أسطورة العشق السماوي-الأرضي بين أنزار اله المطر عند الأمازيغ القدامى وتسليت نونزار

بقلم: الادريسي عبد الكريم
بقلم: الادريسي عبد الكريم

لما كان للآلهة قلب به تحب وتعشق من استهواها من المخلوقات، ولما كانت ترضى الطبيعة أو تسخط عن الانسان برضى أو سخط الالهة، كان لأمازيغ المعمور إله اسمه أنزار، وهو اله المطر عندهم، فببركته عليهم تمطر السماء ماء، وبرضاه عنهم يسمع خرير المياه الفضية المتدفقة من أعالي الجبال وهي تجري في الانهار والوديان، كل ذلك رحمة وبركة من اله المطر أنزار.

وفي إحدى قرى مملكة الامازيغ الواسعة، كانت هناك فتاة بلغت من الجمال ما قد ذابت له قلوب من رآه تمنت الاستئناس بالقرب منها، فقد كان وجهها يشع نورا كانه الفضة الخالصة، ويزيد جمالها بهاء بلباسها الحريري السالب لعقول وقلوب مدركيها.

ذات يوم، وبينما هو نازل الى الارض كعادته، لمح “أنزار” تلك الفتاة وهي تغتسل في النهر ووميض جمالها يشع ليعطي للمكان بهاء لا وجود له من دونها، وقد كانت تلك النظرة الاولى سهما مسددا في قلب إله المطر “أنزار” أردته صريعا في شرك عشق سماوي – أرضي، أصابه بالذهول والتعلق الشديد بأميرة النهر.

مرت أيام عديدة وإله المطر يزداد تعلقا وحبا للفتاة، وكان دائما يرتاد موضع النهر ليستأنس بالنظر الى روعة خلق الفتاة التي يُكِنُّ لها حبا عظيما ولطالما قرر الإفصاح به إليها، ولكن الاميرة تخاف وتفر كلما رأته يقترب منها، فهي خجولة وعفيفة وتخشى أن تُنسَج حولها أقاويل من قبل قومها فتلطخ سمعتها ويدنس عرضها.

وفي صباح يوم مشرق، وبينما خرجت الاميرة لتستمتع بخضرة السهول وخرير المياه الفضية المتلألئة التي يسمع هديرها في أقصى البلاد، اعترض إله المطر طريقها ليفصح لها بما يخفيه من حب تجاهها وما فعله به عشقها، لكن الفتاة فرت وهربت منه خوفا على عرضها من ألسنة الناس، أمام إصرار إله المطر وإعراض الفتاة، غضب “أنزار” غضبا شديدا وانطلق الى السماء وقد ارتعدت فرائسه وجن جنونه، فهو يرى نفسه أضعف من أحقر المخلوقات وهو الملك وهو الإله، وكيف أنه أصبح محط إهانة من قبل فتاة. فما كان عليه إلا أن ينتقم من الفتاة التي تعشق الماء حتى الجنون فيحرمها منه كما حرمته من حبه لها، فأدار خاتمه الذي يتوسط أصبعه، فجفت الأنهار ونضبت الأعين وأصبحت الأرض الغَنَّاء الخضراء أرضا قاحلة لا يرى فيها عشب ولا خضرة تستوحش منها النفوس. كل ذلك كان عقابا من إله المطر لفتاة أحبها فلم تبالي لعظمة عاشقها وأعرضت عنه.

مرت أيام وشهور وسنوات، والأرض صارت جرداء، والأنهار جافة، والسهول التي كانت خضراء أصبحت قاحلة، وكل يوم يزداد سكان القرية هما وغما، فهم لا يدرون كيف وصلت إليهم هذه المصيبة. ذات يوم، أصرت الفتاة أن تخبر القوم عن حقيقة كانت تخفيها عنهم وهي سبب معانات القرية، فلما قصَّت عليهم ما جرى بينها وبين إله المطر، وما كان من إعراضها عنه خوفا من كلام القوم، وكيف أن غضب “أنزار” حَوَّل الأرض إلى صحراء والانهار إلى  وديان الرمال، تعجب القوم  عجبا كثيرا وقدَّروا للفتاة عِفَّتها وحرصها الشديد على عرضها وعرض قبيلتها. وسط حشد كبير من رجال القرية ونسائها، قامت الفتاة تخطب فيهم، لتستأذنهم بتقديم نفسها للزواج بإله المطر ليعيد الحياة كما كانت عليه من قبل، فهي ترى نفسها سببا لمعانات أهل قريتها وفي نفس الوقت طوقا نجاتهم، فما عليها إلا أن تكون قربانا يضحي بنفسه من أجل استثارة إله المطر “انزار” الذي لا يزال قلبه ينزف بحب الفتاة الساحرة التي ذبل جمالها لنضوب العيون والأنهار.

قدَّر القوم تضحية الفتاة وبكوا بكاء شديدا لفراقهم لها، فهي ستتزوج بإله المطر. عملت نساء القرية على تزيين الفتاة بأبهى الحلل وألبسوها أفخر الثياب المزينة بألوان الطيف، وجهزوا لحفل زواجها بإله المطر. اصطحبت النساء “تيسليت نونزار” بأهازيج وأناشيد يتضرعن فيها إلى “أنزار” ليغيثهن بالمطر الغزير.

وعند وصولهن إلى المكان الذي  نسجت فيه خيوط  الغرام، صرخت الفتاة بأعلى صوتها منادية على أنزار ملك المطر:

أنزار يا أنزار

يا زهر السهول

أعد للنهر جريانه

 وتعالى خذ بثأرك

بهذه الكلمات الممزوجة بنبرة من الخوف، سمع صوت قوي ينطلق من السماء، إنه صوت أنزار… فجأة ظهر ضوء ساطع قادم من السماء كأنه البرق متجها نحو الفتاة فضمها إليه وانطلق معها إلى السماء، ليُشَكِّلا معا قوس قزح في السماء يؤرخ للزواج الأسطوري الذي اقترن فيه إله المطر بـ “تسليت نونزار”، وما هي إلا لحظات حتى تلبدت السماء بالغيوم، فأمطرت السماء بماء منهم، وعاد صوت المياه ليستعمر أرجاء القرية، واخضرت السهول وتفتحت الأزهار.

وعاش إله المطر حياة سعيدة برفقة زوجته تسليت نونزار.

فمنذ ذلك الوقت، وكلما عم الجفاف في أرض تمازغا “شمال افريقيا”، تضرعوا إلى إله المطر ليغيثهم ويرفع عنهم القحط، مقدمين له أجمل بنت في القرية كقربان له لاستثارته، بعد ذلك تم استبدال المرأة بفزاعة تصنع من مغرفة ويلبسونها ثيابا على هيئة عروسة ليطلبوا الغيث من أنزار… إنها “تلغنجا”… .

فمن تكون تلغنجا يا ترى؟ وما مدلولها في الثقافة الأمازيغية؟ وما تجلياتها في عادات وتقاليد العصر الحالي؟

كل هذه الأسئلة وغيرها، سنعرضها قريبا في دراسة ميثولوجية وسوسيولوجية لأداة التضرع إلى اله المطر عند الأمازيغ؟

فانتظرونا.

اقرأ أيضا

جمعية مارابيل نحتفل برأس السنة الأمازيغية 2975

بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة 2975 نظمت جمعية مارابيل التي يترأسها السيد محمد الحموتي حفل …

تعليق واحد

  1. كم هو جميل أن تقرأ لصديقك مقالا وياخدك أسلوبه الشيق في سرد الاحداث ويسافر بك عبر الزمن إلى عوالم الماضي الذي نتقاسم فيه التاريخ والأمجاد والعلماء و الاساطير والاديان، إنه الدليل الاقوى بتجدر الشعب الامازيغ على هذه الارض. لقد ابدعت وتفننت يا صديقي في سرد أحداث هذه الاسطورة التي لها دلالة عميقة في وجدان المجتمع الامازيغي. وما صيف 2015 ببعيد حينما جلسنا مع موح أحماد أحد شيوخ القبيلة، ونحن نشاهد “تسليت نونزار” تتوسط السماء ولم نشعر معه بالحديث حتى بدأ بسرد تفاصيل الاسطورة، موح أحماد لم يدرس التاريخ ولا الميثولوجيا في أحضان الجامعة لكنه احتفظ بتاريخ أجداده وإرثه الحضاري في كيانه العميق وها هو الان يقاسمه مع أحفاده الذين درسوا مختلف العلوم ودرسوا مبادئ علم الفيزياء وفهموا جيدا مصدر “تسليت نونزار”، وما هي في الحقيقة إلا ظاهرة فيزيائية طبيعية ناتجة عن انكسار وتحلل
    ضوء الشمس خلال قطرة ماء المطر أو ما يسمى بلغة الفيزياء “تبدد الضوء بواسطة موشور “. حيث في البداية ينكسر ضوء الشمس الساقط بشكل مائل عند دخوله في قطرات المطر ثم ينعكس مرة أخرى في السطح الداخلي من القطرة وينكسر أيضا عند خروجه من القطرة، وتمكن الحسابات الرياضية من صياغة معادلات وعلاقات رياضية بدلالة معامل الانكسار والتي بواسطتها نفهم جيدا سبب الألوان الناتجة حيث من المعروف في ابجديات علم الفيزياء أن الضوء المرئي أو الضوء الابيض ليس سوى خليطا من الأطوال الموجية لألوان الضوء المختلفة. لهذا السبب يكون لكل لون معامل انكسار خاص به (يختلف قليلا عن معامل الانكسار اللون المجاور). كما يختلف هذا المعامل من وسط إلى وسط أخر.
    عند تطبيق المعادلة لكل معامل انكسار على حدة ستظهر مجموعة من الزوايا المختلفة عن القيمة السابقة لكل لون على حدة. على سبيل المثال تكون زاوية ” تسليت نونزار” 42.3° عند اللون الأحمر والذي له معامل انكسار في الماء 1.33141 بينما تكون حوالي 40.4° عند اللون البنفسجي لأن معامل انكساره في الماء هو 1.3445 …
    و هذا ما يفسر ظهور هذه الظاهرة الطبيعة الرائعة التي أبهرت الانسان القديم على مر العصور والحضارات ونسج حولها العديد من الاساطير بل وهناك من الشعوب من اتخذها إلها. وللحديث بقية ونحن في انتظار “تلغنجا ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *