هل يمكن أن يكون التناقص في عدد المتحدثين بالأمازيغية ناتجا عن انخفاض الخصوبة لدى الأمازيغ، أم أن التهميش والإقصاء المستمر يلعبان دورا أكبر؟ مع اقتراب إحصاء 2024، ماذا يمكن أن نتوقع من نتائجه في ضوء النتائج التي أظهرها إحصاء 2014؟ فقد أظهرت الأخيرة أن نسبة المتحدثين بالأمازيغية تراجعت من 28% في إحصاء 2004 إلى أقل من 27% في إحصاء 2014، هذه الأرقام تفتح مجالا للتساؤل هل يمكن للأرقام أن تعكس الواقع الثقافي الحقيقي للمغرب بشكل عادل في سياق تعرض الأمازيغية، التي تشكل نواته الأساسية، للتهميش على مدى عقود؟ كيف يمكن للبيانات أن تعبر بدقة عن لغة لم تمنح لها الفرصة الكافية لتتطور وتنمو؟ وكيف يمكن مقارنة هذه اللغة مع لغات أخرى حصلت على دعم وحماية كبيرة؟ وهل تستطيع الأرقام أن تبرز حجم التهميش والإقصاء الذي تعرضت له هذه اللغة؟
ليس الهدف هنا التشكيك في دقة الإحصاءات بحد ذاتها، بل التساؤل حول كيفية استثمار هذه النتائج في صياغة السياسات العامة، لأن القراءة الخاطئة تؤدي لنتائج عكسية، فليس من المقبول أن تفسر هذه النتائج على أن الأمازيغ أقلية في بلادهم، بل يجب أن تقرأ هذه النتائج في سياقها التاريخي الصحيح، وليس كتبرير لمزيد من التهميش، لضمان تجاوز مرحلة ما قبل الإعتراف الرسمي، فدسترة الأمازيغية في دستور 2011 كان خطوة مهمة، لكن هذه الخطوة لا تكفي إذا لم تترجم إلى تنزيل فعلي، بتبني سياسات تمييز إجابي تعزز من حضور الأمازيغية في مجالات التعليم والإعلام والحياة العامة، بدون هذا التنزيل، ستظل عرضة للتهميش وحبيسة النصوص الدستورية، ويستمر التراجع عن المكتسبات التي حققتها، مما يعمق من أزمة الهوية في البلاد.
فالأكيد أن النتائج المرتقبة ستكون مرة أخرى صادمة للفعاليات الأمازيغية ومتتبعي الشأن الأمازيغية، كيف لا، والأمازيغية، رغم مرور أكثر من عقديين على بداية تدريسها في عام 2003، لم تعمم بعد على المستوى الإبتدائي، ناهيك عن المستويين الإعدادي والثانوي، اللذين لم تبدأ فيهما بعد، وعلى مستوى الإعلام لم تحقق قناة تمازيغت بعد بثا على مدار 24 ساعة، والقنوات الأخرى لم تلتزم بدفاتر تحملاتها المتعلقة بمدة البث المتخصصة للبرامج الأمازيغية، دون أن نتحدث عن غيابها في المجالات الأخرى، في هذا السياق يأتي الإحصاء ليطرح أسئلة قد تبدو بريئة حول اللغات المحلية المستعملة وحول اللغات المقروءة والمكتوبة وترتيبها حسب درجة الإتقان، فالأرقام هنا ستفضح الشعارات الرسمية حول النهوض بالأمازيغية، وتكشف عن الفشل الذريع في السياسات التعليمة المتعلقة بالأمازيغية، وتطرح سؤالا جادا حول مدى جدية الدولة في الحفاظ على هذه اللغة والنهوض بها.
والأمر لا يقف عند هذا الحد، فرغم الدعم الكبيرة والمكانة التي تحظى بها اللغة العربية الفصحى لدى الدولة، نجد أن استخدامها في الحياة اليومية يكاد يكون معدوما، مقتصرا على المؤسسات الرسمية والتعليم والإعلام، وأن الدرجة المغربية، وهي الأكثر استخداما في الحياة اليومية حسب الإحصائيات السابقة، هذا الأمر يطرح إشكاليات أخرى في فهم الهوية، حيث يصنف المتحدثون بالدارجة في الاحصاءات على أنهم يتحدثون اللغة العربية، أي أنهم عرب، مما يزيد من تعتيم الصورة الحقيقية للهوية المغربية، فاستخدام الدارجة لا يعني بالضرورة انتماء للعروبة، فالدارجة المغربية هي في الأساس مزيج من الأمازيغية والعربية وبعض اللغات الأخرى، وهي تختلف كثيرا عن اللغة العربية الفصحى من حيث النحو والمفردات، وإن الأمازيغية تظل جوهر الهوية المغربية التي لا يمكن تجاهلها أو إقصائها بناء على اللغة المستخدمة في الحياة اليومية.
فالأرقام وحدها لا تكفي، فقد تبرز حجم المشكل، لكنها لا تقدم حلولا، ما يجب على الدولة فعله هو استثمار هذه النتائج ليس لتأكيد الوضع القائم، بل لتبني سياسات جديدة تضمن تمييزا إجابيا للأمازيغية من خلال إرادة سياسية حقيقية لتحويل الإعتراف إلى واقع ملموس ومؤثر في جميع جوانب الحياة. يجب أن تكون هذه الأرقام دافعا للدولة لتتحمل مسؤولياتها في حماية وتعزيز الأمازيغية والنهوض بها، والعمل على تجاوز مرحلة ما قبل الإعتراف.
يوسف أزوركي