اختتمت مساء اليوم الأحد فعاليات تخليد الذكرى 107 لاستشهاد “الشريف سيدي محمد أمزيان”، الذي نظمته جمعية الذاكرة والمستقبل بمدينة أزغنغان بشراكة مع مجلس إقليم الناظور، خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 19 ماي 2019، بكل من مراكز أزغنغان، إحدادن، سلوان، بني انصار وأمجاو.
وتميز اليوم الثالث من فعاليات تخليد هذه المحطة التاريخية، السبت 18 ماي، بتنظيم ندوة علمية تحت عنوان “المقاومة المغربية للإستعمار بالريف.. دروس في الوطنية”، عرفت مشاركة ثلة من الأساتذة والمؤرخين والباحثين في تاريخ المنطقة في مقدمتهم د. حسن الفكيكي و د. محمد أحميان د. مصطفى لهراوي ود.محمد لخواجة وذ.يوسف السعيدي وذ.عبد الرزاق العمري وبتسيير من ذ.جمال الخضيري.
الثقافة الحربية في حركة الشريف محمد أمزيان
استهلت ندوة “المقاومة المغربية للاستعمار بالريف: دروس في الوطنية” بمداخلة للدكتور: حسن الفكيكي تحمل عنوان “رصد بواكير الثقافة الحربية في حركة الشريف محمد أمزيان، حاول من خلالها تقديم توضيح جديد خاص برصيد تاريخ مقاومة الشريف محمد أمزيان، استجابة لضرورة التفكير الدائم طلبا لتحقيق تلك الغاية.
وسعى صاحب مؤلفي “الشريف محمد أمزيان شهيد الوعي الوطني و”أطلس الريف الشرقي”، إلى الإجابة عن سؤال: كيف نفسر انتقال الشريف محمد أمزيان من مجرد ابن زاوية أزغنغان إلى رئيس حربي، بحجة استطاعته تنظيم مقاومة بربوع الريف الشرقي ضد غزو حربي عدواني من الدولة الإسبانية وتمكنه من الاحتفاظ بتلك الزعامة طوال سنوات 1909-1912، “تلك الزعامة التي لم يوقفها سوى استشهاده يوم 15 ماي 1912”.
يجد الأستاذ السابق في المدسة المولوية الجواب عن هذا السؤال في انصراف الشريف سنوات ما قبل الظهور سنة اقتحام ساحة التكوين الحربي، منساقا إلى إيمانه الفطري بالوحدة الوطنية، مضيفا “ولا أدل على ذلك من التجربة التي اندمج فيها مرات ثلاث، متأثرا بالأحداث الناجمة عن ابتلاء منطقة الريف الشرقي بأزمة ثورة الروكي بوحمارة ما بين 1903 و1908، استهل ذلك بالانخراط منذ السنة الأولى إلى الجيش المغربي على عهد السلطان المولى عبد العزيز، لينتقل في مستهل خريف سنة 1908 لنفس الغاية إلى تعبئة حركة شاملة موفقة لقبائل الريف الشرقي، وأتيحت له فرصة ثانية إثر وصول بيعة المولى عبد الحفيظ، إلى الريف من قصبة سلوان يوم 8 نونبر 1908”.
وأشار الفكيكي إلى أن كفاءة محمد أمزيان الحربية كانت في تلك السنة على أكمل استعداد للدخول في تجربة مقاومة غزو الوجود الإسباني، “مما صح بعد سبعة أشهر تالية، يوم 9 يوليوز 1909”.
الناظور.. الدعامة الأساس لجيش التحرير بالشمال الشرقي
من جهته أكد الدكتور محمد لخواجة أن المنطقة الشمالية الشرقية ظلت مسرحا لمعارك مسلحة منذ أواخر القرن 19م، “فشهدت نواحي الناظور العديد منها، كانت محط اهتمام ومشاركة قبائل الريف وغيرها: شرقا وغربا وجنوبا، لا سيما أثناء أثناء حرب الشريف محمد أمزيان… بقيت جذوتها متقدة في النفوس إلى أن كانت حرب الريف (21-26) وحرب جيش التحرير (55-56)… وعم تباشير هذه الحرب الأخيرة أواسط الخمسينات، وأصبحت الناظور والإقليم محطة لاستقبال بعض اللاجئين الهاربين من الضغوط الفرنسية، لاسيما من المدن الداخلية، ثم توالت بعض الزيارات التي كان يقوم به بعض لاجئي تطوان حين إنزال سلاح “باخرة دينا” (10 مارس 1955) وما تلاها…”.
وأضاف لخواجة في مداخلة بعنوان “الناظور.. الدعامة الأساس لجيش التحرير بالشمال الشرقي”، أنه على إثر ذلك أصبح بعض الوطنيين من نواحي ميضار وما ولاها إلى “ثارا مغاشت” محط اهتمام للاتصال ببعض رجالات إكزناين بالإضافة إلى المعبر الممتد بين صاكا وعين زورا الذي اخترقه أبناء إبضارسن وأيث بويحيي والأطلس المتوسط، أضف إلى كل هذا معبر ملوية بجهة زايو…
وأكد لخواجة أنه مع انطلاق التنسيق الفعال يوم 17 يونيو 1955 وأواسط يوليوز من نفس السنة، كان قد حل بالناظور عبد الله الصنهاجي في 7 يونيو، وعباس لمساعدي في 10 يوليوز، “وأصبحت الناظور والإقليم منذئذ عبارة عن خلية نحل طيلة صيف 1955،حيث شرع في التداريب على حمل السلاح لمباشرة حرب العصابات وسط القبائل الحدودية من المنطقة السلطانية وغيرها… وقد طرح كمسرح للحرب التحريرية، المثلث الكبير: إيموزار مرموشة، بورد، تافوغالت”.
وأوضح مؤلف كتاب “عباس لمساعدي.. الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير” أنه رغم بعض الخلافات التي طفت على السطح مع جماعة تطوان، فقد انطلقت معارك التحرير يوم 2 أكتوبر 1955، وامتدت شهورا بعدها… “وقد ساهم إقليم الناظور الذي كان يأوي مركز قيادة جيش التحرير العامة، برجاله، وأمواله ودياره، كما شكل قاعدة خلفية في كل المحطات الداعمة لمقاتلي “مثلث الموت” ونواحي مزكتام وصاكا ونواحي بركان”.
وحسب لخواجة فقد سقط شهداء من بني توزين وتمسمان وغيرها في جبال اكزناية وكان حضور رجالات الناظور “بمركز بوسكور” ضواحي مزكتام، وعلى رأسهم حمدون شوراق بطل إنزال سلاح باخرة دينا ونقله وتخزينه…
واقتصر لخواجة على الإشارة فقط إلى ما قامت به جماهير الناظور في يناير 1956 من مظاهرات واحتجاجات لدى الإدارة الإسبانية، حينما اتفقت الإقامتان العامتان على طرد كل اللاجئين من المنطقة الخليفية لخنق الحرب التحريرية، فما لبثت إسبانيا أن تراجعت أمام ضغوط سكان الناظور، وانحنت تقديرا لانتصارات جيش التحرير الباهرة على القوات الفرنسية في معركة “بين الصفوف” يوم 28 يناير 1956، بعيدا عن الحدود الوهمية (الخليفية-السلطانية) بحوالي 80 كلم…
وأشار لخواجة إلى أن محمد الخامس قام بزيارة لمدينة الناظور غداة الاستقلال واستعرض بها قوات التحرير يوم 15 يوليوز 1956، تكريما للمواقف البطولية لجيش التحرير وقيادته وساكنة هذه المدينة.
من وجوه المقاومة.. القائد محمد بوحوت البويفروري
ومن جانبه اختار الأستاذ يوسف السعيدي التعريف ببعض القادة الميدانيين في مجال المقاومة ومواجهة الاستعمار لنفض غبار النسيان عن أعلام مقاومة الريف.
وفي مداخلة بعنوان “من وجوه المقاومة: القائد محمد بوحوت البويفروري” تحدث السعيدي عن هذا المقاوم “محمد بوحوت بلحاج” الذي ولد بمدشر إبقوين ببني بويفرور حوالي 1881، وشارك في الجهاد مع الشريف سيدي محمد أمزيان في معركة إغزار ن وشن ثم انضم إلى البوليس الأهلي وترقى حتى أصبح ملازما بالدرجة الأولى.
وأضاف السعيدي أنه بعد هزيمة الإسبان في معركة أنوال تمرد القائد محمد بوحوت البويفروري على القوات الإسبانية وقاتلها في كل من أزغنغان وسلوان والعروي وتويمة، ثم التحق بحركة المقاومة بقيادة ابن عبد الكريم الخطابي وأصبح من أبرز قادته في ناحية جبالة وجنوب نهر ورغة، ألقي عليه القبض بعد استسلام الخطابي وأودع بالسجن وتعرض للتعذيب الشديد، ولبث فيه 12 سنة الى ان اطلق صراحه سنة 1940م بواسطة الجنرال مزيان الزهراوي وتوفي سنة 1980م ودفن بمسقط ارضه بمدشر ابقوين.
عبد الكريم الخطابي.. المقاومة المغربية في بعدها الدولي
ويرى الباحث الدكتور مصطفى لهراوي أن المقاومة المغربية شكلت بكل تجاربها ومراحلها نموذجا فريدا للتحرر وترسيخ مجتمعات الحرية والكرامة بكل ما تحمله من معاني الوطنية والإنسانية، مستحضرا أن مقاومة مناطق الريف بكل فصولها وملاحمها هو احتفاء بذاكرة لامعة ومقاومة النسيان
وأشار الهراوي في مداخلة بعنوان “المقاومة المغربية في بعدها الدولي: تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي نموذجا”، إلى أن مقاومة الشريف محمد أمزيان تشكل مدرسة استلهام العبر والدروس لمواصلة الكفاح وتحرير الوطن، للتجارب التحررية التي تلته”.
ونطلاقا من كون “الحرية لا تعترف بالحدود الجغرافية وتتجاوز كل الانتماءات”، حاول لهراوي إبراز بعض تجليات البعد الكوني للمقاومة الريفية من خلال تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي بسرد بعض الانطباعات والتأثيرات التي يمكن معها الحديث عن عولمة الفكر التحرري منطلقه تجربة أهالي الريف المغربي في مقاومة الاستعمار.
ومن جانبه تحدث الأستاذ عبد الرزاق العمري في مداخلة بعنوان: “الأدب الأمازيغي بالريف بعيون الغرب الكولونيالي وما بعد الكولونيالي ” عن لحظتين مفارقتين من تاريخ رصد مسارات هذا الإبداع المتميز: مرحلة الفكر الكولونيالي ونمثل لها بنموذجين هما: Rene Basset و Biarnet ومرحلة ما بعد الفكر الكولونيالي ونمثل لها بدراسات كل Danila Merolla و Gellant Pernet.
وأشار العمري إلى أن الغاية من خوض هذا الموضوع يمكن حصرها في الإصدار على تمثل منطق الاشتغال على فكر أصيل طاله النسيان والتهميش، وفي تعبيد الطريق لنمذجة الاشتغال النقدي القويم على أدب عد إلى عهد قريب خارج كل مدارات التصنيف.
أما الدكتور محمد أحميان فقد شارك في الندوة بمداخلة حول الحصار الاقتصادي للثغور المتوسطية خلال القرن التاسع عشر.
وإلى جانب الندوة تضمن برنامج تخليد الذكرى 107 لاستشهاد الشريف محمد أمزيان،
تكريم ثلة من عائلات أعلام المقاومة المغربية في الريف وعدد من الزيارات الميدانية التي شملت خطى الشريف محمد أمزيان (بني انصار – سلوان – إحدادان – أمجاو و أزغنغان) رافقتها عروض حول المقاومة المغربية للاستعمار بالريف، ومسابقات في الرسم والتصوير الفوتوغرافي والشطرنج، وليلة للسماع والمديح الصوفي بحضور زوايا المنطقة، بموازاة معرض للكتب وآخر للصناعة التقليدية.
وحل ضيفا على فعاليات هذه الذكرى كل من الأستاذ عبد الهادي أمحرف، نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمارتيل سابقا، إلى جانب وزير الشباب والرياضة السابق أحمد الموساوي، وخليفة رئيس مجلس المستشارين عبد القادر سلامة، الأمين العام لمجلس المستشارين عبد الوحيد خوجة، إضافة إلى الوزيرة السابقة وخبيرة اليونسكو للثقافة اللامادية نجيمة طايطاي.
وفي اليوم الختامي لفعاليات تخليد الذكرى، نظمت جمعية الذاكرة والمستقبل بتنسيق مع جمعية ماسيليا للعمل التربوي والتنموي أمسية خاصة للأطفال، تضمنت ورشة في الفن التشكيلي، ورشة تعليمية، تاريخ مقاومة الشريف سيدي محمد أمزيان، ورشة سينمائية، وورشة الانشودة، وذلك عشية يوم الأحد 19 ماي 2019، بالمركب السوسيوتربوي بأزغنغان.
وتجدر الإشارة إلى أن تخليد هذه الذكرى التاريخية، نظم بدعم من جماعة أزغنغان، المجلس العلمي المحلي للناظور، مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية بالناظور، وكالة مارشيكا، تنسيقية فعاليات المجتمع المدني بشمال المغرب، وبتنسيق مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والكلية المتعددة التخصصات بالناظور.
الناظور/ كمال الوسطاني