، فحين نضيف الكلمة إلى الموسيقى وتصبح أغنية، هنا تبرز قوة الكلمة لتؤثر على اللحن في الغالب، والعمل الفني الناجح هو من يستطيع تحقيق هذا التكامل في التعبير الفني بين الكلمة واللحن، والتي تعبر عن نفس الصور الجمالية والمشاعر الصادقة.
ففي الموسيقى الأمازيغية، لا نمتلك أعمالا موسيقية خالصة، بل الموسيقى عندنا مرتبطة بالغناء، وهو أمر واضح وجلي من خلال الأنماط الغنائية التي نمتلكها والتي ورثناها عن أجدادنا طيلة مسارهم الطويل عبر التاريخ، وفي كل ما حدث من تأثير وتأثر بين الشعوب مما يجعل الثقافة الموسيقية تتحول وتتركب وتعطي أنماطا موسيقية جديدة ومقامات موسيقية متقاربة. وهذا ما يمنح لها نوعا من التقارب والتشابه بين باقي الشعوب التي تشاركت تلك الثقافة الموسيقية.
لكن رغم كل ذلك، على الفنان الحقيقي أن يبحث عن التكامل بين الموسيقى والكلمة، فالشعر تكون صوره واضحة، حتى وإن استعملت بعض الصور المجازية للتعبير عن فكرة ما، لكن الموسيقى تكون أصدق وأكثر وصولا إلى أعماق الإنسان، ومن هنا تتجلى لنا قوة الموسيقى/اللحن وقدرتها على التأثير على المستمع.
8. ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
هناك مشاريع كثيرة كنا قد بدأنا في الاشتغال عليها، لكن الأحداث الأليمة التي عرفها الريف خلال الحراك، جعلتني أوقف العمل الفني وتأجيله إلى وقت لاحق، خصوصا وأن حملة الاعتقالات وما تلاها من أحكام ومضايقات، جعلتني أوجه اهتمامي الأكبر للمعتقلين وعائلاتهم، وهذا ما جعلني غير قادر على مواصلة العمل على تلك المشاريع، وكان أولهما ألبوم غنائي للأطفال باللغة الأمازيغية، والألبوم الغنائي الثالث… وكذا تفرغي للدراسة بسلك الماستر وما يرتبط بها من متاعب ومشاق، كل هذا أبعدني عن الساحة الفنية، لكن عملية الإبداع لم تتوقف، بل ظل الإلهام الفني حاضرا تماشيا مع هموم ومشاغل الناس الذين نعيش معهم، ففي نهاية المطاف، أنا ابن بيئتي ولا يمكن أن أعيش بعيدا عنهم سواء في أفراحهم أو أحزانهم.
إن أطال الله في عمرنا، سنعود لمباشرة العمل واتمام ما كنا قد بدأناه.. إن شاء الله.
9. ثلاث أسماء فنية أثرت في مسيرتكم الموسيقية؟

10. كلمة حرة؟
ما يمكن أن أختم به هذا الحوار، هو أننا كائنات ثقافية، وعلينا أن نولي اهتماما أكبر لخصائصنا الثقافية التي تميزنا عن باقي الشعوب، وأن نجعل منها قاعدة نضالية نطيل بها أمد حياتنا، لأننا نحكم على أنفسنا بالاندثار والفناء إن اختفت هذه الخصائص، والأمر يتعلق بكل المجالات وكل مناحي الحياة لأن الثقافة كما قال تايلر: «هي هذا الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع».
وبذلك فلا يمكن أن أركز اهتماماتي كلها لمكون ثقافي واحد، فباختفاء مكون ما يختفي معه معجم لغوي بالكامل، وهذا ما يفقر اللغة وتعلمها ويجعلها رهينة لغات أخرى مهيمنة والتي تعتمد على العناصر الثقافية من أجل الاستمرار وتنهل منها حتى من أجل تطوير اللغة وتجديدها.
وهذا يقوي أيضا ارتباطنا بهويتنا الثقافية ويجعل الأجيال القادمة قادرة على الاستمرار والمضي قدما نحو المستقبل، وتبدع من داخل هذه الثقافة ما يجعل جذورها أصلية خالصة، وبفروع متعددة.
كما أشكر منبر «العالم الأمازيغي» على هذه الفرصة من أجل التواصل مع محبي ريفانا والمعجبين بها، وقراء الجريدة.
حاوره: خيرالدين الجامعي
جريدة العالم الأمازيغي صوت الإنسان الحر

