محاكمة غير عادلة وأحكام انتقامية
تلقى التجمع العالمي الأمازيغي بامتعاض شديد، الأحكام القاسية والانتقامية التي أصدرتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء مساء الثلاثاء 26 نوينو2018، في حق معتقلي الحراك الشعبي بالريف، والتي وصلت إلى أزيد من ثلاثمائة سنة (300) ثلاتة قرون، سجنا نافذا في حق المعتقلين المرحلين إلى الدار البيضاء، على خلفية مشاركتهم في احتجاجات سلمية وحضارية بشهادة العالم، عقب الطحن الفظيع للمواطن “محسن فكري” في حاوية لنقل النفايات أواخر أكتوبر 2016، والمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لساكنة منطقة الريف عامة، والتي تعاني من التهميش والإقصاء والحصار الأمني والاقتصادي منذ خمسينيات القرن الماضي.
هذه المطالب التي أجمع المسؤولون الحكوميون على مشروعيتها وعدالتها، بالإضافة إلى صدور القرار الملكي أو ما يعرف إعلاميا “بالزلزال السياسي” الذي تسبب في عزل مسؤولين حكوميين بسبب تعثر عدد من المشاريع، وهي المشاريع ذاتها التي خرج من أجلها الآلاف من المحتجين من مختلف المشارب والأعمار، و قوبلت بالقمع واعتقال المئات من النشطاء الذين قادوا المسيرات والوقفات الاحتجاجية السلمية والزج بهم في السجون ومتابعتهم بتهم خيالية، وصلت إلى حد اتهام النشطاء بالتآمر على الوطن والتحريض على قلب النظام وغيرها من الاتهامات الواهية التي لفقت لنشطاء سلميين، مطالبهم عادلة ومشروعة ولا تخرج عن ما يضمنه القانون والدستور.
وعوض الاستماع والتجاوب والإنصات للمطالب العادلة للمحتجين، اختارت الدولة المغربية المقاربة الأمنية الزجرية والاعتقالات العشوائية وصولا إلى المحاكمات الماراطونية والصورية لمئات المعتقلين الذين أصدرت محاكم الحسيمة أحكامها في حقهم، وتم توزيعهم على سجون الحسيمة والناظور وتاونات… في حين قرّرت ترحيل أزيد من خمسين معتقلا من أبرز الوجوه في الحراك الريفي السلمي إلى سجن عكاشة بالدار البيضاء على ذمة التحقيق، وهو التحقيق وبعده المحاكمات التي وصلت إلى أزيد من 84 جلسة بالغرفة الابتدائية بجنايات الدار البيضاء، وأمام قضاء يشهد الجميع بعدم استقلاليته.
وبعد مرور أزيد من سنة على اعتقال أبرز الوجوه في الحراك، يتقدمهم ناصر الزفزافي ومحمد جلول ومحمد المجاوي ونبيل أحمجيق…وترحيلهم إلى سجن “عكاشة” بالدار البيضاء، وعزل الزفزافي لأزيد من سنة في زنزانة انفرادية ودخولهم أكثر من مرة في إضرابات مفتوحة عن الطعام، بسبب المضايقات التي يتعرضون لها وحرمانهم من أبسط حقوقهم في السجن، وبعد أزيد من 84 جلسة اتضح من خلالها خلو ملف متابعة معتقلي الحراك من أي دليل يدين نشطاء حراك الريف، بل بالعكس تماما، اتضح للجميع أن مطالب حراك الريف مطالب عادلة ومشروعة، وأن الحراك حراك سلمي حضاري أبهر الجميع بتنظيمه وسلميته وحمايتهم للممتلكات العامة والخاصة.
وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه الانفراج في هذا الملف الفارغ والذي لا يستحق هذه المحاكمات المارطونية والزج بخيرة شباب الريف في السجون، والإفراج عن كافة المعتقلين والبدء في مصالحة حقيقية مع الريف عبر التنمية والمصالحة والعدالة الانتقالية وجبر الضرر الجماعي لساكنة الريف، والاستجابة للملف المطلبي للحراك، والذي يتجلى أساسا في مطالب اقتصادية واجتماعية وثقافية، والقطع مع سياسة سنوات الجمر والرصاص، نتفاجأ بالأحكام الانتقامية والقاسية التي أصدرتها المحكمة في وقت متأخر من ليلة أمس الثلاثاء في حق رفاق الزفزافي والتي وصلت إلى أزيد من 3 قرون.
هذه الأحكام القاسية، والتي تعود بنا إلى سنوات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وسنوات الجمر والرصاص التي كنا نعتقد أننا تجاوزنها وطوينا صفحتها بعد ما سمي بهيأة الإنصاف والمصالحة، لا يمكن إلا وصفها بالأحكام الانتقامية والحاقدة على أمازيغ الريف، والسعي إلى تكريس سياسة التمييز والتفرقة بين المواطنين والجهات والسعي إلى مزيد من تهميش وإقصاء منطقة الريف ودفع ما تبقى من شبابها لركوب أمواج البحر نحو أوروبا والهروب من الفقر الذي يحيط بهم من كل جهة، وما الترويج لتهم الخيانة والانفصال وما واكب الاحتجاجات الشعبية في الريف من التحريض من طرف جهات مختلفة بدءا بالتحالف الحكومي ضد الريف، مرورا باصدار هذه الأحكام الانتقامية والغير عادلة، تشكل نكسة وردّة حقوقية وانتهاك صارخ للحقوق والحريات وتعود بنا عشرات السنوات إلى الوراء، وهي الانتهاكات التي كلفت الدولة ثمنا باهضا، لا تزال إلى اليوم تؤدي ثمنه في المحافل الدولية ولدى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وبناء على ذلك، نعلن نحن التجمع العالمي الأمازيغي ما يلي:
* نؤكد أن هذه الأحكام، أحكام انتقامية صدرت عن قضاء غير مستقل بعد محاكمات غير عادلة وغير منصفة بشهادة هيأة الدفاع ومنظمات حقوقية.
* نؤكد أن هذه الأحكام ما هي إلا دليل قاطع على الردة الحقوقية وتراجع خطير في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، ودحض أكذوبة إصلاح منظومة العدالة.
* نطالب بوضع حد لهذه المهزلة والمحاكمات الصورية والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين على خلفية حراك الريف، وإغلاق هذا الملف بصفة نهائية مع جبر الضرر ورد الاعتبار لمنطقة الريف وأبنائها.
* نطالب بالاستجابة الفورية للملف المطلبي للحراك الاحتجاجي بالريف، والقطع مع سياسة الانتقام والمزاج السياسي في التعامل مع المطالب العادلة والمشروعة لأبناء الريف، والعمل على المصالحة مع الريف بدل سياسة الانتقام.
*نؤكد من جديد أن ما حدث بالريف هو نتيجة طبيعية وحتمية لستين سنة من التهميش والإقصاء والقمع والاضطهاد والحصار الأمني والاقتصادي والدفع بأبنائه للهجرة إلى أوروبا.
*نعبر عن تضامننا الكامل مع كافة المعتقلين وذويهم وكافة أبناء الريف ونشدد على مشروعية مطالبهم وسلمية احتجاجاتهم وحضاريتها.
* نجدد مطالبتنا بتمكين أبناء الريف من تسيير مناطقهم عبر منحهم حكما ذاتيا موسعا في إطار دولة فيدرالية موحدة تعددية تضمن الحق في العيش الكريم لكل أبنائها وحقهم في الاستفادة من ثرواتهم، والقطع مع منطق الدولة المركزية التي لم تساهم إلا في مزيد تهميش وإقصاء المناطق والجهات ذات الخصوصية الثقافية واللغوية.
عن التجمع العالمي الأمازيغي