إن مسألة الصراع مع الإسلام والعربية ليست موجودة، وفرنسا هي التي لها مصلحة في هذه النازلة
على ضوء التصريحات والتصريحات المضادة بين الناشط الأمازيغي أحمد عصيد و بعض شيوخ السلفية بالمغرب. هل تعتقد بأن الأمر يتعلق بصراع بين الحركة الأمازيغية والسلفيين؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون صراع بين أحمد عصيد وبعض شيوخ السلفية بالمغرب؟
بسم الله الرحمان الرحيم، أولا فيما يتعلق بهذا الموضوع، فإني أظن أن ما تحدثتم عنه هو مجرد صراع مصطنع. لأنه حينما نرجع إلى تاريخ المغرب يتبين لنا أنه لم يكن هناك أبدا أي مشكل بين الأمازيغ والعرب، بل بالعكس من ذلك، نجد أن رموز الأمازيغية من أمثال محمد بن عبد الكريم الخطابي ومختار السوسي… كانوا دائما في الطليعة للدفاع عن الإسلام.
المغرب ظل دائما يؤمن بالاختلاف والتعدد الثقافي .فالمغرب أيضا هو بلد أمازيغي وهذه حقيقة تاريخية، ولكن رغم ذلك لم يطرح هذا الموضوع ولم تكن هناك أية إشكالية بين مكونات الهوية الوطنية. وعلى هذا الأساس فإني أعتبر بأن هذا الأمر هو مجرد صراع مصطنع. وأن هذه المرحلة تقتضي منا الاهتمام بالقضايا الإستراتيجية المرتبطة بالشق الاقتصادي و الاجتماعي، فالمغرب فتح عدة أوراش كبرى ويسعى بجهد إلى تحقيقها لما لها من مصلحة عليا على الوطن ككل.
ثانيا أنا أعتبر بأن اللحمة الموجودة بين جميع مكونات الشعب المغربي هي الإسلام الذي يقبل الآخر، إسلام الانفتاح الذي يعمل من أجل أن يسعد الإنسان. و أيضا يجب ألا نتنكر إلى وجود الحضارة الإسلامية بالمغرب، وكما أنه أيضا الحضارة المسيحية واليهودية ساهمت في تاريخ المغرب. على العموم كانت هناك مساهمات لجميع الأديان في صنع الحضارة المغربية، ولهذا لا ينبغي علينا إقصاء الإسلام في مساهمته في صنع الشخصية المغربية، ولا يجب أيضا الحكم على الإسلام من خلال تصرفات بعض الأشخاص.
إن مسألة صراع الأمازيغية مع الإسلام والعربية ليست موجودة، ولم تكن تطرح في أية حقبة تاريخية من تاريخنا الوطني، فالمسألة إذن تتعلق بطرح مجموعة من الأفكار و التي للأسف لا نعرف المغزى من طرحها في هذه الظرفية التي تمر منها بلادنا، علما أن المغرب يعمل حاليا وبصدق بكل جهد من أجل إنجاح قضية الصحراء المغربية و القضايا الإستراتيجية.
وفيما يتعلق بشيوخ السلفية فأنا شخصيا أظن أنهم لا يطرحون القضية الأمازيغية بشكل سلبي، فمن خلال حضوري لإحدى الندوات التي نظمت في الناظور من طرف السلفيين، تبين لي أنه هناك توجه عام لدى السلفيين في تمجيد رموز الأمازيغية، والافتخار بالثقافة واللغة الأمازيغيتين.
وبخصوص مسألة العقيدة التي يراد منها أن تدخل في خصام مع الأمازيغية، فهذه إشكالية كبيرة، فعصيد الذي يعتبر نفسه أمازيغي، يحاول أن يشخص هذا الموضوع في القضية الأمازيغية لذالك أعتبرها لعبة غير محسوبة العواقب، ولأنها أيضا تختلف مع الحقائق التاريخية والحضارية للشعب المغربي، ولهذا فإني أقول لماذا يتم طرحها في هذا التوقيت بالضبط؟ فعصيد باعتباره رجل مفكر ينبغي له احترام الآخر الذي له معتقداته ومقدساته. فالمنظومة التربوية إذا أردنا أن نصححها، يجب أن تصحح ليس من خلال هذا الطرح المغلوط وإنما يجب أن تصحح من داخل المنظومة البيداغوجية وفي إطارها الشمولي، ولهذا يجب من الأستاذ أحمد عصيد أن يراجع أفكاره وطروحاته الملغومة، وأن لا يلتجئ إلى سياسة خالف تعرف و التي للأسف تضرب صميم اللحمة المغربية، فالأمازيغ لم يسبق لهم بأن أهانوا المعتقد الإسلامي ولم تكن لهم أية طروحات معادية للدين الإسلامي.
أنت تعتبر بأنه ليس هنالك أي صراع بين الأمازيغيين والسلفيين . إذن من له المصلحة في إثارة الفتنة بين الطرفيين؟
فرنسا هي التي لها المصلحة في هاته النازلة، وهي التي تدفع في هذه العملية، حيث تعمل من أجل تكوين جبهات داخل المغرب، ففي فرنسا هناك تيار قوي يمول هذه العمليات، وكما أنه هناك بعض الإخوة عفا الله عنهم يذهب في هذا الطرح، حيث حصلوا على تمويلات الدولة الفرنسية. ولهذا فأنا أقول بأن الأمازيغية هي أساس الدولة المغربية وهي تراث مغربي عريق والمغاربة لم يتسموا بأي تعصب عرقي ، فالمغرب عرف تعايش بين جميع مكوناته ولم يكن هناك أي مشكل بين المغاربة.
إذن هناك تيار أجنبي يدفع في هذا الإطار، فحاذري من خلق مشاكل داخل المغرب، فبلادنا لها اهتمامات أخرى، والأمازيغية حققت مكاسب عدة من خلال مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و من خلال ترسيمها في دستور المملكة المغربية، ومسألة تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية تتم بالتدرج، والمغاربة ليس لهم أي اعتراض في هذا الاتجاه وهذا أسلوب حضاري يتسم به الشعب المغربي.
هناك أيادي أجنبية تدفع بعض الأشخاص الذين يدعون الانتساب إلى الأمازيغية وليسوا أمازيغيين حقيقيين إلى افتعال المشاكل خدمة لأجندة هاته الدولة، على العموم الأمازيغ الحقيقيين هم الذين أسسوا الدولة المغربية وكانوا دائما يعتبرون بأن الإسلام هو العمود الفقري للحضارة المغربية.
العديد من المتتبعين للشأن السياسي المغربي يعتبرون بأن الحكومة المغربية و المعارضة البرلمانية عجزتا عن إعادة الثقة للمواطن المغربي في نبل العملية السياسية، مما يدفع ببعض الأطراف إلى تفجير طابوهات تجس نبض الشارع. فما هو تعليقك؟
الأحزاب السياسية يجب أن تغير في منهجية عملها، والمشكل المطروح الآن لدى الأحزاب السياسية هو إبعادها للفكر العلمي في القضايا التي تهم المغرب، وأنا أظن أنه قد حان الوقت للتخلي عن الفكر الفولكلوري. فنحن نريد أن نبني دولة قوية من أجل الوصول إلى منظومة اقتصادية قوية وفكر علمي منتج، وهذا يستدعي منا التأصيل للفكر العلمي، للأسف في بعض الأحيان المعارضة والحكومة يكونان طرفا في هذا المشكل، فالحكومة الحالية لم تحاول تنزيل مقتضيات الدستور، كما أن هناك عدة منزلقات داخل المعارضة حيث لم تتحكم في آليات المعارضة. ربما لاحظتم أنه هناك أشخاص معينين وحزب معين في الحكومة يمارس المعارضة ، وهذه ليست معارضة و لا حكومة، إذن هناك خليط في الفكر السياسي في المعارضة وفي الحكومة، وهذه التجربة أساءت إلى العمل السياسي لذلك فنحن مطالبون في تغيير المنهجية السياسية المعمولة بها داخل الأحزاب الوطنية.
أنصار الطرح العلماني بالمغرب يعتبرون بأن ما صرح به الناشط الأمازيغي أحمد عصيد يدخل ضمن حرية التعبير. أنت كإسلامي معتدل أين تبدأ وتنتهي حرية التعبير عند الإسلاميين ؟
قضية عصيد مرتبطة بمسه للمعتقد الإسلامي، ففي أروبا مثلا يحترمون عقيدة الإنسان، وحرية الإنسان وحرية المجتمع، فالمجتمع المغربي هو مجتمع مسلم ويجب أن نحترم حرية هذا المجتمع. كيف يعقل أن نتحدث عن حرية التعبير ونهضم حرية المجتمع ؟ هذا الشيء يجب التفكير فيه جليا، وأنا شخصيا مع حرية التعبير لكن هذه الحرية لها حدود ولا يمكن لها أن تتهجم على العقيدة وأن تصل إلى زعزعة الأمة الواحدة. وأنا شخصيا لن أقبل بذلك كإنسان وكإسلامي معتدل، وأنا دائما أسعى إلى قبول الآخر بحريته وبعقيدته، يجب أن تكون هناك وسطية وأن ننبذ التطرف، ولهذا فإني أقول بأن حرية التعبير تبقى للجميع في إطار الاحترام المتبادل
أنت كسياسي، هل تعتقد بأنه يمكن للأمازيغيين والسلفيين بأن يتحالفا للدفاع عن بعض القضايا التي تهم الجماهير المغربية؟
أنا أعتبر بأنه كل الأمازيغ هم مسلمون لتوضيح جملة من المسائل ، أما التحالف ليس فيه إشكال في الجانب السياسي وفي البرامج المشتركة في إطار اللحمة الإسلامية، وأعتقد بأنه يجب أن يكون هناك تنسيق في بعض القضايا الأساسية التي تهم المغاربة والمتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وأنا شخصيا لا أشجع بأن يكون هناك فرق بين الإسلاميين والأمازيغيين، فأنا أرى أن هذه العملية غير صائبة. ويمكن لنا أن نشتغل في القضايا المصيرية التي تهم المغاربة جميعا كنا عربا أو أمازيغ أو أندلسيون ، فالمواطنة حق للجميع وهذا ما نص عليه الدستور المغربي ويجب علينا أن نذهب في هذا الاتجاه.
حاوره: ياسين عمران