إيمان ليهي، طالبة ريفية بفرنسا وفاعلة جمعوية، في حوار مع « العالم الأمازيغي»

lihi
إيمان ليهي

لا زال المجتمع الفرنسي يبلور ما يسمى بمأسسة العنصرية
أظن أن الامازيغية في المغرب لاتزال رضيعة وفي حاجة ماسة للعناية المناسبة لتجد مكانها

إيمان، أنت مهاجرة مغربية كيف ترين واقع المهاجرين المغاربة بالمهجر؟

في البداية، أود أن أشكركم على هذه الالتفاتة المميزة كما أتمنى المزيد من التألق لجريدتكم.

صراحة واقع المهاجر المغربي اصبح رهين ما يجري في العالم من تطورات. والمهاجر المغربي بات يعيش في حالة ترقب دائم، خصوصا في اروبا؛ فمن جهة فالمهاجرين، أكثر من أي وقت مضى، اصبحوا موضوع الساعة لدى الساسة ومادة مستهلكة من لدن الصحافة في مختلف بقع أوروبا، لاسيما انها (اروبا) تعرف اليوم صعود اطراف يمينية متطرفة؛ خاصة وان هذه الأطراف بنت خطابتها على العنصرية، كما وضعت صوب أعينها معاكسة مصالح المهاجر.

ومن جهة اخرى؛ فالأزمة الاقتصادية هي الأخرى لها وقع على حال المهاجرين، فقد صار المهاجر يتحمل بالكاد المشاكل اليومية، بحيث أن همه لا ينحصر في المعاش اليومي فقط، بل كذلك حلم زيارة بلد الأم كل سنة والذي يؤرق تفكيره .

اما على المستوى الثقافي والاجتماعي، فأرى بأن واقع المهاجر(ة) ببلاد المهجر معقد نوعا ما، وسأتحدث بالخصوص عن فرنسا بصفتها البلد الذي يستضيفني حاليا. أختزلها في التعقيد لأنه هناك إشكال كبير في الاحاطة بكل ما هو اجتماعي، ثقافي ببلاد المهجر.

فمن خلالي تجربتي البسيطة في هذه البلاد، اكتشفت ولازلت أكتشف أن هناك فهم خاطئ للاندماج. والاندماج في نظري، لا يعني تذويب كل المكتسبات الهوياتية والتخلص أو الانسلاخ التام مما يشكل الفرد. أو بصيغة أخرى، الانصهار في المجتمع الاوروبي، بل محاولة التأقلم قدر المستطاع و التكيف مع الوسط.

وباختصار، أعتقد أن الوسيلة التي ستمكن المهاجر(ة) الناشئ من الاندماج بشكل راقي هو التسلح بالعلم، التسابق الى طلب المعرفة لإثبات أن الكائن المغربي واعي و يسعى بكل الطرق الإيجابية أن يطور نفسه، وان يسعى الى تمثيل وطنه احسن تمثيل.

كطالبة هلا قربتنا من واقع الطلبة المغاربة بالخارج، وماهي الاكراهات التي يواجهونها؟

واقع الطلبة بالخارج، ضياع بين حنين الارض الأم ورغبة في تحقيق الذات. وأظن ان واقع الطالب المغربي لاينفصل عن واقع المهاجرين الأخرين. بل نجد أنه يصطدم بواقع أكثر مرارة؛ وخاصة أنه يتحمل مصاعب واقعه المعاش لوحده .

فمن بين الاكراهات التي يعاني منها الطالب(ة) المغربي(ة) بالخارج:
– الإجراءات الإدارية المعقدة والمعرقلة لبطاقة الإقامة والتي تحتاج لنفس طويل وصبر أعمق. هنا أوضح أكثر، بأنه يجب على الطالب أو المهاجر بشكل عام أن تكون بحوزته مجموعة من الوثائق الخاصة بوضعيته المادية و وضعية الشخص الضامن له خلال الفترة الدراسية. بالإضافة الى ضرورة تجديدِ أوراق الإقامة من حينٍ لآخر.
– صعوبة الحصول على غرف جامعية، خصوصا إذا كانت أول سنة سيلتحق بها الطالب(ة) بالخارج.
– «إقصاء» الطالب المغربي من المنحة المخصصة لجميع الطلبة، كما أن مسطرة الحصول على منح الشراكة المغربية الفرنسية غير واضحة وليست شفافة، وهذا ما يدفع أغلبية الطلبة المهاجرين إلى الانخراط في ما يسمى ب « job étudiant »، و هو عبارة عن شغل خارج أوقات الدراسة، من أجل تمويل دراستهم، فالبحث عن مداخيل أخرى بالمهجر أمر حاسم للمواصلة، فبلاد الروم تحتاج إلى كثرة الزاد.

ألا ترين أن المهجر يساهم في بروز إنفصام هوياتي لدى أبناء الجالية المغربية؟

كما تعلمون، ففرنسا تنهج مقاربة لا ترقى الى تقديم سياسات تكفل المساوة في المواطنة بالمقارنة مع دول أخرى. لازال المجتمع الفرنسي يبلور ما يسمى بمأسسة العنصرية، لذلك قل ما نجد أطرا من أصول مغاربية في مراكز القرار، اذا ما قارنها مع دول اخرى كهولندا مثلا . وفرنسا معروفة بحيفها في التعامل مع ملفات المهاجرين، كما جاء في دراسات متعددة للعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، فالمجتمع الفرنسي يكرس بشكل مستمر نفس النمط عبر مؤسساتها العمومية فيما يخص المعاملة مع الفئات الاجتماعية، بحيث الأغنياء يستفيدون من تعليم راق ومؤهل، وتوفر لهم مستوى اجتماعي جيد؛ بينما الفئات الأخرى، ومن بينهم المهاجرين، غالبا ما تجدهم في صفوف ذوي الوضع الاجتماعي الهش. فالمهاجرون المغربة يتمركزون في ضواحي المدن ودائما يتم إبعادهم عن المراكز الحضرية. هذا الوضع الاجتماعي ينعكس سلبا ويقوض احساسهم بالمواطنة هنا. ومن جهة، فكونهم تربوا في مؤسسات اجتماعية حاملة لقيم تختلف عن قيم بلد الاصل، تجدهم يحسون بخلل في الانتماء، فما هم فرنسيين كباقي الفرنسيين ولا هم يشبهون إخوانهم المغاربة.

وطيلة فترة مكوثي بفرنسا، كانت تستفسرني مرات كثيرة وضعية أطفال المهاجرين. فهناك مجموعة من الاسئلة التي تشغلني.
وقد كانت لي فرصة الإشتغال مع أطفال من مختلف الثقافات، لكن أبناء الوطن الذي أنتمي إليه هم من أثاروا اهتمامي بشكل استثنائي. فكنت أراقب تصرفاتهم، كلامهم الممزوج باللهجة المغربية العامية. وما يعجبني في أغلبيتهم أنهم يوجهون لي أسئلة عن المدينة التي أنتمي إليها، يتبادلون معي الحديث بالامازيغية أو الدارجة، وكأنهم يبحثون عن ثقافة مفقودة أو أشياء تعكس انتمائهم.

وما يسعدني فعلا هو محاولتهم التواصل رغم الصعوبات اللغوية، الشيء الذي يمثل بالنسبة لي تشبثا جزئيا في ما يمثل وطنهم. هذا بالاضافة الى أني أحس بأنهم في بحث مستمر عن «أنفسهم». فهم تائهين بين النموذج المغربي الكائن في بيت الاسرة، والنموذج الاوروبي الذي يعكسه الأصدقاء والمحيط في المدرسة، وشتى الانشطة التي يقومون بها.

فهذا يساهم في إفقادهم لانتمائهم الهوياتي لانه في صراع دائم بين هوياته الاصلية ورفض الجماعة الأخرى له، من جانب آخر، لاختلاف عاداته وقيمه ونمط شخصيته وخبراته.

فمقاربة التعاطي مع إشكالية الانفصام الهوياتي تعتمد بالخصوص على الأسرة.. فالأسرة هي التي تمنح أطفالها الشعور بالانتماء بصفتها أول مؤسسة للتنشئة الاجتماعية.

العديد من الجمعيات الحقوقية والنسائية المغربية رفضت القانون الجديد الذي صادقت عليه الحكومة المغربية حول محاربة العنف ضد المرأة ووصفنه بالرجعي، كمتتبعة ما رأيك في ذلك؟

إن مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون 12-19 المتعلق بشروط الشغل وتشغيل العمال المنزليون، بتعديل المادة 6 برفع سن التشغيل الى 18 سنة مع فترة انتقالية لمدة 5 سنوات، أي استمرار سن التشغيل 16 سنة لخمس سنوات اخرى، يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى الإستشارة مع المؤسسات الوطنية ومدى التزام الفرق البرلمانية بالمقترحات التي تتقدم بها، وكذا مدى التزام الأحزاب ببرامجها الأنتخابية، ومدى إحترام الحكومة لمقتضيات الدستور الخاصة بحماية حقوق الطفل والتزامات المغرب الدولية. وأظن أن وضعية تشغيل الأطفال في المنازل يشكل إحراجا مجتمعي ودولي حيث يشجع الأطفال قانونيا على الشغل في حين أن مكانهم الطبيعي هو المدرسة و أحضان الأسرة.

للتذكير فقط، فكما صدر في بيان بشأن الصيغة الجديدة لمشروع قانون محاربة العنف ضد النساءـ أنسب صوتي لكل الشبكات والمراكز الموقعة على البيان، التي تعلن عن رفضها لمشروع قانون 103-13، ووالذي دعت فيه كل من الحكومة إلى مراجعة المشروع اعتمادا على التراكمات والمقترحات التي تقدمت بها الجمعيات النسائية الديمقراطية والتحالفات والشبكات وآراء المؤسسات الوطنية؛

أما في ما يخص خروج مشروع هيئة المناصفة ومكافحة كل أنواع التمييز إلى أرض الواقع، أظن أنه سيساهم جزئيا في إنصاف المرأة وتعزيز مكانتها وتحقيق المساواة مع الرجل. كما أنه يعتبر مؤشراً على وجود بصيص.

كأمازيغية وفاعلة جمعوية كيف ترين واقع الامازيغية في المغرب؟ وهل ما تحقق لحد الآن يعد كافيا؟

الشق اﻻول من السؤال يمكن الجواب عليه في عريضتين:

العريضة اﻻولى تتضمن فئة من الذين يعتبرون أن اﻻمازيغية في المغرب تسير على النحو الصحيح وهذه الفئة هي التي ساهمت بشكل أو بآخر في احتواء مطالب الحركة اﻻمازيغية وتشتيتها . .. والمحزن في هذه الفئة أنها تتكون باإضافة إلى المخزن من مجموعة من المناضلين المحسوبين على الحركة اﻻمازيغية. أما العريضة الثانية فهي التي تتضمن ما تبقى من المناضلين الشرفاء الذين يعتبرون أن ما وصلت إليه اﻻمازيغية في المغرب ما هو اﻻ محاولة ﻹسكات الصوت اﻷمازيغي الحر. .. ويمكن إعطاء مثال فتدريس اللغة اﻻمازيغية في المدارس المغربية ﻻزال يعرف عوائق كبيرة خصوصا على مستوى تكوين المدرسين ومعالجة المقررات المدرسية، مما يزيد الطين بلة، بل وينعكس سلبا على اأمازيغية حيث يؤخذ عنها أنها غير مؤهلة للتدريس. وأظن أن الامازيغية في المغرب لاتزال رضيعة و في حاجة ماسة للعناية المناسبة لتجد مكانها .. فالغربة أبعدتني قليلا عن الحركة الامازيغية، لكني أظن أن الطريق لازال طويل وحافل بالمنعرجات.

كيف ترين واقع المرأة الريفية والعمل الجمعوي النسوي الريفي؟

من جهة، يمكنني القول بأن للجمعيات بالريف دور عميق في إبراز القضايا النسوية رغم أنها تفتقد إلى دعم من الدولة، فجل الجمعيات تعتمد على تقديم الخدمات مباشرة للنساء، في مجالات مختلفة كالتمدرس، محاربة الامية او محاربة العنف، إذ تقوم بلعب دور الدولة في ذلك، ناهيك عن أنها تقوم مقام المؤسسات العمومية في تدبير بعض الخدمات من أجل تنمية وعي المرأة، والذي يقوم على أساس احترام مبادئ الديمقراطية والمواطنة الصالحة، وهي مبادئ برزت بشكل جلي بعد انفتاح الجمعيات على المرأة بالريف. ورغم ضعف الإمكانيات المادية وغياب المساندين الرسميين، فقد دخلت بعض الجمعيات في نضال حقيقي لتوفير المقر من ثم تطوير امكانياتهم لتقديم خدمات أكثر فعالية، في غياب اهتمام مسؤولي الدولة بهم بشكل كاف.

ومن جهة أخرى، فالمرأة الجمعوية لعبت، ولاتزال، دورا مهما في النضال وتكسير الحواجز التي بناها ويبنيها المجتمع الريفي، ومن تم نجدها تصارع من أجل القيام بكافة الأدوار التي من شأنها أن ترفع من قيمتها و تبرز دورها في المجتمع، إذ يشكل العمل الجمعوي بالنسبة لها مسلكا من أجل تكريس ثقافة جادة تهتم بقضايا المرأة وشؤونها وتساهم في توعيتها، هذا بالاضافة الى تحسيسها بواقعها ومشاكلها، والمشاركة في مناقشة قضاياها، واقتراح أساليب لتغيير وتجاوز واقع معقد ومتناقض تعيشه المرأة بالخصوص والفرد بصفة عامة.

وبهذه المناسبة، أشكر جميع الجمعيات بالمغرب والريفية(كجمعية ملتقى المرأة بالريف) بالخصوص لأنهن يقومن بعمل جبار من أجل مساندة المرأة، فوعي الناشطين-ات الجمعويين-ات بقضية المرأة سيحول وعي المرأة لا محالة الى ممارسة يومية من خلال الإطارات المختلفة التي تساهم في تبني قيم المواطنة القائمة على قدم المساواة مع الرجل.

حاورتها: رشيدة إمرزيك

شاهد أيضاً

بيان التنسيقية النسائية على إثر إحالة بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى

صدر بيان التنسيقية النسائية على إثر إحالة بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *