“في البداية أنا هنا لست لكي ألعب دور السياسي، نحن هنا نلعب من أجل المغرب والمغاربة أولا، ثم من أجل إفريقيا”، “نلعب من أجل وضع الكرة الأفريقية في سقف العالم”، “نريد أن نفوز من أجل إفريقيا” “كتبنا التاريخ لإفريقيا”.. هكذا ردّ ويرد المدرب المغربي، وليد الركّراكي على سؤال بل على الكثير من الأسئلة حول تمثيل المغرب “للعرب” في “مونديال قطر” والذي حقق فيه “أسود الأطلس” معجزة كروية بعد أن دوّن إنجازا تاريخيا سيبقى خالدا في التاريخ والأذهان مدى الحياة، كيف لا وهو الذي تمكن من الوصول إلى المربع الذهبي في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها في إفريقيا.
صفعة المدرب لكل من حاول أدلجة الإنجاز المغربي وإخراجه من سياقه الإفريقي، لم يتوقف عند هذا الرد، ف على مدى أيام “المونديال” لم يتردد الناخب الوطني من تكرار الافتخار في كل تصريحاته بانتمائه الإفريقي وتمثيله لقارته إفريقيا وغيرته على كرة القدم الإفريقية، وحتى عند التأهل سجل هذا الإنجاز التاريخي لإفريقيا دون غيرها، وهنا يتضح مدى تشبع وليد بعمقه وقارته الإفريقية، مرددا في كل مرة “إفريقيا للأفارقة” وهو شعار رفعه الملك الأمازيغي النوميدي “ماسينيسا” غداة توليه الحكم في مملكة “نوميديا” في القرن الثاني قبل الميلاد.
إفريقيا للأفارقة شعار قديم ومتجدد ضد كل أنواع الهيمنة والسطو على ما تُحققه القارة من إنجازات وفي أي مجال من المجالات، وهذا التطبيل الإطلاقي لانتماء وتمثيل المنتخب المغربي “للعرب” دون غيرهم و “لمجال جغرافي” محدد “عرقيا” عن طريق “تكتل عرقي” يقصي كل الشعوب والأطياف والتعدد اللغوي والثقافي في بلدان شمال إفريقيا على الخصوص، لا يمكن إلا وصفه بـ”السطو” و “التزوير” و”سرقة” إنجازات الشعوب وتدوينها باسم “العرب” دون غيرهم، وهذا ضرب فاضح لخصوصياتنا الثقافية واللغوية وللدستور والقانون المغربي وتجاهل مقصود لقارتنا.
ما تقوم به الماكينات الإعلامية الخليجية والمشرقية وحتى الإعلام العمومي المغربي وعدد من المحللين والإعلاميين والصحفيين، من التعريب القسري للمغاربة وضرب عرض الحائط بالواقع التاريخي والجغرافي والثقافي والهوياتي والحضاري واللغوي للمغرب، وتجاهل للدستور الذي يقر بلغتين رسميتين (الأمازيغية والعربية) والقانون والتزامات المغرب الدولية، عبر التمرير المستفز والهيستيري للتخدير العرقي وللمفاهيم العنصرية والتمييزية والمصطلحات العرقية، بغاية تذويب المغاربة والشمال إفريقيين في بوتقة “العروبة”، وإقصاء تام لإفريقيا باعتبار المنتخب المغربي تأهل باسم إفريقيا ويلعب لإفريقيا، والسطو على إنجازات الأسود باسم “العرق” يعتبر جريمة أخلاقية وإنسانية لا يمكن لإنسان عاقل أن يتقبلها، فما بالك بالمغاربة المتشبعين بقيمهم وتعددهم وفسيفساء مجتمعهم.
قد نتفهم هذه الهيستيرية في تعريب الأخضر واليابس من طرف “المشارقة”، باعتبار أن أغلب هذه الدول لا تؤمن بشيء اسمه التعدد الثقافي واللغوي، وجلها لا يعرف حتى معنى الدستور والقانون والانتخابات، لكن الكارثة هي ما يقوم به بعض الإعلاميين والمحللين المغاربة ممن يشتغلون في قنواتهم، وهم يتجاهلون الواقع الجغرافي والتاريخي والقانوني والدستوري لوطنهم، وبدل الافتخار بهذا البلد المتعدد ثقافيا ولغويا، وبدستوره الذي يقر بالأمازيغية لغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية، و”بتلاحم مقوماته الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها، الإسلامية، العربية، الأمازيغية والحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية…”، يصرون على إقصاء هذا التعدد الذي يزخر به وطننا اسوة بالبلدان المتقدمة في العالم، ويجتهدون في جره إلى مصف البلدان التي تنخرها الصرعات الطائفية والحروب.
وهم يعربون الأخضر واليابس يرددون “المغرب ينتمي لجامعة الدول العربية” ولأنه كذلك فهو بالنسبة إليهم “دولة عربية” في مفارقة عجيبة وغريبة، فالانتماء لتكتل إقليمي في سياق تاريخي وسياسي واستراتيجي مشحون بالقومية العربية، لا يعطي الحق لهؤلاء إطلاقا لتعميم هذا الانتماء العرقي على المغاربة. لكن، في المقابل يتجاهلون عن قصد الانتماء لتكتلات أخرى أكثر أهمية وهي “الإتحاد الإفريقي” و”الإتحاد من أجل المتوسط” بالإضافة إلى “منظمة الفرنكوفونية” والمغرب تقدم حتى في وقت معين بطلب الانضمام ل”الإتحاد الأوروبي”، فهل هذا يعني أننا سنصبح مع كل انضمام لتكتل إقليمي معين نمثلهم ونلعب باسمهم؟ بالتأكيد لا يمكن. ثم يغطون على “هيستيريتهم العرقية” بأننا نتحدث “بالدراجة” التي يعتبرونها لغة “عربية” رغم أن لا أحد من المشارقة يعرفها! فهل الحديث بلغة معينة يعتبر أنك واحد من ناطقيها؟ وإن كان كذلك، لماذا بعض شعوب الدول الإفريقية تسمى باسمها الإفريقي رغم أن أغلبها يتحدث بالفرنسية أو الإنجليزية؟ وأغلب سكان أمريكا اللاتينية يتحدثون الإسبانية ولا أحد يطلق على شعوبهم “إسبانيين” وهلم جرا.
وما أن تناقش معهم بكل تجرد هذه المفارقات العجيبة التي يرددونها باستمرار، يجردونك من أمازيغيتك ويغسلونك من انتمائك الجغرافي والتاريخي والهوياتي، ثم يكفنونك بعرقهم الصافي، ويخرجونك من موطنك الأصلي والأصيل إلى وهم الوحدة “العرقية الموحدة”، وعندما ترفض هذا التذويب العرقي وتتشبث بانتمائك الأمازيغي، ينفعلون، يتوترون، يتهمون ويرددون “أنتم عنصريون”.
المؤكد أن مصير هذه الحملة الممنهجة والمنظمة والتعريب القسري الفظيع والمسخ الثقافي والاغتراب الهوياتي المسترسل والمستمر وسياسة الأدلجة، هو الفشل نفسه الذي تجرعته على مدى سنوات في ظل تزايد الوعي الأمازيغي والافتخار بالانتماء للعمق الإفريقي.
واختم بما قاله الأديب الأمازيغي الجزائري، كاتب ياسين “عندما يدافع عـربي عن عـروبته، يقولون بأنه ” قومي”، وعندما يدافع أمازيغي عن أمازيغـيته، يقولون إنه عـنصري.”