رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في المغرب بموجب دستور 2011، إلا أن حضورها في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية لا يزال محتشمًا، يطغى عليه طابع البراغماتية. غالبًا ما يتم استحضارها بشكل موسمي في الحملات الانتخابية، دون أن تُترجم إلى سياسات عمومية واضحة أو برامج تنموية تضمن تعزيز مكانتها في مختلف مناحي الحياة العامة.
إذ أن أغلب الأحزاب السياسية تتعامل مع ملف الأمازيغية من منطلق حسابات انتخابية، وليس من منظور استراتيجي لتفعيل مكانتها كلغة رسمية يجب صونها. يظهر هذا من خلال الوعود العامة والفضفاضة التي لا تتجاوز عبارات مثل “النهوض باللغة الأمازيغية” و”تعزيز التعدد الثقافي”…، دون تحديد إجراءات عملية لتفعيلها في العديد من المجالات ذات الأولوية مثل: التعليم، الإعلام، الإدارة، والقضاء.
في كل موسم انتخابي، تحاول بعض الأحزاب توظيف الأمازيغية لكسب ود الناخبين، خاصة في المناطق الناطقة بها، لكنها تتجنب الخوض في التزامات حقيقية قد تضعها أمام تحدي التنفيذ. على سبيل المثال، يدرج حزب العدالة والتنمية الأمازيغية ضمن مشروعه الوطني، لكنه لم يقدم سياسات واضحة لتفعيلها حين قاد الحكومة. من جهته، يعترف حزب الحركة الشعبية بمكانة الأمازيغية، لكنه لم يفرض إجراءات ملموسة لدعمها في المؤسسات الرسمية للدولة المغربية. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد دافع عن الأمازيغية أكثر من مرة، لكنه لم يستطع فرض إصلاحات جوهرية خلال مشاركته في المعارضة ومثل العديد من الأحزاب الأخرى التي تتغنى بمشاريع ذات طابع أمازيغي لكن بشكل محتشم جدا.
ولعل استثمار اللغة الأمازيغية من طرف حزب التجمع الوطني للأحرار إبان الانتخابات يعكس الوعي المتزايد بأهمية الهوية الثقافية للأمازيغ في المغرب الحديث. خلال الانتخابات الماضية، سعى الحزب إلى دمج اللغة الأمازيغية في حملاته الانتخابية بشكل واسع، كجزء من استراتيجيته لجذب الناخبين من المناطق التي تتحدث الأمازيغية بشكل كبير. كاستخدامها للغة الامازيغية في الخطاب الإعلامي أو في بعض الإعلانات، المنشورات، وحتى في مقاطع الفيديو الترويجية لحملتها الانتخابية. هذا التصرف يمكن تفسيره كاستراتيجية للتواصل المباشر مع الأمازيغ الناطقين بها. وأيضا مسألة التواصل مع الناخبين في المناطق الأمازيغية حيث كانت هناك محاولات للوصول إلى المناطق والدواوير التي يكثر فيها الناطقين بهذه اللغة، حيث يركز الحزب على قضايا تهم هذه المناطق مثل التنمية الاقتصادية والتعليم والبنية التحتية.
كما عمل الحزب على تفعيل القوانين المتعلقة بالهوية الأمازيغية كدعم القوانين والمبادرات التي تساهم في تعزيز الأمازيغية كلغة رسمية، ويتضمن ذلك دعم الترجمة من وإليها، وتشجيع التدريس بها في المؤسسات التعليمية.
لكن، مثل هذه المحاولات قد تُعتبر أحيانًا استثمارًا سياسيًا، حيث يمكن أن يُنظر إليها كجزء من الاستراتيجية الانتخابية لجذب فئات معينة من الناخبين. من المهم أيضًا أن يُقاس هذا الاستثمار بمدى التزام الحزب بتنفيذ هذه الوعود بشكل فعلي في سياساته بعد الانتخابات.
رغم إقرار القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إلا أن التنفيذ يظل بطيئًا ومتفاوتًا. فلا تزال اللغة الأمازيغية غائبة في أغلب الإدارات العمومية، كما أن تدريسها في المدارس يواجه عراقيل، سواء من حيث الموارد البشرية أو مناهج التدريس. الإعلام الأمازيغي بدوره يعاني من ضعف الدعم الرسمي، مما يحدّ من انتشاره وتأثيره.
يتضح أن الأحزاب السياسية المغربية لا تتعامل مع الأمازيغية كأولوية سياسية، بل كمجرد عنصر تكميلي في برامجها الانتخابية. يغلب على مقاربتها طابع البراغماتية والمزايدات السياسية، مما يجعل تحقيق العدالة اللغوية والثقافية رهينًا بإرادة سياسية حقيقية تتجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة. فبدون سياسات جادة، ستظل الأمازيغية في موقع هامشي، بعيدًا عن التفعيل الفعلي الذي يطمح إليه الناطقون بها والمدافعون عن حقوقها. كيف يمكن للأحزاب السياسية المغربية تحقيق توازن حقيقي بين البراغماتية الانتخابية والتزامها الفعلي بتفعيل حقوق اللغة الأمازيغية في مختلف أنشطتها الحزبية؟، وما الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في دفع هذا التغيير؟
ختاما، هل استخدام اللغة الأمازيغية في أنشطة الأحزاب السياسية مثلا الحملات الانتخابية يمكن أن يكون خطوة حقيقية نحو التنزيل الفعلي للغة الأمازيغية في المغرب، أم أنه مجرد تكتيك سياسي؟