“أبقوي” لقب من أجل فرض الذات الجماعية ورد الاعتبار للقبيلة البقيوية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحقل الريفي..
نرحب بكم على صفحات جريدة “العالم الأمازيغي”، من هو بدر بوسكوشي؟ ولماذا “أبقوي”؟
بادئ ذي بدء، أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكم على المجهودات التي تقومون بها من أجل رد الاعتبار لكل ما يتعلق بالأمازيغية فنيا، أدبيا وثقافيا.
بدر بوسكوشي، مواليد سنة 1995 بمدينة الحسيمة، التي تابعت بها دراستي من المستوى الابتدائي إلى البكالوريا التي تحصلت عليها سنة 2013 بثانوية البادسي، شعبة الاقتصاد والتدبير المحاساباتي.
دراستي الجامعية كانت بجامعة عبد المالك السعدي، حيث تحصلت على الإجازة في شعبة الاقتصاد والتدبير في مارتيل سنة 2016، ثم تحصلت بعدها بعامين على ماستر متخصص في الاقتصاد والحكامة بطنجة سنة 2018.
لم يقف مشواري الجامعي هنا، بل خضت تجربة أخرى في الخارج، حيث تحصلت على ماستر مهني في شعبة الدراسات الأوروبية تخصص الجماعات الترابية والاتحاد الأوروبي بجامعة لورين الفرنسية سنة 2022.
فيما يتعلّق بالاسم الفنّي «أبقوي»، هو لقب من أجل فرض الذات الجماعية ورد الاعتبار للقبيلة البقيوية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحقل الريفي، والتي لم تنل حقّها من الاعتراف الشعبي طيلة التاريخ. لقب أبقوي هو أيضا رفض للمركزية الإثنية والاحتكار الرمزي لتاريخ الريف أو نسبه الشريف.
متى اكتشفت موهبتك في التأليف الموسيقي والغناء؟
موهبة الغناء اكتشفتها سنة 2004 في الزلزال الذي ضرب الريف، آنذاك كنت أقوم بأنشطة غنائية قبل النوم مع إخوتي، وكنت أؤلف أغان وألحان من مخيلتي وأغانيها مع ربطها بالسياق الذي نعيشه في تلك الفترة، أي كنت أترجم ما نعيشه في اليوم إلى أغانٍ، لخلق جو من المرح والضحك ونسيان جو الذعر الذي فرضه الزلزال على الساكنة.
شيئا فشيئًا، بدأت ألاحظ أنني أضبط الميزان الموسيقي جيدًا مقارنة مع إخوتي، وكذلك لا أبتعد كثيرًا على المقام الموسيقي. الشيء الذي أخذته بجدية، وأحسسني بامتلاك شيء لا يمتلكه الآخرون، وهو الأذن الموسيقية، ومن هنا كانت البداية.
ثم بعد ذلك، تطورت هاته الموهبة في السلك الإعدادي بمادة التربية الموسيقية مع الأستاذ عبد الغفور الأزرق الذي كان له فضل كبير في تلقيني أساسيات الموسيقى، وتطوير مهاراتي في الموسيقى النظرية والغناء الجماعي.
ما هي الصعوبات التي واجهتكم في بداية مشواركم الموسيقي، وكيف تغلبتم عليها؟
أنا فنان صارم مع نفسه، الصعوبات التي واجهتها في مشواري لم تكن بتاتا مادية، بل كانت معنوية! ماديًا، عائلتي توفر لي كل ما أحتاج إليه لكي أمارس هوايتي وصقل موهبتي، المادة في ظل الإمكانيات لم تكن يوما عائقا لي.
الجانب المعنوي هو ما عانيت منه، حيث أنني كنت متطلباً مع نفسي أكثر من اللازم، وما زلت على هذا النحو. الفكرة كانت أنني يجب أن أعي جيدًا ما أريده من الموسيقى والغرض منها والهدف الذي يجب أن أصل إليه، وتلك البداية الأولى كانت أصعب شيء… لأنني شخص إستراتيجي، ولا أحبذ العشوائية في الأعمال التي أقوم بها.
لكن، بعد جهد جهيد وعمل متواضع، توصلت إلى تقنية عمل، وهي مرحلة انتقالية من أجل الظهور في الساحة الافتراضية بالإمكانيات المتاحة، والاحتكاك بالحقل الفني، من ثم سيتم تقييم العمل الذي قمت به وتسطير أهداف جديدة أكثر مهنية وفعالية.
أين يجد أبقوي راحته، التلحين الموسيقي أم الغناء؟
لا أفرق بينهم بتاتًا، لأنني أشتغل على موسيقاي بنفسي… وأظن أن مسار العمل الفني قبل الولادة ضروري أن يمر من كل هاته الخطوات: التلحين، الكتابة، التوزيع، ثم الغناء.
لكن بحكم التجربة، كل عمل فني له خصوصيته، تارةً أجد راحتي في الغناء وتارةً في التلحين أو التوزيع. بخلاصة، أستمتع بكل لحظة أقضيها ممارسا هوايتي المفضلة، وكما يقال: «أينما كانت الموسيقى، ثمة حياة».
«Yemma» أغنية هدية لأمّي في عيد ميلادها وعربون محبة وشكر لكل أم على كل التضحيات الجسيمة التي تقوم بها..
متى أصدرت أغنيتك الأولى ومن كتبها ولحنها؟ وكيف كان تفاعل الجمهور معها؟
أول أغنية أصدرتها كانت قبل سنتين، وتحمل اسم «Yemma»، هاته الأغنية كانت هدية لأمّي في عيد ميلادها، وهي عربون محبة وشكر لكل أم على كل التضحيات الجسيمة التي تقوم بها من أجل الأسرة.
الأغنية، كانت من كلماتي، تلحيني، وتوزيعي. والشيء الذي لا يعرفه البعض أن هذا العمل تم إنجازه في ظرف يوم وفقط. من الكتابة إلى الميكساج والماستورينج.
بصراحة، لم أكن أنتظر ردة فعل المستمعين لتلك الدرجة. لم أكن أتوقع آنذاك أن الأغنية ستخطو حقل الأصدقاء والعائلة بل الناس كان لهم قرار آخر، سررت بردود الناس وارتساماهم حول العمل، وتلقيت تهاني جيدة. وأعتقد أن السبب راجع إلى موضوع الأغنية الذي لا يختلف عنه اثنان، وهو أن أعظم حب في الدنيا حب الأم.
التراث الموسيقي الريفي والأمازيغي عموما يتمتع بثراء موسيقي عظيم… ما الذي تأثر به بدر بوسكوشي؟
فيما يتعلق بالتراث الريفي، أتأثر بكل ما يثبت وجودي كريفي، وأي شيء يضفي طابع الحقيقة على كينونتي. موسيقيا، ما زلنا نعاني في الريف من هذا التيه الموسيقي.
حاليا أشتغل على البحث في عمق الموسيقى في الريف، وأحاول استخلاص المادة الخام للفصل بين موسيقى الريف والموسيقى الريفية.
الريف يعيش ثراءً ميتما فيما يخص الموسيقى، حيث إن الموجات الموسيقية للأجيال السابقة والحالية ظلت حبيسة الإنجازات الأولية. وأصبح الريف بذلك يعيش بؤسا فنيا وموسيقيًا، السبب الذي جعل هذا الأخير لم ينل حظه من النجومية على المستوى العالمي.
ماهي الرسالة التي تحاول ايصالها للجمهور عبر أغانيك؟
بكل صراحة، لا أحبذ فكرة إيصال الرسائل لأن المنطق يقول إن الرسالة توجب شرطا أن يتوفر متلقٍ لهاته الأخيرة، برأيي الشخصي إيصال الرسائل فنيا لم يعد مجدي، لأن عصر العولمة والتأثير الرقمي جعل من الفن أداة دسمة للتجارة فقط لا غير، وبحكم أنني فنان حر لا أحبذ فكرة المتاجرة بفني.
موسيقيًا، أؤمن بموسيقى التشخيص، أحب أن أعالج مواضيع عن طريق تقمص دور الشخصية المراد معالجة قضيتها، أو تشخيص الفكرة عن طريق ترقيمها في قالب شعري موسيقي.
والفكرة من هذا الفن الذي أقدمه، هو أن يشارك المتلقي بنفسه في تفكيك رموز العمل الموسيقي واستنباط الأفكار الابداعية منه، ولا أن ينتظر أن أغذّي حقده عبر مواضيع هو يختارها، كذلك قياس مستوى الوعي الجماعي عن طريق المواضيع الموسيقية ومدى تأثيرها في الحقل الفني.
لكل فنان أغنية مقربة له وربما كان لها الفضل بأن نالت إعجاب الكثيرين وزادت من شهرته أكثر، هلا حدثتنا عنها؟
الأغنية المقربة لي كثيرًا، هي أول أغنية أصدرتها كعربون هدية في عيد ميلاد أمي. وهي أول أغنية عرّفت جمهوري عني.
أغنية اشتغلت عليها بكل ما أملك من أحاسيس وحب، لأستخرج منها أفضل نسخة من أجل أمي، بإمكانيات بسيطة جدًا.
سعدت بردة فعل الجمهور، كما تلقيت تعبيرات خاصة من بعض الناس عن قصصهم وعلاقاتهم مع أمهاتهم، وأن هاته الأغنية أيقظت فيهم حساً ورغبة الاقتراب أكثر من الوالدين.
ما هي الثيمات والأنماط الغنائية التي تشتغلون عليها؟
بخصوص الثيمات والأنماط، بالنسبة لي الموسيقى إحساس وحرية تعبير، لا أتقيّد أبدًا بأي ثيمة أو نمط معين.
كلما أحسست أنني أود التعبير بنمط أو الغناء على ثيمة معينة فثمة حريتي وشغفي، لكن على العموم كل الثيمات التي اشتغلت أو سأشتغل عليها ستكون في علاقة مع محيطي وبيئتي، حيث أنطلق منه كي أعبر عما لا أستطيع التعبير عنه واقعيًا.
الموسيقى خاصتي هي فضاء حريتي.
متى سيصدر “أبقوي” ألبومه الأول، وهل سيحتوي أغنية بطريقة الفيديو كليب؟
حاليًا، أظن أن الألبوم ما زال بعيدًا، وأريد منه أن يكون أول عمل مهني احترافي في مساري، على جميع المستويات.
في الماضي القريب كنت قد أنهيت تحضير EP صغير، يحتوي على 6 أغانٍ، لكن شاءت الأقدار أن يضيع العمل في قرص صلب لم أستطع استرجاع محتواه.
أمّا بخصوص الفيديو كليب، بما أنني أحب التشخيص فإن العمل الذي سيحظى بفيديو كليب يجب أن يحتوي على ثيمة يتم معالجة النص فيها عن طريق التمثيل. غير ذلك فإنني أحب الأعمال بدون فيديو كليب.
كيف تقيمون واقع الموسيقى الريفية والأمازيغية عموما؟
بكل صراحة، الموسيقى الريفية في تطور ملحوظ، وهذا أثبتته عدة شخصيات فنية على المستوى المحلي والأوروبي… لكن كما سبق أن قلت أننا بقينا حبيسي ما أنتجه الجيل الأول والثاني، ولم نستطع تجاوز هذا الإنجاز الذي يعتبر عبئاً تاريخي للعديد من الفنانين بالريف.
وهذا العبء قسّم الفنانين إلى قسمين، أدّى إلى تصنيف البعض في خانة الموسيقى الرديئة: كسلام الريفي وميلودة الحسيمية، والبعض الأخر إلى الأغنية الملتزمة كأمثال: خالد إزري ووليد ميمون.
إن المدخل للتحرر من هذا الاحتكار الرمزي للفن هو الحسم مع الموسيقى بأنها أداة تعبيرية، وليست مهنة وظيفية. وكذلك الفصل التام بين موسيقى الريف والموسيقى الريفية.
برأيك أيهما يعتبر أكثر تأثيرا على الجمهور، الكلمات أم اللحن؟
بالنسبة إلينا كريفيين، وبما أننا ننتمي لمدرسة الموسيقى الشفهية (إزران) فإن الكلمات هي مربط الفرس في الموسيقى، فلا يمكننا كريفيين أن يكون اللحن أهم عندنا من الكلمات، لأن الثابت عندنا هو الميزان الشعري أو الشعر والمتغيّر هو اللحن.
لهذا فأنا على حرص تام أن تكون أعمالي تتميز بأسلوب شعري متميز مع توظيف قاموس معجمي أصيل يحتوي على كلمات بدأت بالاندثار، وإحياءها في قالب موسيقي.
ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
أشتغل حاليا على ست أغان جديدة، انتهيت فيهم من مرحلة الكتابة والتلحين، وبقيت مرحلة التوزيع والتسجيل. وبعدها سأطرحهم على قناتي باليوتيوب للجمهور.
ثلاث أسماء فنية أثرت في مسيرتكم الموسيقية؟
صراحة لا يوجد اسم فني خاص أثر في مسيرتي، لأنني أؤمن أن الفنان يجب ألا يتأثر بأي كان إلا بأفكاره الموسيقية، لكن عموما أستمع إلى جميع الأصناف الموسيقية والفنانين، وأحاول أن أفهم شخصيتهم، ونظرتهم للأشياء من منظور فني في إطار التعددية.
كلمة حرة؟
أجدد شكري لكم، وأتمنى لكم مسيرة موفقة في العمل الذي تقومون به لتسليط الضوء على الثقافة الأمازيغية.
حاوره: خيرالدين الجامعي