أثارت محاولات وزير الداخلية المكلف اللواء/ عماد مصطفى الطرابلسي السيطرة على معبر رأس أجدير جدلاً واسعاً بين مؤيدٍ ومعارض. وتوسع النقاش ليمتد ويتمدد إلى قاعدة عريضة من الشعب الليبي بعربه وأمازيغه. وعندما فكر الكاتب في اختيار عنوان لمقالته ارتأى بأن هناك توظيف محلي وكذلك دولي مستمر بشأن المسألة الأمازيغية واختار لمقالته العنوان: “الأمازيغ في الشأن الحكومي الليبي”. باستبعاد الشأن الدولي سيعطي للكاتب فرصة التركيز على الشأن الداخلي، وهو بالتأكيد الأهم من الشأن الدولي، وبدون تجاهل للخبث الدولي. نعم ستحاول المقالة شرح خلفيات استدعاء الأمازيغية والأمازيغ في عدة مناسبات وبالتأكيد لا تخدم استقرار ليبيا، كما ويرى الكاتب بأن اللواء الطرابلسي لم يتمعن في مهمته من عدة زوايا وجوانب أهمها التخصص، والتوقيت، وتاريخ التدافع والتفاعل مع الشأن الأمازيغي في ليبيا.
الأمازيغ وترجيح كفة الصراع الداخلي:
خلال انتفاضة 17 فبراير يذكر الكاتب أنه حضر اجتماع مع السيد جلال الدغيني وزير الدفاع بالمكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي بمدينة تطاوين بتونس مع حوالي شهر يوليو 2011م ضم جميع المجالس المحلية المدنية وكذلك العسكرية بجبل نفوسة بعد تعثر جبهة البريقة في التقدم نحو العاصمة طرابلس معقل حكومة القذافي في ذلك الوقت، وطرح السيد الدغيني فكرة أن الزحف على طرابلس وتحرريها لن يأتي من الشرق وسيكون بنزول الثوار الأمازيغ وباقي ثوار ليبيا من جبل نفوسة.. وكان النصر. ودخلت طرابلس مئات السيارات المسلحة تحمل أعلام الأمازيغية، مشرعنة للحق الإمازيغي على أرض ليبيا، والتي قُبلت بالترحاب، ولم يجرُأ رفضها من لا يوافق عليها من أنصار فكر القذافي. بل كانت الأغاني والبرامج الأمازيغية على قناة ليبيا الأحرار المختفية اليوم من الإذاعات الوطنية! والباقي منها يظهر بشكل ضعيف جداً وبعد طول انتظار! من بعد حاولت التجمعات الحزبية استقطاب بعض الأمازيغ/ات لترجيح كفة الانتخابات لصالحها. بل تطور الأمر وإقحام الأمازيغ في الأعمال التي قد لا تكون مرضي عنها وبشكل محدود جداً.
هنا يؤكد الكاتب أن الأمازيغ رقم في المعادلة الليبية، وهي ما تخلق الاتزان أحياناً أو ترجح الكفة لصالح طرف من أطراف الصراع كان سياسياً أم عسكرياً.
أين الجمارك؟ وما هذا التداخل في التخصصات!
بالطبع لا يوجد وظني مخلص لليبيا يوافق على التهريب! إلا أن ترك جميع منافذ البلاد بدون رقابة حقيقة والتشديد اليوم على معبر رأس أجدير لأن من يشرف على إدارته أمازيغ زوارة فربما سيشكك عامة الشعب الليبي بجدية بعث هذه القوة الشرطية في محاولة للسيطرة على المعبر ووقف التهريب! ولو سلمنا جدلاً بصدق الادعاءات بشأن وقف التهريب أليس هكذا تخصص هو اختصاص أصيل لمصلحة الجمارك؟ ولو نظرنا من زاوية حماية الحدود ووقف العبث بأي عمل يتم من خلالها ضد الدولة الليبية سنجد أنها مهمة الجيش الوطني الليبي. إذن من الصعب أن نجد من سيقتنع بأن مهمة الشرطة وقف التهريب؟؟؟
هل بسيطرة قوات اللواء الطرابلسي على المعبر سيتوقف التهريب؟
إذا اردنا أن نتكلم عن التهريب فهو مسموح به، ولا نبالغ لو قلنا مُشرعن، بعدد من المنافذ البرية والجوية والبحرية بالدولة الليبية، والكاتب لا يريد الخوض في التفاصيل، بل يتم إنشاء مطارات، ومحاولات لمنافذ برية جديدة، لا يستغرب، ولا يجزم، لغرض التهريب! فهل هذا لخدمة الصالح العام أم لأغراض التهريب؟! الكاتب لا يجزم ولكن يتساءل؟ عندما يتأكد لنا بأن التهريب مستمراً! إذن فادعاء اللواء الطرابلسي وزير الداخلية المكلف لا يرقى لمستوى قبول المواطن العادي الليبي عربي كان أم أمازيغي! ولا نلوم اللواء الطرابلسي أن يتوقع التهريب من خلال المنافذ البرية أسهل من المنافذ الجوية وخاصة العملة الأجنبية.
أي عاقل اليوم في ليبيا يعرف أن التهريب من المنافد الرسمية لم يتوقف، والحدود مفتوحة للتهريب إذن فإثارة اللواء الطرابلسي لقصة معبر أجدير والأمازيغ لها أسبابها وخلفياتها التي بالتأكيد لا يعلمها! وهذا ممكن، فربما هناك من يستغل الحساسية من الأمازيغ والعلم الأمازيغي لتكون سبباً في خلق كل هذا التوتر وتوجيه الشعب بعيداً عن مشاكل حقيقية أخرى مثل الارتفاع الفج للدولار مقابل العملة الليبية.
ماذا يعني المعبر للأمازيغ؟
الكاتب كانت له تجربة غير مرضيٌ عنها في معبر أجدير من قبل موظفي البوابة الحدودية كما هو الحال معاملة “التمزريط” مع الجوازات، والسجل المدني، والمصارف، ومعظم مؤسسات الدولة إلا ما يثلج صدره ببوابة رأس أجدير وجود الراية الأمازيغية، والتي برمزيتها تشرعن بنسبة بسيطة لحقوق الأمازيغ الغائبة. الكاتب لا ينكر بأن هناك من سيستغل وجود الراية لمآرب لا تخدم ليبيا وأهلها، وغير مرضي عنها. فبالتأكيد من يوجه ويحرك الأبصار نحو معبر رأس أجدير اليوم يعرف أنه سيشد انتباه الشعب وسيلهيه عما يعاني من هموم ومشاكل بخصوص ارتفاع الدولار ونقص السيولة والغلاء في المعيشة!
الرمزية التي يملكها معبر رأس أجدير بوجود الراية الأمازيغية هي النقطة الأهم، للكثير من المهتمين والناشطين الأمازيغ بليبيا، أما موضوع التهريب فهو مرفوض لذا أغلبية الشعب الليبي عرب وأمازيغ وغيرهم، ومعبر رأس أجدير ليس النقطة الوحيدة التي يتم من خلالها التهريب. معظم الأمازيغ يرون رفع راية الأمازيغية من فبراير 2011م هو اعتراف ضمني بالحقوق المحرومين منها وليست دعوة للانفصال كما يدعي البعض من الأمازيغ. في المقابل لا نسمع رفض لرفع الراية البرقاوية والتي نجد أن البعض ممن يرفعها يجاهر بالانفصال! لا نسمع اعتراض على من يرفع الراية السوداء التي يتوسطها النجمة والهلال ونجد السهولة في رفض الراية الأمازيغية، بألوانها النيلي والبازيلي والأصفر يتوسطها حرف الزين، ونعتها بنعوت غير حقيقية.
لماذا الكلام عن دسترة حقوق الأمازيغ قبل استقرار الدولة؟
شهد الكاتب العديد من المناقشات ضمن ندوات وورش عمل، وعلى مدى أحدى عشر سنة، بشأن الدستور وعندما يأتي الدور على تضمين حقوق الأمازيغ بالدستور يكون الرفض القاطع والتحجج بأن ظروف الدولة غير مهيأة للكلام عن دسترة حقوق الأمازيغ بالرغم من أنه رُفع شعار “دسترة اللغة الأمازيغية دعم للوحدة الوطنية” بالمؤتمر الوطني الأمازيغي الليبي الذي عقد في إيركسوس 26 سبتمبر 2011م وكان الكاتب رئيساً لهذا المؤتمر.
اليوم نتساءل هل جميع مشاكل ليبيا حُلت؟ ولم تبقى إلا مشكلة التهريب عبر معبر رأس أجدير وراية الأمازيغية ! بل السؤال الأهم هل تمت السيطرة، من قبل حكومة الوحدة الوطنية أو حتى حكومة السيد أسامة حماد، على جميع المنافذ البحرية والجوية وكذلك البرية ولم يبقى إلا معبر رأس أجدير خارج سيطرة الحكومة؟؟؟ هذه التساؤلات بالتأكيد مزعجة بالنسبة لمعظم الأمازيغ بليبيا بل وحتى من قبل العديد من المنصفين الليبين/ات.
تأجيج معبر رأس أجدير لا يخدم غزة!
معظم أحرار العالم اليوم يتظاهرون ويخرجون بعشرات الآلاف يصرخون ضد القتل الوحشي لأطفال ونساء غزة، ويكاد أن يختزل نشاط الحراك الإنساني اليوم في العالم بالتضامن مع أهلنا في غزة حيث نجد المظاهرات المناصرة لغزة تتصدر جميع أنشطة الحراك المدني في العالم. والكاتب هنا يحاول أن يوقظ أهلنا من أحرار ليبيا بأن موضوع المعبر ليس وقته، وبغض النظر نتفق أم نختلف مع ما يحصل بشأن السيطرة على المعبر فربما جديرٌ بنا أن نؤجل اختلافنا اليوم، وعلى الحكومة الليبية أن تلتفت إلى تحسين وضع الشعب الليبي بتوفير السيولة، والضغط على الكبير بشأن تخفيض سعر الدولار، والارتقاء بالخدمات الصحية، واستكمال مشاريع عودة الحياة، وكذلك الحد من التهريب ولكن ليس بالمستوى المثار اليوم. لنعطي بعض الوقت لأهلنا في غزة، ولتستمر الحكومة في حملات الإغاثة لأهلنا في غزة، ولتساعد الشعب الليبي بالتفرغ لأهلنا في غزة ولو بالدعاء لهم ونحن بالعشرة الأواخر من رمضان وهو أضعف الإيمان.
كلمة أخيرة:
يقول الفيلسوف الأمازيغي أبن رشد: “لو سكت من لا يعرف لقل الخلاف” فعلينا وقف الخوض فيما لا نعرف لنصل إلى التوافق ونتجنب الخلاف. ولنحاول أن ننظر لما يحصل بمعبر رأس أجدير من عدة جوانب وسنجد أنه موضوع بالتأكيد سيخلق خلاف، ولا يخدم مصلحة ليبيا وشعبها. والسيد اللواء عماد الطرابلسي بادر بتنفيذ التعليمات مع أن التفتيش عن البضائع العابرة والمهربة للحدود تخصص الجمارك، وبالنسبة لحماية الحدود فهي تخصص الجيش الوطني الليبي! ونسأل الله، ونحن نعيش بركة رمضان، أن يصلح حال البلاد والعباد ويبعدنا عن الخلاف.