الأستاذ الملكي الحسين أحد واضعي مشروع القوانين التنظيمية لأجرأة تفعيل ترسيم الأمازيغية في حوار مع جريدة ”العالم الأمازيغي”

الأستاذ الحسين الملكي، المحامي بهيئة المحامين بالرباط
الأستاذ الحسين الملكي، المحامي بهيئة المحامين بالرباط

على إثر النقاش الحاصل حول القوانين التنظيمية لأجرأة تفعيل ترسيم الأمازيغية وحول سؤال من له الصلاحية في تقديم مشاريع هذه القوانين إرتأت جريدة العالم الأمازيغي أن تتوجه بهذه الأسئلة إلى الأستاذ الملكي الحسين أحد واضعي مشروع هذه القوانين وهذا نص الحوار:

كيف جاءت فكرة وضع  «مقترح مشروع قانون تنظيمي لتفعيل رسمية اللغة الأمازيغية» وإصداره في كتاب؟

من بين مستجدات دستور يوليوز 2011  في الفصل  14 منه أنه: «للمواطنات والمواطنين ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في  مجال التشريع».

كما هو ملاحظ  في صيغة النص فإنه يأتي في سياق ما أقره الدستور من إقرار حق كل مواطنة ومواطن في المشاركة في الشأن العام، وفي مجال كان حكرا على كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لكن  الإشكال  بخصوص تفعيل هذا المبدأ هو  ربط ممارسة  هذا الحق بصدور قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات ممارسته.

ولأن القانون التنظيمي لم يصدر بعد فإنني اخترت المشاركة في المناقشة العمومية للموضوع  من خلال تعميم المقترح وجعله رهن إشارة العموم ليدلي كل بدلوه في الموضوع إما كليا أو جزئيا، عسى أن يكون ذلك  جزءا من أرضيات المناقشات التي  ستراعيها المؤسسات صاحبة الاختصاص لإعداد وصياغة «مشرع القانون التنظيمي».

ما هي المرجعيات التي اعتمدتموها في صياغة مقترحكم؟

قبل تقديم المواد المكونة للمقترح (مادة 105)، حرصت على تأطيرها بتقديم وديباجة ثم تصدير، حاولت من خلال ذلك الاشارة لمحطات تاريخية عميقة في تاريخ المغرب من بينها ما راكمته إيجابيا كل من الحركة الأمازيغية خلال فترة الحماية والحركة الثقافية الأمازيغية خلال فترة الاستقلال، والغاية من ذلك الإشارة للأهمية الاستراتيجية للدولة آنيا مستقبلا في اعتماد اللغة الأمازيغية  والثقافة الأمازيغية، والآثار الايجابية لذلك مجتمعيا وتنمويا واقتصاديا وبيئيا، وهي أمور وموضوعات أكدتها العديد من الخطب الملكية السامية للملك محمد السادس التي كان من بينها ”خطاب أجدير” بمدينة خنيفرة يوم 17 أكتوبر 2011 الذي كان من بين ما تضمنه الاعلان عن إحداث ”المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”، وتصنيفه كمؤسسة  استشارية  لجلالة الملك .

وفي سياق الاشارة للخطب الملكية الموضحة لأهمية الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة أشرنا إلى خطاب 09 مارس 2011 المتضمن الاعلان عن مراجعة الدستور وإجراء تعديلات عميقة على مضامينه ومن بينها موضوع الأمازيغية ومكانتها ودورها وأهميتها، وهي مقتضيات تم تجسيده فعليا في مقتضيات الفصل الخامس من الدستور .

قام حزب التجمع الوطني للأحرار بسحب: ”مقترح قانون تنظمي لترسيم اللغة الأمازيغية” من المناقشات بمجلس النواب، وهذا المقترح  كان مقدما من طرف الفريق النيابي للحزب  وباسم 54 برلمانيا، ماهو تقييمكم لذلك؟

إن الجواب عن سؤالكم هذا  يستوجب  تدقيق بعض الموضوعات كما يلي:

 بشكل اجمالي:

موقف وتبرير حزب التجمع الوطني للأحرار بخصوص سحب مقترحه من البرلمان استجابة للتوجيهات الملكية بشأن إعداد القوانين التنظيمية وفق مقاربة تشاركية على غرار الطريقة التي أعد بها مشروع الدستور وتنفيذا لمضامين الخطاب الملكي ليوم 09 مارس 2011، ربما سيؤكده بعدم انخراطه في الاتجاه الذي يتمسك بكون الحكومة هي المخولة وحدها إعداد القوانين التنظيمية، وذلك بالاعتراض على إدراجها في مجلس الحكومة الذي حدد الدستور اختصاصاته في الفصل 92 من الدستور وليس من بينها التداول في القوانين التتظيمية المكملة للدستور.

بشكل تفصيلي:

أولا: إعداد القانون التنظيمي المكمل للدستور يستوجب مسطرة  خاصة:

كل نص تشريعي يمر بعدة مراحل إجرائية ومؤسساتية، بدءا من فكرته وأرضيته العامة، ثم مسودة المشروع، ثم المشروع نفسه، علما أن لكل مرحلة خصائصها ومقومات جديتها وضوابطها الإجرائية والموضوعية.

وقد حدد دستور يوليوز2011 صلاحيات واختصاصات كل واحدة من المؤسسات التي تعد التشريع أو تساهم في إعداده أو تشرف على ذلك حسب نوعية النص التشريعي كما يلي:

1ـ الملك .

2 ـ البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين).

3 ـ الحكومة (مجلس الحكومة ورئيس الحكومة)

4 ـ المجلس الوزاري .

5 ـ  المواطنات والمواطنون طبقا للكيفيات والشروط المحدد في إطار الفصل 14 من الدستور.

بخصوص القوانين التنظيمية المكملة للدستور يلاحظ أن أولها، حسب ترتيب فصول الدستور منصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس منه  يتعلق بـ: ”قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية”.

ثانيا: المعنى  والمفهوم المزدوج لـ:  «القوانين التنظيمية» على ضوء دستور يوليوز 2011:

تجدر الإشارة إلى أن صيغة «القوانين التنظيمية» أصبح لها معنيان مختلفان لابد من التمييز بينهما، فهي  في حالات (يمكن حصرها مبدئيا في 22 حالة) تعني  مقتضيات مكملة لفصول من الدستور، فهي بذلك أعلى درجة من القوانين العادية.

كما أن صيغة «القوانين التنظيمية»، تعني «النصوص التشريعية التطبيقية للقوانين العادية» ( مراسيم، قرارات وزارية،…. (وهي عكس المفهوم الأول أدنى درجة من القانون العادي، ولأنه لوحظ في المخطط التشريعي كونها تعامت مع إعداد مشاريع القوانين التنظيمية المكملة للدستور، بمنطق وأسلوب إعداد ”النصوص التشريعية التطبيقية للقوانين العادية” وذلك  بإسناد إعدادها  لبعض القطاعات الوزارية، رغم أن منهجية المقاربة التشاركية لا تسمح بإعداد الحكومة بكافة مكونتها ”مشروع القانون التنظيمي” وبالأحرى إسناد ذلك لأحد أو بعض القطاعات الوزارية المكونة لها.

ثالثا: الدستور حدد اختصاص كل من الحكومة والبرلمان وليس من بينها إعداد القوانين التنظيمية المكملة للدستور:

1ـ حصر المشرع الدستوري صلاحيات واختصاصات مجلس الحكومة في الفصل 92 من الدستور وليس من بينها الإعداد أو التداول بشأن مشاريع القوانين التنظيمية المكملة للدستور. والسبب هو فرض إنجازها وفق مقاربة تشاركية على غرار الطريقة التي أعد بها مشروع الدستور من خلال هيأة عليا حيادية تضمن الاستماع وإشراك أوسع للقطاعات والمنظمات الفئات المعنية وكذا المواطنات والمواطنون  طبقا للفصل 14  من الدستور .

2 ـ ليس من اختصاص البرلمان أو أحد مجلسيه إعداد مقترح قانون تنظيمي تأسيسي مكمل للدستور وذلك طبقا للفصلين 70 و71 من الدستورـ مع أهمية تدقيق التمييز بين مفهوم إعداد ومناقشة القانون التنظيمي التأسيسي، ومفهوم مقترح تعديل القانون التنظيمي الجاري به العمل آنذاك.

3 ـ طبقا للفصل 92 من الدستور الذي حدد على سبيل الحصر صلاحيات  واختصاصات  مجلس الحكومة وليس من بينها التداول ومناقشة مشروع قانون تنظيمي مكمل للدستور، وهذا ما يسمح لنا بتأكيد القول بأنه: لا يحق للحكومة وحدها إعداد وصياغة مشاريع القوانين التنظيمية التأسيسية المكملة للدستور، لأن ذلك سيؤدي إلى تغييب دور باقي المؤسسات الدستورية وكذا تعطيل مقتضيات الفصل 14 من الدستور الذي رسخ مبدأ حق المواطنات والمواطنين في المساهمة  في  التشريع .

 رابعا: اعتماد المقاربة التشاركية يستوجب إحداث هيأة عليا لإعداد القوانين التنظيمية  المكملة للدستور:

 إن ما أشير إليه أو توضيحه أعلاه، أمر يستوجب  البحث عن آلية  منسجمة  مع تفعيل  روح وفلسفة  دستور يوليوز 2011 ، ونرى أن ذلك سيتم عبر إحداث «هيئة عليا لإعداد مشاريع القوانين التنظيمية، مكونة من تمثيلية كافة المؤسسات الدستورية»، لتحال علي المجلس الوزاري، على غرار طريقة إعداد مشروع الدستور أو وفق الطريقة التي أعد بها مشروع قانون مدونة الأسرة .

ولتوضيح أهمية ذلك ولاسيما بخصوص القانون التنظيمي لترسيم اللغة الأمازيعية فإن تجدر الاشارة إلى أنه لئن كان الفصل الخامس من الدستور خلاصة عامة لمناقشات وتصورات فكرية  وفقهية  وسياسية  راكمتها  اللجنتان الموكول لهما إعداد مشروع الدستور فإن تأكيد عدة خطب ملكية سامية على البعد الاستراتيجي للأمازيغية وجعلها ضمن الأوراش الاستراتيجية الكبرى للدولة موازاة مع الجهوية والسلطة القضائية المستقلة فإن ذلك  يستوجب ابرازه  في القانون التنظيمي لرسمية  اللغة الأمازيغية  مع  الوقوف جديا  عند عبارة لم ترد عرضا  في نفس الفصل هي المحددة للغاية والهدف  كما يلي: «…. وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية». وهي صيغة  تستوجب التمييز بين مرحلة التأسيس ومما تتطلبه من استحضار باقي المراحل سواء على المدى الآني والقريب والمتوسط وكذا البعيد وهوى المدى الاستراتيجي في مفهوم  للدولة التي تحرص على استمراريتها  بشكل مؤسساتي  قوي  مع الاستحضار والتمسك  بقواعد الحكامة الجيدة  .

• خامسا: عدم نشر وتعميم الأعمال التحضيرية لاعداد الدستور أدى إلى عدم وضوح فهم إرادة المشرع الدستوري :

إن عدم نشر وتعميم تلك المناقشات التي تشكل الأعمال التحضيرية للنص التشريعي  يجعل المناقشات وتحليل النص مجهودات شخصية منها تلك التي تعود بالموضوع إلى ماقبل نقطة البداية؛ وكان الأولى نشر تلك المناقشات لتكون الأرضية والأساس للمناقشات لاتمام الفصل الخامس من الدستور بالقانون التنظيمي المحال عليه وهو أمر يؤكد بدوره أهمية إعداد  مشروع القانون التنظيمي  من طرف هيأة عليا يكون من بين أعضائها من ساهموا  في إعداد مشروع الدستور لكونهم  الأعرف  بالمقاصد والمعاني  قبل الألفاظ والمباني.

* سادسا: عدم تفعيل الفصل 79 من الدستور أدى إلى هدر الكثير من الزمن التشريعي:

جرى نقاش سياسي وفقهي حاد بين الحكومة ومجلس النواب  حول عدم اختصاص البرلمان لإعداد قانون تنظيمي  ما رأيك ؟

أرى أنه تم هدر الكثير من الوقت والمجهودات في تلك المناقشات  وكان  يمكن تفادي ذلك  من خلال تفعيل مسطرة ”الدفع بعدم القبول” الواردة في الفصل 79 من الدستور بخصوص المقترحات المحالة على البرلمان  لأن الفصل  صريح  في تنظيمه لحالة ”تنازع الاختصاص” بين  الحكومة  وأحد مجلسي البرلمان  كما أن هذا الفصل حدد  الجهة الموكول لها الحسم في التنازع وهي القضاء الدستوري وداخل أجل لايتعدي ثمانية أيام  والقاعدة التي سيرسخها القضاء الدستوري ستكون هي الضابطة  لتفادي  عرض نفس المناقشات  وتكرار نفس المواقف السياسية أو السياسوية مما يؤدي إلى هدرالزمن التشريعي وتكريس خرق القواعد الأساسية للحكامة الجيدة .  

 لاحظنا عدم الإشارة في مقترحكم  لأي دور للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية  ؟

إن ظهير (17 أكتوبر 2001) بإحداث  «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية»، الصادر في إطار الصلاحيات  السيادية  للملك ، حدد في تصديره  بيان الأسباب  والغايات الموجبة لإحداث  هذه  المؤسسة   وكذا  صفتها ومهامها  الأساسية، وذلك بعبارات وصيغ واضحة  في تصديره  ففي المادة الأولى منه   تم التنصيص  على مايلي :

«تحدث بجانب جلالتنا الشريفة وفي ظل رعايتنا السامية مؤسسة تسمى «المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية»،تتمتع بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي ويشار إليها في ظهيرنا الشريف هذا باسم «المعهد».

تسري على المعهد أحكام ظهيرنا الشريف هذا الذي يعد بمثابة نظامه الأساسي وكذا النصوص المتخذة لتطبيقه.

المادة 2 : «يتولى المعهد المحال إليه الأمر من جنابنا الشريف إبداء رأيه لجلالتنا في التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الامازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها.

يشارك المعهد بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات التي تعتمدها جلالتنا الشريفة وتساعد على إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني الجهوي والمحلي».

إن التوقف مليا وبشكل متأمل في  صيغ ظهير إحداث هذه المؤسسة جعلنا أمام شخصية معنوية  ذات مهام استشارية للملك  وله بذلك اختصاص التدخل في مهامها  و في استمرارها أو إنهائها أو تعديلها ، كما أن  التشريع  بظهير خاص يصدره الملك  دون المرور عبر القنوات التشريعية  العادية  نظمته العديد من فصول دستور يوليوز 2011  من بينها الفصلان   41 / الفقرة الأخيرة و 42 / الفقرة الثالثة.

تلكم كانت الاعتبارات الأساسية التي جعلتني أتجنب ألخوض في  موضوع» المعهد»  مع اقتراح  مؤسسة عمومية للتعليم العالي أعتبرها مكملة  لدوره  ومهامه ومنسجمة مع فلسفة إحداثه  وخصصت لها القسم الثالث بعنوان «المعهد العالي للدراسات الأمازيغية» الذي تضمن  المواد من  60 إلى 72  من مقترح  المشروع.

ماهي الجهة المخولة لها في نظركم تقديم مشاريع هذه القوانين؟

الأهمية الاستراتيجية للأمازيغية ـلغة وثقافة وحضارةـ  وكونها «ملكا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء» وردت في عدة خطب ملكية سامية وهو أمر يستوجب اسناد مهمة إعداد القانون التنظيمي المكمل للفصل الخامس من الدستور لـ: ”هيأة عليا” على غرار الهيأة التي أعدت مشروع الدستور ويكون من بين مكوناتها أعضاء من اللجنة التي أعدت مشروع  الدستور وكذلك تمثيلية للمؤسسات الدستورية أو على غرار الهيأة الاستشارية التي عهد لها بإعداد مشروع قانون مدونة الأسرة.

حاوره: ساعيد الفرواح

اقرأ أيضا

أمسبريذ: الأدب الأمازيغي يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره في بلادنا

أمسبريذ: الأدب الأمازيغي يقاسي تهميشا بنيويا مهولا بالمقارنة مع غيره في بلادنا

في دروب الزمن حيث تلتقي الحكاية بالشعر، وتتشابك الكلمات لتنسج عالمًا يفيض بهوية تنبض بالحياة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *