نقيشة سيدي عابد بدكالة وعلماء القبور

الحسين بوالزيت - صحفي وباحث في التاريخ
الحسين بوالزيت – صحفي وباحث في التاريخ

– ماذا يريدون ان يقولوا؟
– وما الذي دفعهم الى اصدار بيانهم؟ ومع من يتكلمون؟
– ماهي الرسالة التي يريدون ايصالها والى من؟
نقيشة سيدي عابد بدكالة وعلماء القبور.

سارع معهد وطني يعنى بالاركيولوجيا والثراث، قالو. الى اصدار بلاغ توضيحي حول نقيشة دكالة، وذلك عقب التحريات التي انجزها لفائدته متحر لم يسمع له حسا ولا ركزا في مجال حفر القبور ونبش التابوتات، وتصفيف العظام… تحريات خلصت الى ان النقيشة المسكينة التي ظهرت غصبا منها النور بضربة من معول مزارع كان يبحث عن قوت يومه، واذا به يميط اللثام عن حقيقة ظلت تبحث عن سبل اعادة اظهار نفسها للعالم ولتقول لنا جميعا ان مكاني ليس ها هنا!! وان الرطوبة القوية تحث الارض اوشكت على محو رسالتي النبيلة…. فرجاءا اريد مرقدا زجاجيا انيقا وجميلا يليق بماضي المشرق في احدى ردهات او صحون احدى المتاحف الوطنية لأكشف مفاتن زينتي لكل زائر متعطش لرؤية ملامح شاهدة حجرية على عصر حضاري ذهبي امازيغي ماض، نجحت سيوف ومجانيق الزمن الغابر في إسقاطه.

ولكن علماء القبور ما ان شاهدوا الفاتنة تدخل كل بيت، وتقتحم كل ربوة من جنات السوشيل ميديا، حثى سارعوا الى دبج بلاغ وتحرير بيان اشبه ما يكون ببلاغات الذين رموا دكالة وضربوها بالمنجنيق، وبأكوام الدوم، المرقد في زيت كلب البحر المخلوط بالقطران، واشعلت النيران لحرق الحقيقة ودفنها الى الأبد.

تمت قناعة لا مناص من اكتشافها مع البيان، قناعة تفيد ان الذين نجحوا نسبيا في كبح مفاصل النهضة الأمازيغية المعاصرة، من علماء القبور، وعلماء الأخبار، وعلماء الكلام، والخشب والحديد والبرونز، نهظة قادتها الحركة الأمازيغية بكل شجاعة ونكران للذات اشد ما يخافون منه اليوم هو الحركة “التحت أرضية”، حركة لا تقودها جمعيات، ولا فعاليات، وكنفدرالية، ولا فعاليات مستقلة أكاديمية او برحوازية يمكن ان تخاف على مصالحها الذاتية من الضياع والحصار اصبحوا يضربون اخماس في اسداس، عندما ادركوا انهم امام حركة تقودها العظام والاحجار وقطع البرونز، والحديد والفضة وكل اصناف المعادن، حركة تتحرك في جوف الارض وتخرج من رحمها الهادئ اسرار الازمنة الماضية، حركة لا تنظم تجمعات وتظاهرات في الجامعة وفي شوراع المدن الكبرى دفاعا عن لغة وثقافة امازيغيتين مغبونتين… حركة تكشف عن نفسها جراء فيضان، او اعمال حفر خندق، او بضربة معول من مزارع، او بشطف من الة حفرة جبارة غير ناطقة ومن فولاد يبحث عن فولاد….

الحقيقة اذن… ستأتينا من باطن الارض ومن جوفها بعد ان طمس حقيقة ما فوقها…
بدأت الحجارة في كسر اغلال السياسة، وبدأت في الدفاع عن الكلام المقهور، وبدأت العظام المتحللة في تكذيب الكلام المعسول واعادة كتابة التاريخ. فمن “التابوت” خرجت الحقيقة في سيدي بنور، ومن تافوغالت ظهرت جمجمة علم الطب، ومن مغارات بلادي ستظهر الحقيقة يوما.

تحرك المارد المرعب وشرع في كشف اسرار العالم السفلي، وتحرك العالم العلوي مرة اخرى للجمه واسكات صوته، صوت الحقيقة والازمنة الغابرة، دهاقنة المعبد ارتجفوا من هول الصدمة بعد ان رأو ما رأو، وهم امهر الناس في نسف الحقيقة وتشويهها، بل انهم زمرة دفن الحقيقة وقول غيرها للناس والدموع تنهمر من عيونهم. بلاغ المعهد المعلوم تصاعدت معه انفاس من كتبوه، بين كلمة واختها، وفاصلة وبنت عشيرتها من التشوير اللغوي… وظلوا يهرولون الى ان وصلوا تابوت كبيرهم في ليبيا ويكنى علي فهمي خشيم، تكلم المرعبون مع التابوت القديم وادركوا ما هم فاعلون امام المصاب الجلل…. ودبجوه في صك نفي الحقيقة التاريخية، حقيقة اجهزت ذات يوم على كبير الكهنة جوار قناة لصرف المياه، بعدوان ارغمه على مغادرة قصورة وقلاعه الحصينة التي كان يطل منها بهيئته الغريبة وبكسوته المفزعة، ليفزع الحقيقة…. طلعات بوجه متجهم جعل الحقيقة تؤجل ظهورها الحتمي الى حين انبعاث ليبيا وتعافيها من ضربات معاول القومية والنرجسية المريضة وانتفاخ الانا المزمن، معاول احترفت الهدم واصابت كل اقطار غرب ليبيا بعدوى الهدم الى ان وصلت شاطئ المحيط الأطلسي وحفرت عميقا في جوف الارض لدفن الحقيقة في دكالة ومدنها التاريخية، آزمور ومازگان، وسيدي بنور… ولكن ما يوجد تحث ارض دكالة من حقائق اكتسبت قيمة الخلود وآبت الا ان تظهر مرة اخرى معلنة نفسها للوجود وللعالم رافضة الموت الأبدي، بضربة معول من مزارع دكالي كان يبحث عن قوت يومه ولأولاده الصغار، وهو يمارس مهنة أجداده السابقين الذين اثقنوا غرس اشجار الزيتون الذي يعصر بعد جنيه في معاصر تتحرك رحاها وتدور بتيار مياه عيون دكالة واوديتها…. يا له من قدر، ويا لها من صدفة، وسخرية، بل ويالها من ميتامورفوزية او انمساخ فهمي خشيم. انمسخ الكذب الى حقيقة وتحولت مشتلة شجرة زيتون الى شجرة جبارة وانمسخت عروشها الى مخالب تنهش تابوت علي المسكين.

الحسين بوالزيت صحفي
وباحث في التاريخ
سلا في 22 فبراير 2023

اقرأ أيضا

في الدفاع عن العلمانية المغربية: رد على تصريحات ابن كيران

اطلعت على تصريحاتك الأخيرة التي هاجمت فيها من وصفتهم بـ”مستغلي الفرص لنفث العداء والضغينة في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *