أحمد بوزيد يستضيف “زورا تانيرت” عل صفحات العالم الأمازيغي

امرأة أطلسية تحمل في ذاكرتها حكايات السلالة وأوشامها وسجلاتها الشعرية وإيقاعاتها الموسيقية وحكمها التي نثرتها بسخاء تجارب القدامى وخبراتهم الحياتية ، وتحمل في أعماقها لوعة ” الأمارك ” وأشجانه وما يتولد عنه من هواجس، الأمارك ذاته الذي يحمله حمو أونامير ، وإذا كان هذا الكائن الميثي قد اختار السفر إلى العوالم العلوية، فإنها اختارت لنفسها أن تستأنس بالموسيقى والكتابة في مطبخها الإبداعي وأن تمكث في الأرض تنصت لما يتعالى من مغاراتها وتضاريسها من نداءات.

امرأة استطاعت أن تنفلت من الضوء الباهر للتجربة الموسيقية لعموري مبارك ، وأن تطل على المشهد الثقافي من كورال فرقته وتسير بخطوات حثيثة بعد ذلك لتقف يوما بجنبه موسيقية في مقتبل التجربة وتسير بالخطى نفسها لتشيد لذاتها منزلة في قلبه وتستوطن أعماقه وتستوطن لغته الموسيقية بما هي بيته الرمزي. قادمة من مدرج الجامعة ومن محاضرات الأدب الانجليزي شقت الزهرة أكازو طريقها إلى زمنية الإبداع الممتدة معلنة ولادتها الثانية التي يؤرخ لها انخراطها في حراسة المعنى وانشغال المخيلة بوشم الذاكرة، الولادة التي اجترحت فيها لنفسها اسمها الشخصي ” زورا تانيرت “.

في هذا الحوار نستضيفها ونحاول الاقتراب من تجربتها ومن عملها الموسيقي الجديد حيث يستعيد الورد طلاوته في مسارها، ويتحرر من إسار الطبيعة ليتضمن استيهامات الذات ورغباتها وولعها الراسخ بالترحال والعودة إلى الينابيع الأولى في مسارها الشخصي وفي مسار سلالتها الضاربة بجذورها في الذاكرة والتاريخ .

إعداد وتقديم: أحمد بوزيد

* بداية، يلاحظ المتتبع لمسارك تعدد اهتماماتك الإبداعية إذ انخرطت في كتابة الشعر قبل سنوات كما أصدرت مجموعة من الأعمال الموسيقية، ما التجربة التي أفضت بك إلى اختيار الموسيقى شكلا للتعبير عن الذات، هل من جذور لهذا الولع في تاريخك الشخصي ؟

_ بالنسبة للشعر أنا مولعة منذ صغري بالكتابة.. وقد شاركت في عدة ملتقيات شعرية باللغتين العربية والأمازيغية؛ آخرها حصولي على المرتبة الثانية في برنامج المبدعين الشباب في صنف الشعر الأمازيغي على القناة الثانية. لكني لم أصدر لحد الآن أي ديوان شعري… بالنسبة لولعي بالموسيقى هو نابع من تأثيري بعائلتي أولا وبارتباطي القوي بالمنطقة التي أنتمي إليها في جبال الأطلس الكبير. ابي كان عضوا فعالا في فرقة تاسكيوين بمنطقة اركيتن التابعة لمدينة تارودانت..جدي كان أيضا معروفا بعشقه للفن.. إضافة إلى أن هذه المنطقة تزخر بموروث فني كبير تجعل المنتمي إليها يتأثر فطريا بفنونها.

*يعتبر روني شار أن الفن ليس هو الشيء الجميل، ولكنه النظرة الجميلة إلى الأشياء، ومعلوم أنك تزاوجين بين كتابة الشعر وبين الإبداع الموسيقي، ما الذي يحدد اختيارك لهذا الشكل الفني أو ذاك شرفة تنظرين من خللها إلى العالم؟

_ إذا كان روني شار يعتبر أن الفن هو النظرة الجميلة للأشياء فأنا أضيف إلى تلك النظرة الجميلة الإحساس الجميل.. فالفن الذي لا يبدأ بالإحساس ليس فنا. الفن في جميع تلاوينه يعتبر شرفة نطل بها على العالم سواءا أكان شعرا أو موسيقى أو فنا تشكيليا.. بالنسبة لي الإحساس هو المنطلق الذي يجعلني أبدع بالكلمة شعرا وبالصوت غناءا .. تلك النظرة الجميلة هي التي تترك داخلي الإحساس الجميل وبذلك أستطيع أن اجمع بينهما في عمل فني متكامل.

* تصدر أعمالك الموسيقية عن رؤية تتخفف من الدور الرسولي والتغني بأمجاد السلالة وبسردياتها المؤسسة كما هو الحال في كثير من تجارب الموسيقى الأمازيغية الحديثة إلى الغناء عن هواجس الإنسان إزاء الألم والحنين والغياب والموت ونداءات الحب، واستلهام الميثولوجيا الأمازيغية، لماذا اخترت هذه المسالك دون غيرها في أعمالك الموسيقية؟

_ الفن منبعه الألم ومصبه الأمل.. أن يخوض الفنان في البداهات والمواضيع المبتذلة لا أعتبره إبداعا.. الإبداع هو أن يخوض الفنان في ماهية الإنسان..آلامه.. تقلباته.. عمقه.. تأثير المحيط فيه حتى يستطيع أن يزرع الأمل فيه وهذا طبعا مع الحفاظ على السهولة في الوسائل التي يستعملها لإيصال فنه للمتلقي وأقصد بالسهل هنا السهل الممتنع. هذه مسالك اخترتها لأنها الأكثر تأثيرا على المتلقي. أعتقد للأسف أن ما يصل اليوم إلى أذن المتلقي هي إنتاجات تسخر من ملكة عقولنا.. وربما وصلنا لدرجة بناء جمهور يستقبل الجاهز ويرفض التفكير في عمق الأشياء.

* تلقي التجربة الموسيقية الشامخة للراحل عموري مبارك بظلالها على أثرك الموسيقي، من ناحية الأساليب الموسيقية والمزاوجة بين اختيار نصوص التجربة الشعرية الحديثة وسجلات التجربة الغنائية التقليدية ، هل يمكن الاطمئنان إلى كون تجربة زورا تانيرت هي امتداد لتلك التجربة ؟

_ أريد أن أؤكد أن الفنان عموري مبارك لم يكن فقط فنانا بالنسبة لي.. لقد كان ولا زال أستاذا ما زلت اتعلم منه رغم رحيله عن هذه الحياة. يصعب علي القول أني امتداد له فتجربة نصف قرن أو يزيد لا تقارن بتجربتي البسيطة. لكني في محاولات دائمة ودؤوبة أن أكون تلك التلميذة النجيبة التي حفظت دروسها وتخطو نحو النجاح ويكفيني فخرا أن أسمع الجمهور يردد أنني ذلك الغصن الذي انبثق من تلك الشجرة.

* في عملك الموسيقي الجديد ثمة ألحان وموسيقى من تأليف الموسيقي للراحل عموري مبارك ، هل هناك ألحان أخرى من تأليفه لم تنبثق بعد ؟

_ أكليد ن إجديكن ما هي إلا غيض من فيض.. فالفنان عموري مبارك ترك لي القليل وأخذ معه الكثير.. الإصدار الجديد هو بداية لسلسة من الأغاني التي اختارها الفنان عموري مبارك بعناية لكنها لم تر النور بعد.. ولا أخفيكم أنها مسؤولية كبيرة تجعلني أحيانا أخاف من الخوض في تسجيلها لكن الواجب يحتم علينا إخراجها إلى الوجود احتراما وتقديرا لعطاءات هذا الفنان الكبير.

* هل يعني وجود الألحان كون الراحل عموري مبارك ينشغل أولا بتأليف الألحان الموسيقية قبل البحث عن اختيارت شعرية تنسجم معها ، لك أن تعبري بنا إلى عوالم محترفه كي نستضيىء ونكتشف النار الهادئة لمطبخه الموسيقي؟

_ الفنان عموري مبارك قبل أن يكون موسيقيا وملحنا فهو شاعر ومدمن على قراءة الشعر.. في خضم قراءته للدواوين الشعرية قد يقع إحساسه على قصيدة فيبدأ بتلحينها.. عموري يختار الشعر أولا واختياراته رهينة بشكل كبير بإحساسه ودرجة تأثيره بعمق المعاني. أتذكر إحدى القصائد التي أهداها له الفنان والشاعر علي شوهاد يقول فيها “نكر امكلي د امنسي كيس ميا نوغاراس” سألته عن المغزى من اختياره لهذه القصيدة والمغزى من هذه الجملة بالضبط ليخبرني أنها تذكره بطفولته القاسية ويتمه.

* في عملك ” أكليد ن إجديكن ” يحضر السفر كبنية سردية للنص الشعري مرفقا بإيقاعات القرية ، سفر إلى ينابيع وبراري الأطلس الكبير برؤية رومانسية تنتقل بالورد من طبيعته الصامتة لتحتفي بالفرح الإنساني، كيف تشكل هذا السفر الغنائي، وهل كان سفره إلى المتلقي سلسا أم أن صعوبات كثيرة اعترضت خطاه؟

_ أكليد ن ءيجديكن استطاع أن يجمع بين سعيد ادبناصر كشاعر وعموري مبارك كملحن وأنا كمؤدية للأغنية وقاسمنا المشترك هو بحثنا عن البساطة والعمق في آن واحد. إضافة إلى انتماءنا الروحي للقرية والطبيعة وهذا طبعا هو ما يميز الإنسان الأمازيغي.. فارتباطنا بالأرض والطبيعة يجعلنا دائما نرغب في العودة إليهما في الشعر وفي طريقة اللحن التي ترتبط بالفرح ومن خلال الإيقاعات التقليدية النابعة من أسايس ن أحواش. وأعتقد أن المتلقي قد تفاعل مع اللحن والكلمة لكنه وجد بعد الصعوبات في تفاعله مع علاقة الأغنية بالغلاف الرسمي للأغنية.من ناحية أخرى أعتقد أن العمل المنتقى بعناية ليس سهلا بناؤه وإخراجه إلى الوجود لأنه يحتاج إلى موارد مادية كبيرة.. وهذا العمل إذا رأى النور اليوم فذلك بفضل طاقم فني متميز أفضل الحديث عنه بطريقة مفصلة لكي أعطيه حقه.

* بالمناسبة تشتغلين زورا تانيرت مع طاقم فني خبر الموسيقى الأمازيغية التقليدية وأساليبها وأنماطها الإيقاعية كما يمتلك قدرة على تطويعها لتنسجم والملمح الحداثي لأدائك الموسيقي ولذائقتك الإبداعية، هل لك أن تحدثيننا عن هذا الطاقم وعن تجربته؟

_ في الحقيقة هذا العمل إذا رأى النور اليوم؛ فذلك بفضل طاقم فني متميز لديه تجربة فنية رائدة.. خبر الموسيقى بجميع أنماطها.. ولديه تجارب مع عدة مجموعات غنائية وفنانين لديهم وزنهم في الساحة الفنية. ولا تفوتني الفرصة لكي أشكر الموسقيين في شخص الفنانين رشيد تابت، ورحال بوعدي وعبد الله أيت المودن وجمال وصفي ويونس تيفطال. تقني الصوت فؤاد خدري وعادل عيسى.. الفنان الذي أبدع في خلفية الأغنية رشيد أوحمو والشاعر سعيد ادبناصر. والاستاذة مليكة أغواش والاستاذ أحمد المقري و ماسين ازايكو الذين اعتبروا هذا المشروع الفني مشروعهم ولم يتوانوا في أي لحظة عن مد يد المساعدة حبا في الفن واحتراما وتقديرا للفنان عموري مبارك.

* اخترت كخلفية لعملك الفني لوحة تشكيلية تنتسب للفن التشكيلي الفطري كمعادل في التشكيل لإيقاعات القرية وفنونها موسيقيا وتنتسب للفنون البصرية الحديثة، عبارة عن محاورة للميثولوجيا الأمازيغية تتبدى فيها الوردة في شكل ملكة أمازيغية مقيدة وعمياء، ما الاعتبارات التي حكمت هذا الاختيار البصري دون غيره من الاختيارات ؟

_ في بحثنا الدائم عما يخاطب دواخل الإنسان كان لا بد لنا من التعامل مع فنان تنسجم أفكاره ونظرته للأشياء مع نظرتنا.. الفنان رشيد أوحمو كان الشخص المناسب لهذه المهمة لموهبته الجميلة وتجربته الفريدة في التعامل مع هذا النوع من الفنون البصرية. الفكرة في مضمونها هي إعادة الاعتبار للموروث الطبعي لمنطقة سوس باعتباره مصدر عيش الكثير من الأسر الأمازيغية..إضافة إلى أن الطبيعة هي مرجع ومصدر للموسيقى.. ويستطيع الإنسان في علاقته بها أن تخترق حواسه من بصر وسمع وملمس ليصل لدرجة الإبداع. الطبيعة ليست دائما نعمة، قد تكون على الإنسان نقمة لهذا فالخلفية هي تمثيل لثنائية الوجود “الخير والشر”، للمثولوجيا الأمازيغية المرتبطة أيضا بالطبيعة وتقديسها. (تلغنجة كمثال)..هي مجموعة من الأفكار العميقة التي حملتها كلمات الأغنية واللحن وإخراجها البصري .

* ينهض عملك على الاعتزاز بالذاكرة وبتحديث الثقافة الأمازيغية وتجسيد التنوع الثقافي وتنمية الذوق والوجدان وحراسة المعنى، هل شفع له ذلك ليحظى بدعم مؤسسي من قبل وزارة الثقافة ومن قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة مكلفة بالنهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيين في المغرب؟

_ للأسف هذا العمل توجهنا به لوزارة الثقافة لكنه لم يحظ بأي التفاتة.. نتمنى في قادم الأيام أن يجد آذانا صاغية تحترم وتقدر الرقي بالفن الأمازيغي؛ لأن وكما سبق لي الذكر لدي عمل فني متكامل وموروث فني لفنان أعطى الكثير لهذا الوطن..فنان يحتاج إلى إخراج أعماله الفنية للوجود والعمل من أجل إيصالها للجمهور وليس استغلال فنه كلما أتيحت الفرصة لذلك.

اقرأ أيضا

التناص في الأدب الأمازيغي نماذج مختارة من الشفاهية ومن رواية أضيل ن إسردان ل عمر بوعديدي

 تمت مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب الأمازيغي بكلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة سيدي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *