مسكين هو عبد الإله ابن كيران، حين صدّق نفسه حين نعتنا بالحيوانات والحشرات والجراثيم، لكنه نسي أننا أذكياء ونفهم الأمور بسرعة. نعم، لقد فهمنا جيدًا ما أراد قوله في خرجته الأخيرة، عندما صرح بأنه متخوف من أن تقصف إسرائيل مقر حزبه (الذي يصنع فيه النووي)، وأضاف في حديث موجّه للملوك: “إذا لم تحمونا من إسرائيل، ما بقات بيعة”.
هذا الكلام عجيب أن يصدر عن رئيس حكومة سابق، ولكن للأسف، ليس غريبًا أن يصدر عن ابن كيران، فمثل هذه التصريحات التي تمس البيعة ليست جديدة عليه. فقد سبق له أن عبّر علنًا في برنامج تلفزيوني، قبل أن يصبح رئيسًا للحكومة، عن رفضه لطقوس البيعة واحتفالات عيد العرش، واصفًا إياها بالمسرحية. لكن حين كان في السلطة، صمت وتظاهر بالقبول، واليوم، بعدما فقد الشعبية والحكم، عاد إلى نفس الخطاب العميق الذي لم يتغير في جوهره، بل أجل فقط ظهوره الى حين.
نعم نحن نتذكر كيف هاجم ابن كيران طقوس البيعة قبل توليه الحكم، وكيف تردد في مواقفه المتعلقة بها، ثم كيف عاد اليوم ليضع البيعة نفسها في مهب كلامه: “إذا لم تحمونا من إسرائيل، ما بقات بيعة”.
إن كلام ابن كيران اليوم، لا يقل خطورة عن مواقفه القديمة. إنه مؤشر على براعة في الخطاب السياسي الذي يُستعرض فيه الولاء متى كان في السلطة، ويخفيه عند فقدانه لهذه السلطة.
وهذه مناسبة لتوضيح أمر مهم لابن كيران وطائفته، لقول ان: البيعة في المغرب ليست مجرد طقس عابر يمكن تهديده أو ابتزاز الملكية به، بل هي الرابط الدستوري والروحي بين الشعب وملكه. والتشكيك فيها أو الاستهزاء بها دليل على أن خطاب حزب العدالة والتنمية لم يكن يومًا خطابًا صادقًا بالولاء للثوابت الوطنية، بل وسيلة سياسية لتحقيق مصالحه ومراكمة شرعيته حسب ما تخدم مواقفه ومصالحه.
والبيعة هي عقد اجتماعي بين الملك وشعبه، والبيعة والملكية خطان أحمران لا يُفترض أن يستعملا في المناكفات السياسية. وأي محاولة للتشكيك فيهما أو اللعب بهما لأغراض حزبية تُعد تجاوزًا يُهدد وحدة الأمة واستقرار الدولة.