فضيحة سوء تعامل مجلس النواب مع حقوق الأمازيغية

بقلم: الصافي مومن علي

بعدما قامت الحكومة باحالة مشروع القانون رقم: 4.20 المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإليكترونية على مجلس النواب ، أثير بشأن هذا المشروع نزاع جدي ، بسبب عدم دستوريته ، لثبوت إقصائه عمدا  إدراج اللغة الأمازيغية بحرفها تيفيناغ في البطاقة الوطنية الجديدة ، مخالفا بذلك للقانون التنظيمي  المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، المنصوص عليه في الفصل الخامس من الدستور ، التي تقضي المادة 21 منه بوجوب تحرير هذه البطاقة باللغتين الرسميتين معا العربية والأمازيغية.

وحيث ان تعامل المؤسسة التشريعية مع هذا القانون يطبعه نوع من التخبط ومن اللامعقول ، المتجلي بوضوح في بعض القرارات ، من ضمنها القرار الغير المنطقي  المثمتل في إحالتها مشروع القانون المذكور، على المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، للاستنارة برأيه فيه ، بدلا من إحالته على المحكمة الدستورية ، المالكة للحكم الحاسم في هذا الامر ، خلافا لمجلس حقوق الانسان الذي لا يملك فيه  الا  رأيا استشاريا غير ملزم.

ومن الاكيد ان غياب المنطق لدى هذه السلطة هو ما أدى بها الى تجاهل تطبيق مقتضيات الفصل 132 من الدستور، التي تخول لرئيس مجلس النواب احالة القوانين أو الاتفاقيات الدولية ، قبل المصادقة عليها ، على المحكمة الدستورية ، لثبت في مطابقنها للدستور، على اعتبار ان المشرع ، فتح باب هذه الاحالة المسبقة على المحكمة الدستورية ، لازالة الشكوك التي تحوم حول دستورية بعض القوانين او الاتفاقيات الدولية.

وانه نظرا لوجود اليقين ، وليس مجرد شكوك ، في خرق مشروع هذا القانون للدستور ، لعلة تعسفه في مخالفة المادة 21 من القانون التنظيمي السالف الذكر ، فانه والحالة هذه يكون السيد رئيس مجلس النواب قد اخطأ  تطبيق الفصل 132 من الدستور، ما يجعله غير معذور في جهله لهذا القانون الاسمى.

لكن والحال ان المؤسسة التشريعية ارتأت تفضيل احالة هذا القانون على المجلس الوطني لحقوق الانسان ، دون غيره ، فمن الممكن الاعتقاد بأن ما حدا  بها الى ذلك هو حرصها على عدم مساس القانون المذكور بالحقوق الثابتة للمكونين اللغويين الرسميين : العربية والامازيغية ، اقتناعا منها ، بان احترام هذه الحقوق أولى وافضل من احترام بنود الدستور، وانه والحالة تلك ، التجأت الى مجلس حقوق الانسان ، باعتباره خبيرا في مجال الحقوق ، ليعطيها رأيه في هذه المسالة ، قبل مصادقتها على ذلك القانون.

غير انه اذا ما افترضنا جدلا صحة هذا التخمين ، فمما لا شك فيه أن المجلس الوطني لحقوق الانسان – حين نظره في الموضوع –  سيجيبها لامحالة  بان المكون اللغوي الامازيغي ، هو من تضررت حقوقه في هذا القانون المنتقد ، لثبوت اقصائه كليا من البطاقة الوطنية الجديدة ، علما بان القانون التنظيمي المشار اليه آنفا ينص بالحرف على لزوم ادراج الامازيغية الى جانب العربية في هذه البطاقة.

وبالفعل فان ما يدل على عدم صواب ذلك الافتراض ، وبالتالي يدل ايضا على ان هاجس الحرص على عدم المساس بحقوق المكونات اللغوية الوطنية ، لم يكن اطلاقا لدى مجلس النواب ، بدليل ان لجنة الداخلية والجماعة الترابية والسكنى وسياسة المدينة التابعة لهذا المجلس ، فاجأت الرأي العام بمصادقتها بالاجماع على مشروع القانون السالف الذكر ، وذلك من غير ان يسمع أو  يقرأ  اي خبر يؤكد قيام مجلس حقوق الانسان باتخاد رأيه في هذا القانون ، وبابلاغه المؤسسة التشريعية به ، هذا وانه مباشرة بعد ذلك ، أقر مجلس النواب قرار هذه اللجنة وصادق بدوره بشبه اجماع على ذلك القانون ، من منطلق خروج فيدرالية اليسار مشكورة عن الاجماع.

والحق ان المرء العارف بمواقف هذا المجلس السلبية تجاه الامازيغية ، التي ورثها من سلفه  المجلس السابق ، لن يفاجأ بهذه المصادقة ، بقدر مفاجأته  من سر تراجع المجلس المذكور، عن الاطلاع على الراي الاستشاري للمجلس الوطني لحقوق الانسان ، قبل اقرار هذه المصادقة.

ذلك انه اذا ما ثبت فعليا هذا التراجع ، الذي يوحي به انعدام أي خبر أو  أي منشور، يؤكد  قيام هذا المجلس الحقوقي باتخاد رأيه في هذا القانون ، فان سلوك مجلس النواب لن يوصف حينئد بمعاكسته لحقوق الامازيغية فحسب ، أو بابتعاده عن المنطق ، وعن الدستور والقانون ، بل سيوصف كذلك بالعبث وبالتذبذب ، الذي لا يمكن ان يفسرا الا  بضرب مصدقية المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي يعتبر مؤسسة دستورية  مستقلة ، معروفة  على المستوى الدولي لاشتغالها وفق مبادئء باريس  والامم المتحدة.

اما الامازيغية المتضررة حقوقها من هذا القانون المعيب ، فلا تملك ما تقوله لكل من مجلس النواب ومن الحكومة ، الا ما قاله البستاني ، للذئب ، في الحكاية الشعبية المشهورة ، ذات الاصل الامازيغي ، المعروفة بقصص : ( الذئب والقنفذ ).

لذلك فان قال هذا المجلس للامازيغية من خلال تصويته على اقصائها في قانون البطاقة الاليكترونية الجديدة :

  • أنا ، شمتتك.

ستجيبه قائلة :

  • وانا ، عرفتك.

شاهد أيضاً

الدين والتدين وثنائية “الفوبيا” و”الفيليا”

في تحليل أسباب تصاعُد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب بعد أحداث 11 شتنبر 2001، يمكن رصد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *