يني إشرزن ثغنانت أو العناد الذي يغتال الوجود

أحمد الزيد

صدر للكاتب المسرحي أحمد زاهد إبداع مسرحي جديد حمل عنوان “يني إشارزن ثاغنانت” “الذين يزرعون العناد” أو العنيدون لتنضاف إلى نصوصه المسرحية السابقة مثل “أريازن واغ”، “إزران”، “أرماس”…

يتميز الخط المسرحي لأحمد زاهد بارتباطه الوثيق بقضايا الأمازيغية، لغة وثقافة وهوية” وتاريخاً. إلى جانب الحضور اللافت للريف في أعماله المسرحية، سواء على المستوى الثقافي، التراث، الذاكرة الشعبية والفنية، التاريخ، وصولاً إلى المعيش اليومي للريفيين. تشكل مسرحية “يني إشارزن ثاغنانت” إمتداداً واستمرارية للأعمال السابقة، غير أنها تتميز بخصائص فنية وجمالية تكسبها صفة التفرد والتميز والاستثناء المسرحي.

تتمثل فكرة المسرحية في أن الممثلين يكتشفون قبل بداية عرض المسرحية، اختفاء وغياب لباس محمد عبد الكريم الخطابي أحد الشخصيات الرئيسية في هذا العمل. وفي هذا العمل. وفي هذا الظرف المفاجئ، وفي انتظار هذا اللباس الذي قد يأتي أولا يأتي، يلجأ المخرج لفكرة عرض لوحات مسرحية مجزأة ومنفصلة:

محاورات طارق بن زياد وإدريس الأول، المحاكمة، إبليس، الألم. غير أنه بموازاة مع عرض هذه المشاهد المسرحية، وأثناء لحظات الفراغ بينها، يدخل الممثلون في خلافات وصدامات متعددة ومتكررة، فكل واحد منهم يحتقر الآخر ويقلل من شأنه ومن قدراته. لتكون البنية هي نسف مسرحية “يني إشارزن ثاغنانت” من طرف صناعها أنفسهم.

إن زمان المسرحية محدد لفترة الاستعداد لانطلاق العرض، بعد قراءة النص المسرحي، تحركت لي غريزة الكتابة، بغرض تناول بعض من زواياه. من منطلق ارتباطها بالبعد التاريخي والثقافي والهوياتي على وجه التحديد.

1- الهوية الأدبية للمسرحية: بين المعقول واللامقعول

عادة ما يُصنف الإبداع المسرحي إلى اتجاهين رئيسيين: المدرسة الواقعية والمدرسة العبثية (اللامعقول).

تعتمد المدرسة الواقعية تقاليد مسرحية ودرامي تهدف إلى إضافة المزيد من الواقعية إلى النص والأداء المسرحي، من خلال نقل ومحاكاة التعابير والانفعالات الموجودة في الحياة الواقعية اليومية. فالكاتب المسرحي يحاول تصوير الحياة كما هي عليه في الواقع. تطورت المدرسة الواقعية في أوروبا كرد فعل عن الميلودراما والمهام العاطفية، ومن اشهر رواد المسرحية الشهيرة، مسرحية “بيت الدمية”.

أما المدرسة العبثية او مسرح اللامعقول، فقد ظهر كاتجاه جديد يسعى إلى التجديد والتخلص من قيود المذهب الواقعي. إن كتاب مسرح اللامعقول من أمثال صامويل بيكبت، يونسكو، جان جينيه، وجورج شحاتة، لمحوا العجز التعبيري للأشكال الفنية والأدبية التي كانت تخضع لقوالب القيم والمفاهيم الاجتماعية السائدة. لذلك ركزا على الذات والخيال الإنساني. وتخلوا عن الشكل الدرامي الكلاسيكي الواقعي. فالحوار في مشرح العبث رمزي، غامض وإيحائي، أما الشخصيات فهي مجردة ولا تعيش أي زمن، وهي تدور في دائرة مفرغة، ولا تتطور إلا عن طريق تكثيف الموقف الدرامي.

إن المتفرج يندمج بقوة الفن في العمل الخيالي الذي تدور أحداثه أمامه. رغم أنه إذا استفتى عقله لقال أن ما يجري أمامه لامعقول. غير ان ما يشد المتلقي هو خلق جو متصل مع القاعة. برز مسرح العبث في خمسينيات القرن 20، وبالذات عام 1953 مع مسرحية “في انتظار ݣودو” «Waiting for godot »  للمسرحي الفرنسي الموطن، الإيرلندي الأصل « Samuel piquet ».

اتسمت هذه المسرحية بغموض الفكرة، وغياب عقدة تقليدية، وانعدام الحل، فكانت رمزية مبهمة للغاية. إن أهم ما في مسرح العبث بعيداً عن الزمان والمكان والحبكة، هو الحوار. غير أنه حوار غامض، مبهم، رمزي. والغاية هي تحفيز ذهنية المتلقي واستفزاز الذاكرة.

بين خصائص المسرح الواقعي (المعقول)، وسمات المسرح العبثي (اللامعقول)، تتموقع مسرحية “يني إشارزن ثاغنانت”. فهي منزلة بين المنزلتين، من خلال الخلط والجمع بين لحظات تتسم بالواقعية ومشاهد ولوحات مسرحية تسودها العبثية على مستوى الشخوص والأزمنة والأمنكة والحوار. إن المؤلف يتنقل بين الحاضر وبين أزمنة تاريخية مختلفة، حتى أنه في مشاهد من المسرحية يجمع بين شخصيات من أزمنة متباعدة، في حوار عميق المضمون، شديد الرمزية والايحائية.

إن هذه المسرحية من حيث خصائص بنائها الدرامي تشكل تطوراً، سواء على مستوى التأليف المسرحي لأحمد زاهد، او حتى على مستوى المسرح الريفي والأمازيغي، بالنظر إلى تميز هذه الخلطة التي تجمع بين المعقول واللامعقول على خشبة واحدة.

2- شخصيات من التاريخ:

تتميز المسرحية بحضور وازن لشخصيات تاريخية من ازمنة مختلفة. اختار المؤلف استحضار بعضها في سياق التطور الدرامي للمسرحية، فيما منح لشخصيات أخرى مساحة مهمة من خلال مشاهد تتخللها محاورات عميقة. لقد وظف كاتب المسرحية هذه الشخوص بدقة متناهية لتؤدي أدوار محددة ولتبلغ رسائل رمزية كبرى.

إن الدراما التاريخية لا تستهدف استعادة التاريخ لمجرد أن يتخفى المبدع خلفه للإدلاء برأيه في أحداث الواقع. كما فعل سارتر وهو يرحل في الزمان وأساطير الإغريق ليطالب بضرورة المقاومة الآنية في مسرحيته “الذباب” التي كتبها تحت سطوة الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية. بل هي أيضاً تقديم لتاريخ وشخوصه وأحداثه في صيغة جمالية ورمزية متكاملة وممتعة.

لقد اعتمد كاتب مسرحية “يني إشارزن ثاغنانت” العنصر التاريخي في تقديم أسئلته المركزية والبحث عن الأجوبة الممكنة، على اعتبار أن المسرح هو تأريخ للحظة واقعية تتفاعل بداخلها معطيات سياسية وإيديولوجية واجتماعية وثقافية وحتى ذاتية. كما أن انتقال التاريخ إلى الإبداع، هو انتقال ممتزج فيه الموضوعي بالذاتي لإنتاج موقف من القضايا والإشكاليات الراهنة.

إن حق المؤلف المسرحي في توظيف التاريخ، ينعكس على الخشبة من خلال البناء الدرامي للشخصيات.

لقد وظف الكاتب شخصيات تاريخية مثل: طارق بن زياد، موحا حمو الزياني، الشريف محمد أمزيان، محمد عبد الكريم الخطابي. ماسنيسا، بوغرطة، شيشنى، أكسل، يوبا، سان أوغوستين، تيميا، تاكفاريناس، تاشفين، تومرت، زيري…

هي دعوة مسرحية لإعادة الاعتبار للتاريخ الأمازيغي، قراءة، وكتابة، وهوية، وانتماءً.

3- القضايا الرئيسية في المسرحية:

تلامس مسرحية “من يزرعون العناد” قضايا متعددة ذات أبعاد مختلفة تتراوح بين الثقافي، الهوياتي، الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي. إن المشاهد والحوار واللوحات والشخصيات تحيل على انشغالات أساسية إرتأى مؤلف المسرحية ان يتناولها بلغة صريحة أحياناً وبرمزية عميقة أحياناً أخرى.

التاريخي الأمازيغي، الإستلاب الثقافي، وضعية اللغة الأمازيغية، الشرعية الدينية والشرعية التاريخية، حراك الريف، الواقع الاجتماعي في الريف، الهجرة السرية، منظومة العدالة والقضاء، نقد القيم السائدة، احتقار الذات، التهريب، الهجرة، المعاناة…، هي مواضيع ضمن أخرى تعالجها المسرحية وتشير إليها بإلحاح.

4- المخزون الرمزي في المسرحيىة:

تتضمن المسرحية مشاهد ولوحات وحوارات طافحة بالرمزية. أول مظاهر هذه الرمزية هي استحضار طارق بن زياد كأول شخصية في مشاهد المسرحية قائلاً: “أصبحتم في هذه الجزيرة مثل الأيتام الذين يقتاتون من مأدبة اللئام. لا شيئ لتأكلوه إلا ما تجنونه بأيديكم”.

إن طارق بن زياد فاتح الأندلس تعرض لأشد ضروب التنكيل من طرف موسى بن نصير، وانتهى به المطاف متشرداً رغم أنه هو من قاد المسلمين إلى شبه الجزيرة الإيبيرية.

ثم توالت رمزية الشخصيات التاريخية:

ماسنيسا: إفريقيا للأفارقة، محمد عبد الكريم الخطابي: فكر بهدوء واضرب بقوة، الشريف محمد أمزيان: مدرسة المقاومة… الممزج: كم انتم كثيرون، لكنكم لا تحققون شيئا. أنتم أعداء أنفسكم. ليجيبه محمد شكري: في أرض الإنتظار يموت الناس جوعا !

قدم المؤلف عبد الكريم الخطابي كشخصية محورية ورئيسية في المسرحية، سيتم استحضارها باستمرار في مشاهد المسرحية، وستنشب صراعات ونزاعات وصدامات بين الممثلين الثلاثة حول من منهم الأجدر بأداء دوره. تلخص الممثلة كل ذلك بقولها: الخطابي كانوا يتخاصمون معه، أما نحن فنتخاصم حوله.

أثار الكاتب قضية التاريخ الأمازيغي برمزية قوية من خلال تشبيه ما تعرض له من تغبيب بعملية ختان، حيث أزيل منه الجزء الأكبر، وتم اختصاره في 15 قرنا عوض 33 قرنا.

مشهد زحزحة آخر يتمثل في الحوار الذي دار بين طارق بن زياد وإدريس الأول، وما شابه من غضب وانفعال وعتاب. ثم مخاطبة طارق لإدريس قائلاً: «في تبرك الكثير من البخور، إنه لا يلائمني، فهو مظلم. أنا سليل الحرية. وقبري في قلوب الأحرار ».

وكامتداد لهذا المشهد، يوظف كاتب لمسرحية في مشهد آخر الممثل الذي يصرج المذياع من جلبابه، ليطلق أغنية لموال عربي، ثم يتمدد ويسترخي ليحتل كل الخشبة، وليهيمن على كل الفضاء الثقافي على حساب المكون الأمازيغي.

لقد قطعوا عنا الماء والكهرباء منذ زمان في الريف، 20 سنة مبينا للصلة، بكاء الممثلة وشكواها لأخيها الموجود في المهجر،… هي صور رمزية اخرى ترمز بها المسرحية.

5- إزران:

إحدى اهتمامات الكاتب الاتشغال على ظاهرة إزران في الريف حفضا وتدوينا ونلمس ذلك في هذا العمل فقد نَثَر الكاتب بين زوايا المسرحية مختارات من أجمل المواويل الريفية، سواء من التراث الريفي أو لشراء ريفيين كبار من أمثال: أحمد الزياني، سيد الموساوي، الوليد ميمون، عبد الرحيم فوزي… هي مقاطع طافحة بالجمالية والصور الشعرية الرائعة والإبداع الفني اللامتناهي.

يقول أحمد الزياني:

ثيشري ن رور إينو                            ذك أور نم أتفسي
أندار سبيج نوور                               نخمر ونضني
تودارت خمي غاثاحر                        نش ذشم أنارني

سعيد الموساوي:

نار زفد غايثيواشا                                نيسيد كينغ نوار
نشين نوشاس أوار                             إثفوشت أنمسكار
كنيو راجات                                       آس نوام أنكار

ومن التراث الريفي:

ثسغوي ماشينا                                دخان يوريد ذروس
مين يورا أربي                                  قيم أث نمحا سوفوس
عيبب ايي الليف                               ننتايي إسكار
جنتايي أثاويغ                                   نش أذسوغ كتار
نش خاك إغا شمضغ                          خافك إغا ذعقغ
خافك إغا ذورغ                                  ذ سيوان أذذوغ
يسنس وانزار يشات                           غر بغث س إمطاون
ماثوفيم أور نوم                                 ما عاذ أيشكامن

زوايا المعالجة في مسرحية “يني إشارزن ثاغنانت” كثيرة تغري بالبحث والتحليل نترك جزءاً كبيراً منها للطلبة الباحثين في الأدب والفكر الأمازيغيين.فالكاتب وضعنا امام احد روائع الادب الامازيغي تجسد فلسفة الوجود عند ايمازيغن في علاقته مع ذهنية الهدم والتي يولدها العناد

للإشارة المسرحية صدرت عن مطبعة البصيرة مكتوبة بحروف تيفيناغ ، العربية ، اللاتيني  قام بمراجعتها اللغوية الكاتب لحبيب فؤاد، محمد بوزݣو، بنعيسى المستيري، وقد صدرت في طبعة أنيقة بروتوشات الفنان أحمد حماس.

شاهد أيضاً

امحمد القاضي

الأنشطة الشبابية والنسوية المدرة للدخل: قاطرة التنمية لحفظ الكرامة ببوادي سوس – أيت عبد الله نموذجا

ساكنة جبال سوس مرابطة بالبوادي وسط طبيعة جافة قاسية نظرا لتعاقب سنوات الجفاف لعقود من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *