“أنا مواطن أؤدي ضرائبي”: الشعور بالفخر والإعتزاز بالإنتماء للوطن – اللحظات المعبرة المفقودة

امحمد القاضي
بقلم: امحمد القاضي، رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

كم هو مقنع أن يبلغ المواطن درجة رفيعة من الشعور بالإنتماء للوطن، حين يؤدي واجباته قبل أن يطالب بحقوقه. ويعلم علم اليقين أن ما يصرف لخزينة الدولة سيعود على مجتمعه بالنفع ويلمسه بشكل مستمر حوله، وينعم بالعيش الكريم والطمأنينة أينما إرتحل داخل جغرافية الوطن.

هناك من يعتبر هذا مجرد هلوسة طوباوية، بعيدة المنال وتدخل في خانة أحلام اليقظة.

حقا، المنظومة الضريبية ببلادنا تحتاج لمراجعة وإعادة النظر في سلم الإقتطاعات الجبائية ونسبة الضريبة على الخدمات والسلع والدخل لتكون أكثر قربا لعدالة ضريبية وإنصافا لكل الفئات المنتجة والمستهلكة وخلق ثقة بين الإدارة والمواطن وتوازنا لكل القطاعات.

التعامل مع إدارة االضرائب يشوبه الحذر، وخاصة عندما يواجهونك بمنطق “خلص عاد شكي”، معادلة غير مقنعة وغير مقبولة منطقيا، لأن المواطن قل ما يسمع بحالات إسترجعت أموال سقطت في صندوق الخزينة.

غير بعيد عن حدودنا في إتجاه الغرب، شعوب تعتز بأداء الضرائب وتعتبر كل تهرب إهانة، ومصدر خجل، لدرجة أصبحت عبارة: “Je suis un citoyen, je paye mes impôts “، صوة شائع يواجه به المواطن أي مسؤول تهاون في أداء الواجب تجاهه. وكم سمعناها في الأفلام الهوليودية: “I am a citizen, I contribute with my taxes”، “أنا مواطن أساهم بضرائبي.”، وظننا انها مجرد كلام سيناريوهات، إلى أن شهدنا الخدمات الإجتماعية المجانية وفضاءات القرب والحدائق وغيرها التي جعلت من الغرب فردوس يستهوي كل طبقات دول الجنوب.

العبارة في عالمنا من الخليج إلى المحيط، لم نصادفها لا شعبيا ولا في المسلسلات الأكثر درامية ولا أفلام الخيال العلمي.

المواطنة بناء الإنسان وليست ببناء العمران. الشعور بالإنتماء وتقدير المسؤولية سلوك يتغذى في مؤسسات التنشئة الإجتماعية.

ما جدوى عدد التلاميذ والطلبة بالمغرب الذي يفوق 6 ملايين، والأساتذة يتجاوز 300 ألف، وعدد المساجد يزيد عن 50 الف،  وعدد كبير من الأئمة والخطباء والمرشدين على المنابر والمواقع، وعدد مهول من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والإفتراضية ولم نستطع بناء وعي صحيح بالمواطنة. من المفروض أن يساهم هذا الجيش العرمرم من المؤطرين في التحسيس وتكوين المواطن، ورفع وعي المسؤولين، وتقوية قدرات المنتخبين في التواصل وتجويد الخطاب الموجه للمواطن.

كل هذا الزخم من الأطر، والوسائل والمؤسسات وفشلنا في نشر الإحساس بالمواطنة الحقة. كلما صنعنا هو خلق تشنج بين الإدارة والمواطن، وإنتاج بلطجية في الشارع، تفريخ شباب فاقد لروح التضحية، وفقدان الثقة في المنتخب ومدبري الشأن العام. بإختصار، المناخ العكر تولد عنه تشاؤم جماعي وغموض في مستقبل وطن ينتحر شبابه غرقا في البحر هربا من بلد لم يحتضنه.

المواطنة ليست مجرد نشيد نحفظه ونردده في المناسبات، لدرجة القدسية، بل فخر الإنتماء، وفي آخر المطاف إحترام القانون والملك العام، والوعي بأين يبدأ الواجب، وتنتهي الحقوق.

وفي عودة لعلاقة الضريبة بالمواطنة. نسرد مثلا الضريبة على الدخل. فأغلبية الأجراء والموظفين، تقتطع الضرائب من المصدر ويتوصل الأجير بالراتب الصافي. وأتحدى أي موظف يعلم كم  مبلغ الضريبة التي يساهم بها، شهريا أو سنويا. لذا ينقص الشعور بالإلتزام بأداء الواجب الوطني، والحق في الحقوق. وتظل كل الخدمات العمومية المجانية مجرد صدقة وعبئ على الدولة.

في النظام الأنكلوفوني مثلا، يتوصل الأجير براتبه الخام كل أسبوعين أو آخر الشهر، وعند نهاية السنة يقوم بحساب مداخيله بواسطة إستمارة رقمية ويملئ شيك لخزينة الدولة، التي تعيد إحتساب العملية، وغالبا ما تعيد للأجير مبلغ مالي كإعانة على مصاريفه الجانبية. وويل لمن تملص من أداء الضريبة.

هنا مربط الفرس، المواطن يشعر بأهمية الضريبة المباشرة، ومساهمته في تنمية جماعته، وبلده، ويرى حجم الإستثمار العمومي في الإهتمام براحته، ويظل يطالب بحقوقه كاملة جهرا وبكل فخر وإعتزاز. ولا يرضى بالإستفادة من خدمات لم يساهم فيها، بل ويسعى للحفاظ ويعمل على تحسين جمالية حيه ومكتسبات منطقته.

هناك في الضفة الأخرى، التملص خجل، والتلاعب أو أخبار فساد منبع إزعاج، وعدم المساهمة في الأعمال الإجتماعية والتتنمية المحلية، سواء فكريا أو حضوريا أو ماديا، إستهتار وإستغلال لجهود الآخرين.

مرحبا بكم حيث مسؤولين يقبعون بالسجون بتهمة الفساد، وحيث يعتبر التهرب الضريبي ذكاء وفطنة، والتملص من الواجبات مكر شيطاني يتفوق على محدودية الأدمية، وتخريب الممتلكات العمومية عملة الصغير قبل الراشد، وإستغلال النفوذ للإستفادة المجانية من المال العام إستقواء على الغير. هنا تأدية الضرائب عبئ وسداجة، والمساهمة في تجويد الخدمة العمومية من سمات المغفلين.

سئمنا من خيبات الأمل، فحين يفوز وزير سابق بتقاعد ريعي ويفتخر، ويجد مسؤول رفيع المستوى حيلة نافدة لتقليص حجم ضرائبه ويبتسم، ويستغل موظف سامي منصبه لإبتداع حيل ملتوية ليختلس المال العام ويعتبره إبتكار ذكي. ويعد السياسي ناخبيه ويحضر حفل الولاء، ويتنكر لوعوده ويغيب إلى مناسبة إنتخابوية قادمة ويعود أكثر تبجحا وبدون خجل.

حين يطل علينا أحد الوزراء في النشرات الإخبارية من ذوي السوابق في سوء التسيير وتهم الإختلاسات والتملص الضريبي، فهل تعلمون بماذا يشعر المواطن؟ إما أن الطريقة المتبعة هي العملة الرائجة. أو أن البلد سائب بلا حسيب ولا رقيب، ويقطنه أشخاص فوق القانون. أو أن العملية فيها إستهتار بذكاء المواطن. أو بقصر الذاكرة الشعبية.

للاسف، مدبري الشأن العام يعتبرون الخدمات تبرع، إحسان أو معروف غير ملزم يقدم للمواطن. وليس واجب أداه وساهم به المواطن مسبقا مع الأجر الشهري من ضرائبه.

نحن فاقدين للقدوة والنمودج والمثل الأعلى في مسؤولينا، فمن أين سيبني المواطن البسيط سلوكه؟

التلميذ يكسر الطاولة بالمدرسة ويعتبرها إنتقام على تعليم متردي؛   المارة تخرب الممتلكات العمومية وترمي الأزبال في الشارع العام وتعتبرها ردا طبيعيا على سوء الخدمات. واللائحة طويلة.

العبارة الساحرة “انا مواطن أؤدي ضرائبي”، صوة ضغط، وورقة حمراء نشهرها في وجه كل موظف تماطل في خدمة العامة، وفي وجه المنتخبين المقصرين، والمقاولين الغشاشين، ومدبري الشأن العام المرتشين. علينا أن نربي الناشئة على عبارة نواجه بها التهميش الممنهج وضعف منسوب التنمية بالمناطق الجبلية، وإتساع التفاوتات المجالية.

ليعلم الجميع أن المواطنة ممارسة وتساوي في الحقوق وليس شعار شعبوي.

وهل سنصل يوما لهذه الدرجة الرفيعة؟ بكل تفاؤل، إن غذا لناظره لقريب.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

2 تعليقات

  1. أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى رئيس جمعية تيويزي السيد امحمد القاضي على الجهود المبذولة لقد كانت جهودكم واضحة وملموسة وقد أسهمت بشكل كبير في نجاح جميع انجازاتكم أشكرك جزيل الشكر على جهودك الطيبة وكل جميع أعضاء الجمعية

  2. جزاك الله خيرا. موضوع مفيد وشيق. وفقك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *