مخرج، كاتب سيناريو، مدير تصوير وموضب، هاجر إلى إسبانيا لدراسة الهندسة المعمارية، ولأنه لا يستطيع تخيل حياة بلا شغف، وجد نفسه منجذبا نحو عالم السينما. أخرج عشرات الأفلام، من بينها “ثلاثية الناظور” (2009)، “الصمت القاتل” (2013)، وفيلم “وحوش” (2018) ونال به سنة 2019 جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إضافة إلى جوائز أخرى حصل عليها داخل وخارج المغرب. إنه المخرج محمد فوزي، المزداد سنة 1979 بمدينة الناظور، والمقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، المعروف سينمائيا بـ “أكسل ريفمان“، وهو اللقب الذي يوقع به أفلامه.
في هذا الحوار يحدثنا “أكسل ريفمان” عن بداياته الأولى في عالم الإخراج السينمائي، وعن التحديات التي واجهته، فضلا عن آخر أعماله السينمائية “جثة على شاطئ مارتشيكا“، وكذا انشغالاته وتطلعاته المستقبلية، آملا أن “يستمر المركز السينمائي المغربي في احتضان التراث الغني للسينما الأمازيغية من خلال إنشاء قسم مخصص لها”.
مرحبا بكم على صفحات “العالم الأمازيغي”، بداية من هو أكسل ريفمان؟
شكرا على الدعوة، أولا أنا أب، زوج، وصديق. ثم مخرج أفلام شغوف بالسرد والتعبير البصري. ولدت في الناظور لعائلة متواضعة، وحاليا مستقر بالولايات المتحدة الأمريكية، ورحلتي ابتدأت من الهندسة المعمارية إلى السينما.
كيف كانت بداية مسيرتكم كمخرج؟ وما الذي ألهمكم لاختيار هذا المجال؟
بينما كنت أدرس الهندسة المعمارية في إسبانيا، ألهمني تاريخ العمارة بشدة، لكنني شعرت بالانفصال عن الجانب التقني. استغرقني ليالٍ بلا نوم، لأدرك أنه على الرغم من قدرتي على التحمل، لا أستطيع تخيل حياة بلا شغف، وهكذا تركت الهندسة وبدأت العمل لتحقيق حلمي لدراسة السينما.
بالنسبة لي، بدأ كل شيء في طفولتي. كان والداي وأعمامي من عشاق السينما، ولقد كان لدى البعض منهم مجموعة من أشرطة الفيديو لأفلامهم المفضلة، بالإضافة إلى ذلك، كان خالي فنان تشكيلي. كما كان جدي يمتلك مكتبة، نشأت محاطًا بالكتب والأفلام واللوحات، وهذا أثر فيّ كثيرًا. بدأت بالرسم والقراءة كثيرًا، وفي المرحلة الابتدائية كنت أكتب وأرسم القصص المصورة (الكوميك) وأبيعها في الفصل بدرهم واحد! ولكن مع مرور الوقت، لم يعد الكوميك كافيا للتعبير عن نفسي. أعتقد أنه كان انتقالا طبيعيًا من خلق الصور بالقلم إلى خلقها بالكاميرا، ومن كتابة المشاهد للكوميك إلى كتابة السيناريوهات.
ما هي أكبر التحديات التي واجهتموها خلال مسيرتكم الفنية؟ وكيف تمكنتم من التغلب عليها؟
في الحقيقة، كانت ولا تزال هناك العديد من الجبال لتسلقها، وأحد أكبر التحديات الأولى هو إقناع عائلتي بأن ترك مهنة مستقرة في الهندسة المعمارية من أجل مستقبل غير مؤكد في السينما لم يكن تهورًا، بل ضرورة لنفسي.
والتحدي الأكبر الذي نواجهه نحن جمع المخرجين، والأصعب بالنسبة للمخرجين الأمازيغ، هو قلة الدعم. كما تعلمون، السينما مكلفة وتحتاج إلى الكثير من المال. بالإضافة إلى ذلك، السينما الأمازيغية بحاجة إلى أشخاص ذوي تكوين جيد في جميع الأقسام.
وكما أن العمل الفني لا يكتمل حتى يصل إلى جمهوره، وإذا لم تكن هناك دور سينما ولا موزعون، يصبح ذلك معقدًا للغاية. عندما نضحي بجزء كبير من حياتنا لخلق شيء جيد بقليل من الموارد ونواجه جميع أنواع العقبات، ينتهي الأمر بعملنا في طي النسيان. وهذا ما يحطم الروح.
هناك فرصة للإعلام الوطني لزيادة تركيزه على الأعمال الأمازيغية، مع تسليط الضوء على التنوع الثقافي والغنى الإبداعي الذي تمثله. بينما تلقينا دعما رائعا من الصحافة المحلية بالناظور، فإن الاعتراف الأوسع من وسائل الإعلام سيساعد في رفع الوعي بقيمة المساهمات الأمازيغية في الفنون.
أنا ممتن جدًا للفرصة التي تقدمونها لي في جريدتكم. أتذكر عندما أطلقت فيلمي السابق «ⴰⵎⵣⵉⵡⵏ/Monsters» مثلنا المغرب في العديد من المهرجانات حول العالم وفزنا بالعديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لكن لم يظهر أحد تقريبا اهتماما، باستثناء بعض المنابر، لهذا وجب التصدي لجميع أشكال الإقصاء.
أعتقد أنني لم أتمكن بعد من تجاوز جميع التحديات، لكنني لا أستسلم، لأن الأمور ليست كلها سلبية. أنا متأكد من أنني سأتغلب على معظم العقبات بفضل عائلتي وأصدقائي وزملائي، الذين دائمًا ما يقفون إلى جانبي. كل المشاريع التي أنجزتها كانت بفضل الكثير من الناس، لأنه لا يمكن القيام بأي شيء بمفردنا. هناك الكثير من الأشخاص الذين آمنوا بي ومدوا لي يد العون، ولولاهم لما ظهر شيء للنور. وخاصة في فيلمي الأخير، كان عملا جماعيا رائعا كل ما يمكنني فعله هو المثابرة، ومواصلة العمل، والمضي قدما.
ما هي الأعمال أو الأفلام التي تأثرتم بها في مسيرتكم الإخراجية، وهل هناك مخرجون تعتبرونهم قدوة لكم؟
إحدى الأفلام التي أثرت فيّ كانت «High and Low – Japan»، «In The Mood For Love – Hong Kong»، «Camino – Spain»، «3-Iron – Korea»، «Seven – USA»، «Psycho – USA»، و»Old Boy – Korea».
أما المخرجون المفضلون لدي فهم «أكيرا كوروساوا»، «وونغ كار واي»، «ألفريد هيتشكوك»، و»ديفيد فينشر»، حيث علمني «أكيرا كوروساوا» قوة الدراما الإنسانية، وأثر فيّ «وونغ كار واي» باستخدامه للجو والمزاج، بينما ألهمني «ديفيد فينشر» و»ألفريد هيتشكوك» بالدقة في صناعة كل مشهد.
كيف تختارون موضوعات أفلامكم، وما هي الرسائل التي تسعون لنقلها من خلال أعمالكم السينمائية؟
أحيانًا يكفي أن تقرأ كتابًا أو مقالًا ليلهمك، أو أن تمر بتجربة شخصية، خاصة عندما تسافر إلى أماكن تختلف كثيرا عما تعرفه. وفي أحيان أخرى، لا أكون مدركا تماما لكيفية اختياري لمواضيع نصوصي. ما يحدث عادة هو أنني دائمًا ما أنتهي بالكتابة عن أمور تشغل عقلي الباطني، أما بالنسبة للرسائل في الفن، فالواقع أنني لا أؤمن بهذه النظرية، لا أعتبر نفسي مرسلاً للرسائل بل ميسرا للتفكير. أسعى لخلق أفلام تثير النقاشات بدلا من تقديم الوعظ.
لكنني أحب الأفلام التي تجعلني أفكر، الأفلام التي تجبرني على مناقشة أفكارها، وهذا ما أحاول فعله في أعمالي.
أعتقد أن للفنان التزامين: الأول تجاه نفسه والثاني تجاه الجمهور. لذلك عندما أبتكر شيئا، أحاول دائمًا أن أجد توازنًا بين هذين الالتزامين. أرى أنني ملزم بتقديم الترفيه مع الحفاظ على احترامي للجمهور ولنفسي. وأيضًا لدي التزام بالحديث عما يزعجني، ثم آمل أن يهتم الجمهور بما يزعجني، وأن يؤدي ذلك إلى خلق نقاش بينهم.
سنة 2019 نال فيلمكم الروائي الطويل “Monsters/ⴰⵎⵣⵉⵡⵏ” جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المخصصة سنويا لفئة الأفلام، ما الذي دفعكم لإخراج الفيلم؟ وكيف جاءت فكرة الفيلم؟
مع «Monsters/ⴰⵎⵣⵉⵡⵏ»، حصلنا على عدة جوائز في الولايات المتحدة، وأوروبا، وجنوب أفريقيا، لكن الجائزة التي أتذكرها أكثر هي جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كانت مفاجأة سارة وأنا ممتن جدا لهذا الاعتراف.
بالنسبة للفكرة، أذكر أنه قبل بضع سنوات كان هناك حركة كبيرة بشأن حماية العاملات في المنازل. نشأت هذه الحركة بعد الكشف عن الاعتداءات الجسدية وحروق السجائر التي تعرضت لها إحدى هؤلاء العاملات، مما أدى إلى طرح الموضوع للنقاش في البرلمان. كانت تلك المقالات مصدر إلهام للسيناريو. لقد أزعجني ما قرأته، لدرجة أنني لم أستطع إخراجه من رأسي لفترة طويلة. فكرت في كيفية المساعدة، لذا قررت العمل على فيلم يكون بمثابة مرآة لنا. ربما، عند رؤية ما نقوم به وما يزعجنا، يمكننا أن نتأمل ونفكر في تغيير سلوكنا، حدث لي شيء مشابه مع فيلمي السابق «السكوت القاتل»، كان الإلهام مستمدا هذه المرة من حركة «لا تلمس ابني».
ما مدى تأثير التراث الأمازيغي، من حيث الموسيقى والفنون الشعبية، على رؤيتكم الإخراجية وتصوركم للمشاهد؟
أن أكون أمازيغيا هو جزء لا يتجزأ من هويتي، لا أحاول إبراز تراثي بشكل واعٍ، ولكن رؤيتي للعالم، التي تشكلت من خلال نشأتي، تظهر حتمًا في كل مشهد. لذلك، عندما أحاول الإبداع، لا أفكر فيما هو أمازيغي، بل فيما هو إنساني وعالمي.
أعتقد أن حلم كل فنان هو أن يتمكن الجميع من تقدير عمله، لذلك، الفن ليس له لغة أو علم. اللغة والعلم لا يصنعان الفن، لذا أعتقد أن الفن الحقيقي هو ما يُصنع للجميع.
في ظل التغيرات التكنولوجية السريعة، كيف تستفيدون من التقنيات الحديثة في إنتاج أعمالكم؟
تخيل لو كان علينا نحن الأمازيغ أن نصور أفلامنا على 35 ملم وكل ما يتطلبه ذلك. أعتقد أن الكاميرا الرقمية والتكنولوجيا بشكل عام هما خلاصنا. لقد جعلت التكنولوجيا الرقمية السينما متاحة للجميع. إنها تمكننا من سرد قصصنا دون التكاليف الباهظة للإنتاج التقليدي، مما يتيح للابتكار أن يكون في متناول أي شخص يحمل كاميرا.
في الحقيقة، إن ديمقراطية السينما الرقمية هبة إلهية. أحب التكنولوجيا وأستمتع بتعلم وتجربة جميع أنواع الكاميرات، الإضاءة وبرامج المونتاج، لأني كلما تعلمت وأتقنت التكنولوجيا، ازدادت الأدوات المتاحة لي للتعبير عن نفسي وتحسنت جودة أعمالي.
بالنسبة لي، لولا التكنولوجيا، لا أعتقد أنني كنت سأتمكن من إنجاز أي شيء. أتذكر فيلمي الأول «السكوت القاتل»، حيث كان علي أن أتعلم كيفية هاكيينچ الكاميرا لتصوير الفيلم، لكن يجب أن نكون حذرين من الوقوع في فخ الاعتقاد بأن المعدات أهم من القصة التي نرويها. تماما كما تخصص وقتا لتعلم كيفية استخدام المعدات، يجب أن تخصص ثلاثة أضعاف ذلك لتعلم كيفية رواية قصة. في نهاية المطاف، نحن رواة قصص ولسنا مهندسين.
للأسف، وعلى الرغم من وفرة وتوافر المعدات الرقمية بأسعار معقولة، لا يكاد يوجد سينما أمازيغية.
كيف ترون دور السينما الأمازيغية في الحفاظ على التراث الأمازيغي وتعزيزه بين الأجيال الجديدة؟
أعتقد أن السينما هي واحدة من أهم وأفعل الأدوات لاستمرارية ثقافتنا. لذلك، نحن بحاجة إلى مزيد من الكتاب، الفنيين، الممثلين، والمخرجين الأمازيغ، آمل أن يستمر المركز السينمائي المغربي في احتضان التراث الغني للسينما الأمازيغية من خلال إنشاء قسم مخصص لها، مع زيادة التمويل للمساعدة في رفع المستوى والحفاظ على هذا الجانب المهم من هويتنا الوطنية.
كيف ترى حضور السينما الأمازيغية في المغرب اليوم؟ وما الذي يمكن فعله لتعزيز دورها؟
بينما قدمت السينما الأمازيغية مساهمات كبيرة في الثقافة المغربية، لا يزال وجودها محدودا، استنادا إلى الأرقام الحالية، فإن حوالي 5% فقط من الأفلام الـ 35 التي تم إنتاجها في المغرب هذا العام كانت أمازيغية، على الرغم من أن جزءا كبيرا من السكان، لغتهم الأم هي الأمازيغية. ولضمان استمرار نمو ونجاح السينما الأمازيغية، أعتقد أن زيادة التمويل وإنشاء المزيد من الأكاديميات سيكونان ضروريين لتشجيع إنتاج أعمال أكثر تنوعا ورعاية المواهب الجديدة.
آخر أعمالكم السينمائية فيلمكم الروائي الطويل “جثة على شاطئ مارتشيكا” والمبرمج في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته 24، هلا حدثتمونا قليلا عن هذا المولود الجديد؟ وما هي الرسالة التي أردتم إيصالها من خلاله؟
هي قصة مثيرة حول مهندس معماري مشهور يُعثر عليه ميتا على الشاطئ، ومحقق المدينة البارز الذي يغوص عميقا في لغز وفاته، مستكشفا الخط الفاصل بين الحادثة والجريمة المتعمدة.
كما ذكرت سابقا، لا أحب فكرة نقل الرسائل في الفن، لأن ذلك قد يبدو كوعظ أو دعاية. ومع ذلك، في فيلمي توجد أفكار أؤمن بها وأشاركها مع الجمهور، وأود أن تولد تلك الأفكار نقاشا. لكنني أفضل أن يشاهد الناس الفيلم ويستنتجون بأنفسهم.
كيف تتعامل مع النقد الفني، سواء كان إيجابيا أو سلبيا؟ وهل هناك نقد معين أثر فيكم بشكل خاص؟
النقد هو أمر أساسي لكل ما يخلقه الإنسان، بدون نقد، لا يمكن التقدم. أنا أحب النقد البناء والنابع من نية حسنة، الذي يمكن أن يساعدني على التحسن. وكما لا يمكن فهم الفن جيدا دون معرفة الفنان، أعتقد أنه يجب أيضا مراعاة من يكتب النقد وما هو هدفه. على سبيل المثال، هناك نقاد يؤمنون فقط بنظرية المؤلف والموجة الجديدة (Nouvelle Vague)، لذلك عندما يشاهدون فيلما من نوع محدد يحكمون عليه بتحيّز، هذا النقد يتعلق أكثر بأيديولوجية الناقد وليس بالعمل نفسه.
ما هي النصائح التي توجهونها للمخرجين الأمازيغ الشباب الذين يسعون لدخول مجال صناعة الأفلام؟
أعتقد أنني سوف أقترض نصيحة من أحد مخرجي المفضلين، أكيرا كوروساوا: «لكي تكون مخرجا، يجب عليك الكتابة كثيرا، وما يميز الكتابة هو أنك لا تحتاج سوى قلم وورقة. لا تحتاج إلى كاميرات، ولا دوللي، ولا ستيدي كام، ولا أي شيء آخر». يمكنني فقط أن أضيف أنه قبل الكتابة، يجب قراءة الكثير من كل شيء: الخيال، العلم، السياسة، والأهم من ذلك، الفلسفة. من المهم أيضا التعرض لكل أنواع الفن: الرسم، الموسيقى والشعر.
وأخيرًا، لا تدع نقص المال يعيقك؛ لدينا جميعا هواتف محمولة في جيوبنا، لذا لا توجد أعذار لعدم الإبداع.
ما هي أحلامكم وتطلعاتكم المستقبلية كمخرج؟ وهل هناك مشاريع محددة تودون العمل عليها قريبا؟
أتمنى أن يحظى فيلمي الجديد «جثة على ضفة مارتشيكا» بالنجاح وأن ينال إعجاب جمهورنا. كما أود أن أُخرج أفلاما بشكل أكثر مما كنت أفعله حتى الآن، وآمل أن تصل أعمالي إلى جمهور أوسع، فهي في النهاية مصنوعة من أجلهم.
بالإضافة إلى ذلك، آمل ألا أضطر لتمويل نصي السينمائي القادم من مالي الخاص مرة أخرى.
في الحقيقة، لدي مشاريع أكثر من السنوات التي سأعيشها (يضحك)، لدي بعض القصص الشخصية وأخرى خيالية. وبشكل خاص، أريد أن أصنع أفلاما ومسلسلات مستوحاة من تاريخنا الأمازيغي العريق، والذي أرغب في سرده ومشاركته مع العالم.
حاوره: خيرالدين الجامعي