التحولات الجيواستراتيجية في شمال إفريقيا ومطامع إيران: هل تتحول البوليساريو إلى “حزب الله “جديد؟

مليكة بوطالب

بعد بوادر فشل إيران في سياستها بالشرق الأوسط من خلال الحرب بالوكالة و تنظيماتها الموالية وعلى رأسها حزب الله، مما يهدد مصالحها الجيو استراتيجية في صراعها مع الدول الغربية، يتضح مند سنوات أن إيران تبحث وبنفس المنطق والأليات عن تعويض هذا المجال وافتعال بؤر تؤثر جديدة تسمح لها بتمديد نفوذها وحضورها في المعادلات الاقليمية الجديدة، والتي تؤكد العديد من المعطيات والتحولات ان مجالها الجديد هو إفريقيا وخاصة الشمال وجنوب الساحل.

وبعد أن اتضح أن ملف الصحراء المغربية سيدخل مرحلة جديدة في تاريخ هذا الصراع المفتعل، خاصة بعد التوافق الدولي حول المقاربة المغربية ومقترح الحكم الذاتي، وإمكانية عدم تجديد الأمم المتحدة لولاية جديدة لبعثة المينورسو، فقد تلجأ الجزائر وجبهة البوليساريو إلى تأزيم الصراع وتوتير الأوضاع العسكرية في المنطقة، والبحث عن المواجهة وعن حلفاء لها في المرحلة القادمة، حيث تبرز إيران كدولة مغذية لمثل هذه التوترات والبؤر الإقليمية، ضداً على الشرعية وعلى القرارات الأممية والتقارب الدولي، من خلال دعمها لجبهة البوليساريو، ليس سياسيا فقط بل وعلى مستوى التسليح والدعم اللوجستي، كما اتضح مؤخرا، بما يعكس رغبة طهران في تعويض فشلها في الشرق الأوسط وفقدانها لوضعها الجيواستراتيجي في صراعها مع أمريكا والغرب، وتوسيع نفوذها في مناطق النزاع وإيجاد موطئ قدم لها في شمال إفريقي وجنوب الساحل.

ففي ظل التطورات الجيوسياسية الراهنة، وتصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، والذي يصاحبه تدمير مباشر لمواقع الحزب العسكرية وترسانته وبنياته التنظيمية، مما يمهد لزواله أو اضمحلاله، وباستحضار الأوضاع المتأزمة في سوريا والعراق واليمن، يبرز التساؤل حول احتمال تحول التخطيط الإيراني إلى شمال إفريقيا وجنوب الساحل، وتحول جبهة البوليساريو إلى “حزب الله” جديد توظفه إيران في صراعاتها وحروبها بالوكالة. فالدعم المتزايد الذي تتلقاه جبهة البوليسار والجزائر من إيران يعد متغيرا جديدا وعاملاً رئيسياً في زعزعة الاستقرار الإقليمي، وإمكانية إعادة تشكيل المعادلات الجيوسياسية في المنطقة التي تعمل إيران على التموقع فيها وتوظيفها بنفس الأليات والأدوات التي اعتمدتها في الشرق الأوسط.

فكما وظفت إيران حزب الله كأداة استراتيجية في الصراع الإقليمي وسياستها وتوسيع نفوذها عبر دعم جماعات غير حكومية ذات طابع عسكري، يتضح سعيها إلى تكرار ونقل هذا النموذج إلى شمال إفريقيا عبر جبهة البوليساريو، حيث تسعى إيران لتوظيف خبرتها في الشرق الأوسط وتعويض فشلها وفقدانها لمصالحها الجيو استراتيجية ووزنها عبر احتضان جبهة البوليساريو ودعمها العسكري والسياسي وتوظيفها في صراعها الإقليمي والدولي. وبما أن الجزائر والبوليساريو يتواجدان في موقف ضعف بعد الانتصارات التي حققها في المغرب في اكتساب التأييد الدولي وقرارات الأمم المتحدة، فإن تحركات إيران وعرضها السياسي والعسكري تتماشى مع طموحات الجزائر في تعويض فشلها وتعزيز نفوذها، مما يجعل السيناريو المشابه لتكوين “حزب الله” في لبنان وتوظيفه أمرا واقعيًا في سياق شمال إفريقيا، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار الإقليم بالمنطقة.

وفي خضم التحولات الجديدة وبروز معالم شرق أوسط جديد، حيث تمثل الحرب الجارية بين إسرائيل وحزب الله محطة فارقة في تحديد مستقبل العلاقة بين إيران وحلفائها في المنطقة، وإعادة تشكيل تحالفاتها ومطامحها الاستراتيجية في معادلات الصراع مع أمريكا والغرب، تسعى طهران إلى تعزيز نفوذها في مناطق أخرى لتعويض خسائرها ونفوذها ووكلائها، ومن ضمنها منطقة شمال إفريقيا والساحل الأفريقي. هذا الوضع والمسعى يجعل من دعم إيران لجبهة البوليساريو مسألة ذات أبعاد استراتيجية خطيرة، حيث يمكن أن تؤدي إلى تعزيز القدرات العسكرية للجبهة وتحويلها إلى قوة تؤرق استقرار المغرب والمنطقة ككل، والجزائر، التي طالما كانت الحاضن و الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو، قد تجد في شراكتها مع إيران فرصة لتعزيز موقفها في مواجهة المغرب، خاصة في سياق دولي جديد ومنطقة تثير أطماع عدة قوى دولية، وفي وقت يسعى فيه المغرب إلى حماية وحدته الترابية وتحصين أمنه الداخلي، وتأكيد أهمية موقعه الجغرافي وحضوره كبوابة إفريقيا وفاعل أساسي في السياسة القارية والإقليمية الراهنة والمستقبلية.

كما جاء في الخطاب الملكي خلال افتتاح الدورة التشريعية بالبرلمان، فالمغرب انتقل من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير في قضية وحدته الترابية، وهذا يتطلب أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في معالجة هذا الملف وتطوراته، بما يتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية، من خلال التنسيق بين مختلف القطاعات السياسية والعسكرية، وتعزيز قدراته الدفاعية وبناء شراكات استراتيجية مع القوى الدولية الصديقة، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف مواجهة أي تصعيد محتمل من جانب البوليساريو والجزائر وإيران، والاستعداد للرد على أي تحركات عسكرية قد تنجم عن الوضع المتوتر خاصة إذا لم تتجدد ولاية المينورسو، والعمل على استباق التهديدات من خلال دبلوماسية فعالة تركز على استقطاب دعم المجتمع الدولي.

وفي إطار هذه التحديات المتزايدة، يتضح الدور المحوري الذي تلعبه التحالفات الاستراتيجية للمغرب في تعزيز قدراته الدفاعية ووضعه الإقليمي والحفاظ على استقراره من خلال تنويع شراكاته الدولية والإقليمية، وبناء شبكة واسعة من التحالفات التي تعزز من موقعه كقوة إقليمية مؤثرة، وفي مقدمة هذه التحالفات، تأتي الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث يشمل هذا التعاون مجالات الدفاع والتكنولوجيا والأمن السيبراني، مما يساهم في رفع كفاءة المؤسسات العسكرية والأمنية المغربية في التصدي لأي تهديدات خارجية.

علاوة على ذلك، يمثل التحالف مع دول الخليج، مثل الإمارات والسعودية، دعمًا سياسيًا وماليًا قويًا للمغرب، خاصة فيما يتعلق بقضيته الوطنية، هذا الدعم الإقليمي يعزز من موقف المغرب في المحافل الدولية، ويزيد من قدرته على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة. في الوقت ذاته، تسعى الرباط إلى توسيع شراكاتها مع الدول الإفريقية وخاصة بلدان جنوب الصحراء من خلال مشاريع تنموية واستثمارات وبناء مصالح اقتصادية مشتركة، بهدف ترسيخ دورها كفاعل رئيسي في إفريقيا وتعزيز استقرار المنطقة.

انطلاقا مما سبق من توضيحات، يجب على المغاربة الذين يتعاطفون أو “يطبلون” لإيران وحزب الله وبقية وكلائها أن يعوا أن هذه التنظيمات، رغم اختلاف الساحات التي تنشط فيها، تحمل في طياتها أجندات إقليمية تتجاوز مجرد المقاومة ومواجهة الاحتلال، وبعيدًا عن التضامن الإنساني مع حقوق الشعوب ومع المدنيين وضحايا هذا الصراع، وهو أمر مشروع ومفهوم، فلا يمكن التغاضي عن العلاقات الوثيقة التي تربط إيران بحزب الله وببقية وكلائها، وأطماعها الجيو استراتيجية، ودعمها السياسي ةالعسكري للجزائر وجبهة البوليساريو في نزاعها ضد المغرب، حيث أن هذه الجماعات تستخدم دعمها لقضايا معينة وبمبررات واهية كغطاء لتوسيع نفوذها وتحقيق أهدافها الإقليمية التي لا تتماشى مع المصالح الوطنية المغربية.

فإيران، من خلال حزب الله، ثم من خلال البوليساريو، تسعى إلى تأجيج بؤر التوثر وتوسيع نفوذها في مناطق النزاع، ولا سيما شمال إفريقيا والساحل، حيث تستخدم مثل هذه التنظيمات كأدوات لتنفيذ أجندتها الجيوسياسية في صراعاتها مع الدول الكبرى والقوى الإقليمية، لذلك، يجب أن يكون المغاربة على دراية بأن التعاطف مع هذه التنظيمات ودعم خطاباتها المعلنة هو دعم لمشاريعها ومطامعها التي لم تعد خفية على أحد، وتحمل في طياتها تهديدًا مباشرًا لوحدة المغرب الترابية وأمنه القومي، وأن هذه الجماعات لا تخدم سوى الأجندة الخارجية لإيران التي تسعى إلى إضعاف استقرار الدول والأوضاع الإقليمية خدمة لمصالحها القومية ومطامعها الجيو استراتيجية في الصراعات الدولية.

اقرأ أيضا

التناص في الأدب الأمازيغي نماذج مختارة من الشفاهية ومن رواية أضيل ن إسردان ل عمر بوعديدي

 تمت مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب الأمازيغي بكلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة سيدي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *