مصطفى شهبوني: القصائد الأمازيغية تحمل صور شعرية بليغة وفي ثناياها تاريخ أقدم شعب ولغة في العالم

مصطفى شهبوني: القصائد الأمازيغية تحمل صور شعرية بليغة وفي ثناياها تاريخ أقدم شعب ولغة في العالم

أطلق صرخته الأولى بالريش إقليم ميدلت سنة 1976، ليشد الرحال رفقة عائلته لأغبالو حيث سيعانق لوتار لأول مرة، ويتعلق به بجنون ويتعلم العزف بشكل سريع.

حاملا مشعل رواد الأغنية الأمازيغية الأطلسية، وبتشجيع من رويشة والمرحوم مولود احموش، يحلق شهبوني في سماء الأغنية الأطلسية، ويبدع مقطوعات خالدة، من بينها رائعة “خنيفرة داثلا” الأغنية التي أداها في حفل تأبين الراحل/ الخالد محمد رويشة.

في هذا الحوار يحدثنا مصطفى شهبوني عن تفاصيل خطواته الأولى في عالم الموسيقى الأمازيغية الأطلسية، فضلا عن التحديات التي واجهته، وكذا انشغالاته الموسيقية المستقبلية، داعيا “الجهات المسؤولة توعية وتعبئة الفنانين والمبدعين الأمازيغ، حتى لا تجرفهم موجة الميوعة والتفاهة التي تجتاح المجتمعات”.

نرحب بكم على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، ضمن حواراتها الشهرية، بداية بالسؤال الكلاسيكي من هو مصطفى شهبوني؟

مصطفى شهبوني من مواليد 1976 بمدينة الريش حيث تلقيت تعليمي الأولي، المدينة التي كان لي شرف امتطاء صهوة المنصة بها لإلقاء قصيدة شعرية أمام جمهور غفير بمناسبة عيد العرش وذلك حوالي سنة 1982، لتشد العائلة الرحال إلى اغبالو وبها أتممت دروسي الابتدائية، وكنت إلى جانب الدراسة أمارس المسرح وأحيدوس في الحفلات المدرسية. بعدها انتقلت إلى مدينة ميدلت لأتابع فيها مساري الدراسي الاعدادي والثانوي آنذاك، وفي السنة الرابعة اعدادي عانقت آلة لوتار وتعلقت بها بجنون وتعلمت العزف بشكل سريع، وبدأت في تنشيط الحفلات منذ سنة 1990 تقريبا وصدر لي أول ألبوم سنة 2003 واستمرت المسيرة.

هلا حدثتمونا عن بداياتكم الفنية؟ متى وأين ولماذا لوتار بالضبط؟

كانت بدايتي الفنية مع آلة لوتار في أغبالو حوالي سنة 1989، إذ وقع اختياري على لوتار؛ لأن المرحوم محمد رويشة كان نجما ساطعا، وكانت موسيقاه تسكن وجداني، وكانت تربطني علاقة صداقة بحموشي لحسن الذي كان بدوره عازفا على لوتار وكذلك أبناء حمو الغازي بما فيهم إدريس ومحمد، وكنت أحفظ الأشعار الأمازيغية عن ظهر قلب، وفي سنة 1996 التحقت بمعهد التكنولوجيا التطبيقية بخنيفرة، وكنت أزور محمد رويشة في منزله، وكان المرحوم مولود احموش يشجعني ويوجهني وكان حلقة وصل بيني وبين العديد من الفنانين؛ مما أدى إلى تمسكي بآلة لوتار أكثر وأكثر.

ما هي التحديات والعراقيل التي صادفتكم إثر الولوج لعالم الموسيقى؟

في البداية يعمل الفنان جاهدا على أن يسجل اسمه في الساحة الفنية من خلال بحثه عن أعمال وإبداعات تخول له ذلك، ولكن التحديات الحقيقية تبدأ عندما يدخل الفنان عالم الشهرة والمنافسة، ويسعى إلى الحفاظ على مكانته وتحسين وتلميع صورته وأنا من جيل الذين كانت القرصنة عائقا أمامهم بعد استفحال دائها وانهيار شركات الإنتاج التي تضمن الاستمرارية والمنافسة الشريفة، وأصبح الفنان في زمننا منتجا ومروجا ومسوقا لنفسه والأمر يحتاج إلى مصاريف مادية واستراتيجية وسياسة تسويقية، ومن الصعب أن يتحقق ذلك دون توفر فريق عمل منسجم، وهذه العقبات أثرت لي في مردودية الإنتاج، ورغم كل هذا استطعت البقاء في الساحة بفضل المشاركات التلفزيونية والإذاعية والمهرجانات ونجاح العديد من أعمالي التي بقيت حية إلى يومنا هذا من بينها خنيفرة داثلا، أسيف أيا سيف، اوماثن، على سبيل المثال فقط لا الحصر.

برز اسم شهبوني كفنان في حفل تأبين مروض الوتر الأستاذ محمد رويشة، بإعادتكم لرائعته “خنيفرة داثلا”، هلا حدثتمونا عن هذه اللحظة؟

لم أقم بإعادة «خنيفرة داثلا»، بل أنا من غناها وهي من كلمات الأستاذ محمد أحوزار، ولازمتها الشهيرة أي عنوانها المعروف من كلماتي واللحن لحني. أما عن الموال الأول فهو من كلمات الشاعر حماد حتان من اغبالو والموال الثاني من كلمات الفنانة المعتزلة خديجة تاولعنزيت، يعني أن «خنيفرة داثلا» عملاً جماعياً اشتغلت عليه في ظرف وجيز، وأعطى صدى واسعا على المستوى الوطني، وأصبح كل من يعرف محمد رويشة يعرفني من خلال هذه الأغنية، ولا أنسى أن أجدد شكري للأستاذ محمد أحوزار؛ لأنه كان السبب الرئيسي في نجاح الأغنية وللمساهمين كلهم في إنجاحها من جمعيات أنازور وحمو اليازيد وإدارة المسرح الوطني محمد الخامس والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.

ما هي الثيمات التي تشتغلون عليها؟

أحب كثيرا الاشتغال على القصائد الأمازيغية لما تحمله من صور شعرية بليغة وثقافة تاريخية متجذرة، وغالبا ما تكون اجتماعية ترشيدية، كما أغني الأغنية العاطفية، وغنيت كذلك للقضية الأمازيغية، وتعاطيت مع مواضيع بالدرجة المغربية من كلمات الشاعر ياسين طالبي والزجال عز الدين خويا وهناك أعمال من كلماتي باللغتين المغربيتين.

هل صحيح أن موسيقى الأطلس غالبية تيماتها منحصرة في الحب والمرأة فقط أو موسيقى القصاير كما يشاع؟

كل فناني العالم يغنون للحب والمرأة وما يقال عن الأغنية الأطلسية مجرد اتهام بالاستثناء، المشارقة تغنوا بالحب نذكر مثلا المرحومة أم كلثوم في أغانيها العاطفية «ما رأى الحب سكارى»، «لسه فاكر قلبي». «أنساك»، «يا لي رضاك أوهام» وعبد الحليم حافظ في «رسالة تحت الماء» وفريد الأطرش وللتذكير فنزار قباني شاعر الحب والمرأة ولنا في السينما الهندية خير دليل على التغني بالحب والمرأة وجاك بريل Jacques Brel – Ne me quitte pas وو… أما عن ما يشاع بتسميته لقصاير فلكل شعب قصايره وجلساته الحميمية والأغنية الأطلسية تتناول كل هموم المجتمع ولكل حقبة تاريخية مواضيع تناسبها، كما تضامن الفنان الأمازيغي مع قضايا فلسطين ولبنان والعراق وشعوب أخرى في العالم كما يختلف التعاطي مع المواضيع حسب درجات وعي وثقافات وعقائد الفنانين.

ما ردكم على القول بأن الموسيقى الأطلسية الأمازيغية، فقدت بريقها وأصالتها فاسحة المجال للموسيقى التجارية؟

حاشا أن تفقد الأغنية الأطلسية بريقها مادام هناك فنانين محافظين على مستوى اللون وكثير منهم لا يدخر جهدا في الحفاظ على موروثنا الثقافي العريق الذي يحمل في ثناياه تاريخ أقدم شعب في العالم وأقدم لغة أيضا، ولا يوجد مانع في أن يساير الفنان الأطلسي العصر، وأن يدخل آلات عصرية يستعملها كل موسيقيي العالم فهل هي حلال عليهم وحرام علينا.

أضيف أن الفن مورد للرزق، ومن حق أي فنان أن يتاجر بفنه في حدود المعقول واحترام خصوصيات المجتمع وسمعته.

صحيح أن هناك موجة ميوعة وتفاهة تجتاح المجتمعات، وعلى الجهات المسؤولة توعية وتعبئة الفنانين والمبدعين، حتى لا يجرفهم التيار.

يعتبركم الجمهور الأمازيغي والمغربي عموما خليفة رويشة، وهذا بعد ثناءه عليكم إثر برنامج تلفزبوني قيد حياته، ما تعليقكم؟

فيما يخص الخلافة في الفن مع كامل احترامي لمن يؤمن بها فأنا على العكس؛ لأنها تؤجج نار الخلاف، وتطمس مفهوم الاختلاف الذي هو أساس التنوع الذي يضمن الاستمرارية والتجديد والتطوير والارتقاء بالأداء. الحياة تتطور باستمرار عندما نستخدم العقل، ونطمح فيما هو أفضل، المرحوم محمد رويشة استمرارية وتطور لمن سبقه من الرواد من حمو اليازيد، بوزكري عمران، مصطفى نعينيعة، وآخرين، وأنا وعدد من العازفين على آلة لوتار نشكل استمرارية لهذا اللون الفني الإبداعي

كيف يرى مصطفى شهبوني مستقبل الموسيقى الأطلسية بعد رحيل رويشة؟

لا يمكن أن نربط مصير لون غنائي بمسار رائد وحيد، وإذا فعلنا فقد حكمنا حتما عليه بالزوال، وهذه أيدولوجية هدامة للأسف يروج لها كثير من جمهور المرحوم رويشة لكونهم يحبونه بجنون. الحقيقة هي أن رويشة ركيزة من ركائز الفن الأطلسي الأمازيغي خاصة والمغربي عموما وألهم العديد من الفنانين الذين ذاع صيتهم من أبناء الأطلس على المستوى الوطني وهناك من تجاوز الحدود. أما عن مستقبل الأغنية الأمازيغية بعد ترسيم اللغة في الدستور، فيكمن في ترسيم الموسيقى الأمازيغية وإدراجها في برامج كل المعاهد الوطنية كما ينبغي إنشاء معاهد جهوية وإقليمية ومحلية تشتغل على خصوصيات كل منطقة، وتحتضن المواهب وتكونها حتى نتمكن من حماية موروثنا من الغزوات الثقافية الأجنبية والاستلاب.

ما رأيكم بخصوص بعض المحاولات الشبابية لتجديد موسيقى الرواد من أمثال رويشة وحمو اليزيد، بإضافة بعض الآلات العصرية أو الاعتماد على الموسيقى الالكترونية؟

المعرفة العلمية هي ما ينقص الفنان الأمازيغي والشعبي حتى يتمكن من التأليف السمفوني والمزاوجة بين الكلاسيكية والتجديد ولا عيب في استعمال آلات عصرية أو موسيقى إلكترونية شريطة الحفاظ على السلامة اللغوية، لأنني ألاحظ نقصا في اللغة عند بعض من يحاولون التجديد.

يعاب على الموسيقى الأطلسية الأمازيغية افتقارها لتقنية الفيديو كليب الاحترافي، إلى ما يعزو هذا؟

هناك مواضيع يليق بها الفيديو كليب وأخرى لا يليق بها، ضف إلى ذلك التكاليف الباهظة التي يتطلبها الإنتاج الاحترافي العالي الجودة، وعلى المستوى الوطني هناك تراجع كبير فيما يخص الفيديو كليب.

هل الفنان الأمازيغي يلقى الدعم اللازم من الوزارة الوصية على غرار باقي الفنانين المغاربة؟

في الحقيقة لا نتوفر على إحصائيات وأرقام دقيقة بخصوص دعم الأغنية. أما فيما يخص المهرجانات فالأمازيغ هم من يأخذ أقل التعويضات، كما أنه لا يوجد حضور الفن الأمازيغي في كل المهرجانات الوطنية، وأصبح الفنان الأطلسي منحصرا في أطلسه والغريب أن الفنان الأمازيغي تعرض عليه تعويضات هزيلة من أبناء جلدته.

كيف تنظرون إلى واقع ومستقبل الموسيقى الأمازيغية عموما؟

مستقبل الأغنية الأمازيغية رهين بتوفير بنى تحتية للاشتغال من قاعات عروض ومراكز ثقافية وتنظيم مسابقات للكشف على المواهب وتأطير الفنان وتعبئته.

كما ينبغي تحديد الحد الأدنى للتعويضات في المهرجانات، حتى نوفر للفنان الأمازيغي العيش الكريم، ونقطع الطريق أمام السماسرة الذين لا يهمهم إلا المال، إذ لا يشعرون أنهم ينشرون الرداءة والتفاهة كلما بحثوا عمن يشارك بثمن بخس.

ما هي مشاريعكم وانشغالاتكم الموسيقية حاليا؟

طريقتي في الاشتغال مرتبطة بحالتي الوجدانية، ولا أرغم نفسي على الإنتاج وأنا غير مرتاح، أتوفر على ذخيرة مهمة من أعمال كتبتها وأخرى تبرع بها لي كتاب كلمات أصدقائي وشعراء كبار من منطقتنا بالأمازيغية والدارجة المغربية وكذلك اللغة العربية وقريبا ستخرج إحدى هذه الأعمال إلى الوجود.

كلمة حرة..

أشكركم وعبركم طاقم جريدة «العالم الأمازيغي» على هذه الالتفاتة الرائعة، وأحيي فيكم اهتمامكم بالفنان الأمازيغي ومواكبتكم لكل القضايا التي تخص الإنسان الأمازيغي. وأتمنى أن يهتم باقي الصحافيين بقضايا الفن والفنان الأمازيغي والأطلسي خصوصا لإخراج وإسماع صوته إلى العموم.

حاوره: خيرالدين الجامعي
مصطفى شهبوني: القصائد الأمازيغية تحمل صور شعرية بليغة وفي ثناياها تاريخ أقدم شعب ولغة في العالم

شاهد أيضاً

عبد السلام بحاج: المجتمع الأمازيغي احتفالي بالدرجة الأولى كما تشهد على ذلك مسارح تشرشال ووليلي

من مواليد سنة 1972، بدوار أيت عمو حودران، تابع دراسته الابتدائية بمجموعة مدارس التحرير، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *