بعد الثورة الليبية ضد الطاغية القدافي، سرى تفاؤل واسع في أوساط كل فئات المجتمع الليبي، حول مستقبل ليبيا ما بعد الثورة، وقبل أي حديث عن الدستور الليبي الجديد أو إنتخابات المؤتمر الوطني لم يكن يشك أي ليبي في أن ليبيا الجديدة سيسود فيها اعتراف متبادل بين جميع فئات وطوائف المجتمع، لكن ما إن تم إنتخاب المؤتمر الوطني الليبي وإصدار قانون العزل السياسي وصياغة المبادئ الدستورية والبدء في بحث تفاصيل الدستور الليبي الجديد، حتى أحست مجموعة من الأطراف الليبية بإمكانية فرض سطوتها وتوجهاتها على من تعتبرهم أقليات وعلى رأسهم أمازيغ ليبيا، وحسب ما يبدوا فإن العرب الليبيين كانوا ينسقون في الكواليس منذ مدة طويلة ولا نستبعد أن تكون أطراف خارجية خاصة من دول الخليج، لعبت دورا في تشكيل جبهة عروبية إسلاموية لبسط نفوذها على الدولة الليبية الوليدة، نفس تلك الأطراف التي جعلت مكونات إسلاموية تبرز من العدم أثناء الثورة الليبية بعد أن وفرت لها المال والسلاح، وعملت على تقوية أطراف أخرى.
الآن وعقب بحث انتخاب لجنة الستين التي ستكون لها مهمة صياغة الدستور الليبي المقبل، ينتهي عهد النفاق والمجاملات فجأة، لتحل مكانه عنصرية بينة ضد أمازيغ ليبيا، بعد أن كان كل نصيبهم من مقاعد اللجنة عضوين وعضوين آخرين للطوارق، وبعد أن صادق المؤتمر الوطني الليبي على مبدأ التصويت، بدل التوافق لصياغة الدستور الليبي الجديد، بمعنى أو بأخر تم توظيف آليات ديمقراطية من قبل القوميون العروبيون والإسلامويون، لوأد الديمقراطية والتأسيس لديكتاتورية عروبية ودينية جديدة بليبيا.
إن ما يحدث بليبيا مؤامرة بكل المقاييس ضد الأمازيغ، الذين بالتأكيد ليسوا في موقف ضعف حاليا، والذين خططوا للاستفراد بسلطة القرار السياسي والثقافي والاقتصادي وغيره في ليبيا المستقبل، أسقطوا من اعتبارهم معطيات كثيرة، لعل أهمها أن الأمازيغ بليبيا عانوا طويلا من التهميش والعنصرية على عهد الطاغية القدافي، ودخلوا بقوة في الثورة الليبية لإسقاطه ولا يمكن بأي حال أن يقبلوا بالعودة لمربع التهميش والعنصرية والاضطهاد، كما أن الأمازيغ لا يتواجدون بليبيا وحدها بل بكل بلدان شمال افريقيا والعالم، وحتى بحساب الكثافة السكانية والأمازيغ الذين لا يزالون يتحدثون لغتهم، فهذا الشعب أغلبية في شمال افريقيا، أما إذا أخدنا بعين الاعتبار التعريب الذي جاء وفقا للسياسة العنصرية العروبية لأزيد من نصف قرن لإبادة كل مقومات الأمازيغ، فسنقول ببساطة أن كل شعوب شمال افريقيا أمازيغية.
لو كان ما يحدث بليبيا منحصرا داخل أراضيها، لقلنا أن المشكلة داخلية في دولة ذات سيادة، لكن ما يحدث للأمازيغ بليبيا يحدث بالمغرب وتونس والجزائر وكل دول تمازغا، فهي إذا مؤامرة إقليمية لإذلال الأمازيغ، والحيلولة دون رفعتهم في أي عصر، وهي بالتأكيد ليست مؤامرة جديدة، بل منذ أزيد من نصف قرن والأمازيغ يعانون من التهميش والعنصرية والإظطهاد والتعريب والإستعمار، ولم تأتي بشائر الفرج إلا مع الربيع الديمقراطي بشمال إفريقيا، لكن وقبل أن يتبلور أي شئ على أرض الواقع، هاهم القوميون العروبيون والإسلاميون يدشنون لردة جديدة نحو العنصرية والإضطهاد والإحتقار.
إن القومية العربية جبانة والإسلام السياسي المتطرف أجبن منها، يستقوون على المسالمين، ويفهمون الحرص على الحوار وتطبيق الديمقراطية كأنه ضعف، ويتحينون الفرص لكي ينقضوا على الحكم ويستفردوا بالقرار، ويضطهدوا كل من ليس على شاكلتهم، ونخشى للأسف أنهم لا يفهمون غير منطق القوة العسكرية ولغة العنف، وحتى وإن استكانوا لآليات الديمقراطية فإن ذلك يكون في إطار “التمسكن إلى حين التمكن”.
إن ما يحدث بليبيا سيكون له تأثير واسع على شمال إفريقيا كله، وفي حالة استمر القوميون العروبيون ومن معهم من دعاة الإسلام السياسي في تعجرفهم العنصري، فقد تندلع أول حرب بالسلاح بين العرب والأمازيغ بشمال إفريقيا في القرن الحالي، أما الحرب بوسائل أخرى فقد وجدت دوما من طرف العروبيون ومن معهم ضد مقومات الوجود الأمازيغي.
لكن بالتأكيد الأمازيغ لم يكونوا وليسوا دعاة حرب أو عنف، ولا يجب بأي حال من الأحوال تشجيع المتسرعين لدق طبول الحرب، بل يجب التحلي بأقصى درجات الحكمة والصبر، ومحاولة إيجاد مخارج سياسية، ما دام أمازيغ ليبيا لا زال في حوزتهم الكثير من الأوراق السياسية والوسائل السلمية.
الأمازيغ شعب صبور ولا يوجد شعب سيقبل كل هذا الكم من الإحتقار والسخرية والعنصرية حيثما وجد لعقود، سواءا في ليبيا أو المغرب أو تونس أو الجزائرأو أزواد، وإن ما يحدث بليبيا يعني جميع الأمازيغ بغض النظر عن مكان تواجدهم، ولأعداء الأمازيغ من العروبيون ومن على شاكلتهم من الطغاة الجدد نوجه الدعوة لهم للإطلاع على المادة الرابعة من الدستور الجديد لبلد العراق، الذي لطالما صدر إليهم أوهام حزب البعث، فلعل الاستفادة من تجربة عراق ما بعد الطاغية صدام ستنفع ليبيا ما بعد الطاغية القدافي، وتحول دون بروز طغاة جدد.
وأخيرا فالمجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا قرر سحب أعضاء المؤتمر الوطني الأمازيغ، كما أعلن أن لجنة الستين لا تعنيه في شئ بعد الآن، والثوار الأمازيغ يعلنون مساندتهم له كقيادة سياسية، تلك قرارات تستحق التحية والتقدير، وبالتأكيد سيكون لها أبلغ تأثير على من يريدون استغلال الديمقراطية الفتية في ليبيا للتأسيس لديكتاتورية حقيقية مغلفة بالتصويت، كما سيقطع الطريق على من يريدون دفع الأمازيغ لإطلاق الرصاصة الأولى ليرموا بهم في أتون حرب لا يجب أن يدخلوا فيها إلا دفاعا عن النفس.