أحمد بوغابة – صحفي وناقد سينمائي ومُترجم: أهنئكم على صمودكم في استمرار نشر صحيفتكم «العالم الأمازيغي»
في البدء، أهنئكم على صمودكم في استمرار نشر صحيفتكم «العالم الأمازيغي» وتحديكم لكل المشاكل والعراقيل وما قد ينتج عنها من إحباط.
ويتجلى استمراركم في إيمانكم بقضية الأمازيغية كهوية وثقافة وتاريخ ووحدة الجغرافية لبلاد تامازغا بشمال إفريقيا، إيمان ينبع من اقتناع فعلي ليكون للأمازيغ صوتهم ويتحاورون مع الآخر بلغاتهم المختلفة، لذلك نلاحظ وجود في الصحيفة اللغات العربية والفرنسية إلى جانب الأمازيغية وانطلاقا منها، لأن الهدف هو إيصال رسالة الهوية إلى الجميع، لكل من يرغب الاقتراب أو الانغماس في حضارة عميقة تاريخيا وترابيا وحضاريا وهو ما يؤكده علم الأنثروبولوجيا. إلا أن هذا الخليط اللغوي في نفس الصحيفة قد يربك القارئ، وربما انعكاساته قد تكون سلبية رغم حسن نيتكم في إيصال إلى الآخر المتعدد وجهة نظركم.
عشرون سنة في حياة صحيفة «العالم الأمازيغي» تغيرت فيه كثير من ملامح العالم إلا أن هذه الصحيفة احتفظت على خطها التحريري التحَرُري فاقترن اسمها بالنضال الإعلامي قبل أن يعي النظام السائد هذا المعطى التاريخي في بلادنا، وأن اللغة الأمازيغية هي الأصل والمبتدأ.
صحيفة «العالم الأمازيغي» هي عالم الأخبار والتحليل والدفاع على الأمازيغية بمختلف تجلياتها، فصمدت واستمرت في رسالتها فيما توقفت وتعثرت – للأسف – منابر أخرى، ولذلك تستحق تحية وإجلال على صمودها.
وتتميز هذه الصحيفة – وهي نقطة إيجابية لصالحها – بحضور العنصر النسوي الفعال في إصدارها سواء بوجود الأستاذة الزميلة أمينة ابن الشيخ كمديرة ورئيسة التحرير أو زميلات شابات ضمن طاقم التحرير والإدارة. وهذا في حد ذاته يعكس الوعي بمكانة المرأة المحترم في الحضارة الأمازيغية منذ الأزل.
صحيفة «العالم الأمازيغي» التي انطلقت ورقية، ومازالت مستمرة إلى حد الآن، عقدين متتاليين، احتراما لقرائها الأوفياء، الذين يجدون متعة في لمس الورق بأعينهم، ولم ترد الاستغناء عنهم بعد أن عززت مكانها الإعلامي بموقع إلكتروني أيضا مسايرة التطور التكنولوجي وآفاقه المفتوحة الرحبة. والجميل أنهما (الصحيفة والموقع) مختلفين عن بعضها، إلا في ما نذر، بمعنى بعيدا عن الكسل المهني حيث تكون بعض الصحف الورقية نفسها على الموقع، طبق الأصل فيما اختارت «العالم الأمازيغي» أن يكون لكل منهما خصوصيته.
اختارت صحيفة «العالم الأمازيغي» نوع من الاستقلالية بين صيغتها الورقية والإلكترونية خاصة وأنها تتيح للقراء أن يقرؤوا الورقية أيضا بتحميلها من الموقع، أو يقتنوها مباشرة لمن يرغب ذلك كما أشرنا إلى ذلك أعلاه. وهذا الأسلوب مهم جدا (قراءة الموقع وتحميل الصيغة الورقية لمن أراد ذلك من جهة ومن جهة أخرى هو توثيقها الذي يسمح للباحث أو من يكتشفها لأول مرة بالعودة إلى أرشيفها، يعكس هذا الاختيار الوعي بالتوثيق وهو ما لم تقم به الصحف القديمة والتي تتمتع بإمكانيات مالية مهمة فضلا عن الدعم السخي من الجهة الوصية).
وتكمن أهمية هذا الاختيار إذا أخذنا بعين الاعتبار سوء التوزيع ببلادنا وأيضا استحالة وصولها إلى بلاد تامازغا على امتداد شمال إفريقيا، وكذا إلى جميع الأمازيغ في المهجر، شرقا وشمالا وغربا، حيث تسمح التكنولوجيا بأن يقتنوها ويقرؤونها.
إلا أن هذا البعد “العالمي” لـ«العالم الأمازيغي» يتطلب اجتهادا مضاعفا من أصحاب الصحيفة. الاجتهاد الأساسي هو التعامل مع أمازيغ العالم كأمة واحدة.
إذا كان تصميم (الموقع) جيد ويسهل متابعته وقراءته والتفاعل مع نصوصه فإن الصحيفة الورقية بقيت تقليدية في إخراجها، لم تسع للتطور مع القارئ الجديد، يمكن القول بالغياب الكلي لـ “الإخراج الصحفي” في الورقية حيث نلاحظ تكديس النصوص بدون جمالية التي قد تشجع على القراءة والاطلاع على النص فضلا عن اختيار نوع الحروف وحجمها، وكذا اختيار بعض العناوين. وهذا نلاحظه من الصفحة الأولى (كواجهة أمامية) يسري على جميع الصفحات.
وما لم أعد أستصيغه شخصيا هو تغيير لون عنوان الصحيفة من الأحمر إلى الأزرق؟ دون مبر جمالي أو إعلامي في تغيير بنط العنوان وشكله. كما أسجل أيضا وجود غموض سياسي أحيانا بين الدفاع عن الأمازيغية كهوية جغرافية وحضارية وبين الانكماش في شوفينية مُحددة ومحدودة فتخلق التباسا قد يعرج بالصحيفة كوسيلة إعلامية إلى منعرجات أخرى ليست في صالحها، وهذا ليس من شيم الأمازيغية كحضارة تدافع على الإنسان أن يكون حرا طليقا يتمتع بجميع حقوقه بغض النظر عن الجنس والعقيدة واللون. إلا أن كثير من الأعداد تفوقت فيها الصحيفة شكلا ومضمونا، وكانت في موعد الحدث على مستوى تامازغا.
أقترح على طاقم تحرير «العالم الأمازيغي» أن يستغني عن النصوص الطويلة التي تأخذ حيزا مهما على حساب مواضيع أخرى لها أهميتها عند الصدور خاصة وأن الصحيفة شهرية، وبالتالي يمكن نشر النصوص الطويلة في كُتَيِّب صغير بحجب الجيب/اليد (ما بين 12 صفحة و16 صفحة) أو إذا كان هناك موضوعا محددا للنقاش يلم مجموعة من الآراء التي يمكن نشرها بهذا الحجم أيضا والذي قد يصلح للاحتفاظ به في أرشيف الباحثين والمهتمين عوض شحن الصحيفة بنصوص تأخذ حيز الصفحة أو صفحات بكاملها إذا أخذنا بالاعتبار وجود نصوص باللغات الأخرى. وفي حالة ما إذا تعذر ذلك فيمكن إحالة تلك المواضيع الطويلة إلى الموقع.
ولكم واسع النظر مع تجديد متمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح وخاصة الاستمرارية.