بقلم أمينة ابن الشيخ أوكدورت
أرسل إليّ أحد الأصدقاء تدوينة لسليمان الريسوني نشرها على صفحته بـ”فيسبوك”، يتهم فيها الحركة الأمازيغية بالصهينة والعمالة.
لم أكن لأنزل إلى مستوى الرد على مثل هذا الكلام، فقد اعتدنا هذه التهم الجاهزة التي تُوجَّه إلى كل صوت حر فبالأمس كنا “أبناء فرنسا” و“حفدة ليوطي”، واليوم أصبحنا “صهاينة”. إنه سلاح من لا سلاح له، حين تعجز الحجة ويغيب المنطق.
لكن ما دفعني للرد هو أن الريسوني أرفق تدوينته بالعلم الأمازيغي، الذي نعتبره في الحركة الأمازيغية رمزًا هوياتيًا وثقافيًا جامعًا لكل الأمازيغ. وبوضعه هذا العلم خلف تدوينته، لم يهاجم شخصًا بعينه، بل وجّه اتهامات مباشرة وواضحة إلى كل مناضل أمازيغي ومناضلة أمازيغية، واختزل قضيتنا الامازيغية العادلة في نظرية مؤامرة وعمالة.
ولأن مضمون تدوينته لا يقف عند حدود الاتهام، بل يكشف عن تصورٍ إيديولوجي يقوم على نفي الآخر واحتكار الهوية، وجب التوقف عند بعض ما ورد فيها من تناقضات فكرية ومغالطات تاريخية.
ومن هذا المنطلق ف”السيد” سرعان ما أبان وعرى بالمكشوف عن فكره وقوميته العربية وذلك عند حديثه عن “مركزية الإسلام واللغة العربية في كل البلدان العربية”، وهو طرح لا يعدو أن يكون إلا إعادة إنتاج لخطاب القومجية الإقصائية التي ترفض الاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي لشعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط. فهل تصبح الأمازيغية، أو السريانية، أو القبطية، أو الكردية … خطرًا لمجرد مطالبتها بحقها في الوجود والمساواة؟
أما دعوته إلى “وحدة عربية على طريقة الاتحاد الأوروبي”، فهي تناقض في ذاتها؛ لأن الاتحاد الأوروبي لم يُبنَ على اللغة أو القومية، بل على الاقتصاد والمصالح المشتركة واحترام التعدد اللغوي والتنوع الثقافي. بينما الوحدة القائمة على العروبة وحدها والتي ينادي به الريسوني فليست سوى تكرار لأوهام الماضي التي لم تخلّف سوى الإقصاء والاستبداد.
اما ما يخص حديثه عن “صفاء العرق”، فهو يسيء الفهم مرة أخرى؛لعمد او بغير عمد لشيطنة الحركة الامازيغية التي لم تقل ولم تدافع يومًا عن النقاء العرقي، بل عن العدالة الثقافية والمساواة في الحقوق.
ان الأمازيغية ليست ضد أحد، بل هي من أجل الجميع، من أجل مغرب موحد في تنوعه يعترف بكل مكوناته دون وصاية أو تمييز.
أما أن يعتبر الريسوني نفسه أمازيغيًا، فذلك لا يمنحه الحق في تخوين من يختلف معه أو في توزيع صكوك الانتماء والولاء. فاتهام الناس بالصهيونية حين تعجز عن الحجة ليس جرأة فكرية، بل سقوط أخلاقي وانحدار في الخطاب.
ختامًا، الأمازيغية ليست مؤامرة، بل هي الهوية الأصلية لهذه الأرض، والذاكرة التي حاول البعض طمسها باسم الدين تارة وباسم العروبة تارة أخرى. لكنها ستظل حية رغم كيد الكائدين، لأنها هوية هذا الوطن، وذاكرته العادلة، ومشروع ثقافي وإنساني مفتوح على الجميع وللجميع.