وجدت نفسي صدفة، وأنا في زيارة لمعرض الكتاب بالدار البيضاء، هذا الأسبوع، أمام رواق شد انتباهي، يتعلق بمشاركة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، في النسخة السادسة والعشرين من فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب تحت شعار: “ العدل أساس التنمية الشاملة“ خلال الفترة الممتدة من 06 إلى 16 فبراير 2020 ، وفي خضم التحضير لعقد ندوة حول موضوع: “الحماية القضائية للطفل التزام مشترك“.
وهو ما استوقفني، تلبية لشغف ارتباطي واهتمامي بالموضوع، فلاحظت أن هناك وعيا عميقا وإرادة قوية للإحاطة بالموضوع، سواء في جوانبه القانونية أو الحقوقية أو الاجتماعية وحتى الاقتصادية.
وأنا في طريق العودة، وأثناء تفحصي للصحافة، فإذا بي أطلع على واقعة اغتصاب طفلة بمراكش عمرها 14 سنة من طرف متابع من جنسية كويتية، تروج أطوارها أمام الغرفة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، والتي متعت المتهم بالسراح المؤقت، وأطلقت سراحه فعليا بضمانة مالية قدرها 30 ألف درهم، فاستطاع بعد ذلك أن يغادر المغرب حرا طليقا، كأنه لم يرتكب أي ذنب أو لم يترك وراءه عارا يجره يتعلق باغتصاب طفولة.
وجدت نفسي أمام مفارقة عجيبة بين ما سمعته عن ندوة معرض الكتاب حول الحماية القضائية للطفل، وبين ما جرى في الواقع وفي رحاب نفس السلطة القضائية بمحكمة الاستئناف بمراكش.
واستحضرت في ذهني كل هذه المفارقات على شكل تساؤلات عديدة:
1- كيف يمكن إطلاق سراح متهم ارتكب جناية بشعة في حق الطفولة كلها؟ والقانون يأمر باستمرار اعتقال المتهم احتياطياً – حتى في الحالات العادية – خلال أجل الاستئناف المخول للنيابة العامة، وإذا قدمت النيابة العامة استئنافها، يبقى المتهم في حالة الاعتقال الاحتياطي إلى أن يبث في هذا الاستئناف، وفقا للمادة 181 من قانون المسطرة الجنائية.
والحال، أن المعني بالأمر استطاع، ليس فقط مغادرة السجن رغم استئناف النيابة العامة، بل غادر البلاد، وهو يجر جريمة، لا تمس طفلا واحدا، بل تمس كل الطفولة.
2- كيف يمكن تنحية واجب حماية الطفل جانبا، والابتعاد عما أراده له القانون، حيث وضعه في مرتبة النظام العام المغربي، من خلال فلسفة مدونة الأسرة، التي جعلت الطفل في محور الأسرة وفي قلب اهتمامها، وجعلت مصلحته هي المعيار الجوهري عند كل تأويل؟ هذا بجانب مقتضيات القانون الجنائي، الذي عرف تطورا في السنوات الأخيرة، في اتجاه مزيد من الحماية والضمانات ومزيد من الملائمة مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب؟
وكيف تم تجاهل كل هذا، ووضعه جانبا، لتحويل الطفل وشرفه وكرامة المجتمع الذي يحتضنه، إلى مجرد بضاعة، وتحديد قيمة شرفه وكرامته مع أسرته وأهله خارج الأضواء وخارج الضوابط القانونية والموقع المجتمعي الذي يحميه القانون.
وهنا تكمن خطورة ما حصل، لما تمت المقايضة بشرف الأطفال وفقا للموقع المالي والمادي للمغتصب.
3- هل الضحية هنا هو والدي الطفلة الضحية؟ أم الطفلة منعزلة عنهما؟ أم هو المجتمع، وحرمة الطفل ككيان إنساني يحميه القانون، بصفته، بغض النظر عن محيطه الأسري والعاطفي وعن وضعه الاجتماعي؟
لذلك، فالحديث عن تنازل ولي أمر الطفل، وعدم قبوله الدفاع عن طفله من أي جهة أو جمعية كانت، وقبول هذا المنطق، يبيح الحديث عن التستر عن جرم من نوع آخر، ويفتح إمكانية الحديث عن الاتجار بالأطفال بهذه الطريقة.
مما يجعلنا نتساءل عن دور النيابة العامة، وموقعها من الإعراب، وموقفها في مواجهة مثل هاته الحالات؟
4- أتساءل كذلك حول ما إذا كان المرصد الوطني لحقوق الطفل على علم بهذه الواقعة؟ وما هو رد فعله؟ باعتباره المؤسسة الرائدة التي أثبتت أنها وضعت قواعد قانونية وحقوقية وأخلاقية لوضع الطفل في مكان يضمن حقوقه وحرمته وكرامته ويوفر حمايته .
وأتمنى أن تبادر هذه المؤسسة إلى تدارك الموقف، دفاعا عن شرف الطفولة، وإعطاء المعنى الأصيل لمبدإ وفكرة حق الطفل في الكرامة.
5- سمعت (والله أعلم) أن الدولة الكويتية، من باب رعاية مواطنيها ومؤازرتهم، تدخلت لما كان المتابع المتهم رهن الاعتقال، من أجل العمل على إطلاق سراحه، إلى درجة أنها قدمت له الغطاء السياسي والمالي، أو التزمت بضمانته وضمان حضوره. أو ليس في هذا تشجيع وتكريس لمبدإ الإفلات من العقاب؟ مما يجعلني أتساءل عن مسؤولية الدولة الكويتية وموقعها في المتابعة، والحكم عليها بالتعويض اللائق لجبر ضرر الطفولة، داخل مجتمع يسعى إلى حماية طفولته كيفما كانت ظروفها وأحوالها.
6- كما أتساءل: أليست هناك إمكانية لمتابعة الدولة المغربية عن تقصير أجهزتها الساهرة على حماية حقوق الطفل؟ وعن تعريض أطفالها إلى مخاطر التبضيع والاستغلال، بالشكل الذي وقع للطفلة موضوع هذا التعليق؟
وسأكتفي بهاته التساؤلات، لأنني لم أطلع على ملف النازلة، وليست لدي تفاصيل الملف، لكن، مع ذلك صدمت وأنا أمام هذه المفارقة التي عشتها، وغمرتني هذا الأسبوع. فشئت أن أتقاسم معكم تسائلاتي، علنا نحصل على أجوبة شافية.