التحوُّل في الآداب العالمي: غريغور سامسا في رواية الاديب التشيكي فرانز كافكا ولوسيوس بطل رواية الجحش الذهبي لافولاي.

بقلم: الحسين بوالزيت - صحفي وباحث في التاريخ
بقلم: الحسين بوالزيت – صحفي وباحث في التاريخ

تدور أحداث الرواية حول شخصية غريغور سامسا، وهو موظف بسيط في شركة للأسفار، يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه وقد تحول إلى حشرة ضخمة (غالبًا ما تُصوّر كصرصور أو خنفساء)، مما سيؤدي إلى حدوث سلسلة من الأحداث المأساوية والمفجعة في حياته الأسرية والاجتماعية والنفسية. يفتتح كافكا الرواية بجملة شهيرة: حين استيقظ غريغور سامسا ذات صباح من أحلامه المضطربة، وجد نفسه قد تحول في سريره إلى حشرة ضخمة.” ولكن رغم تحوله المفاجئ، كان أول ما يقلق غريغور هو تأخره عن العمل، لأنه معيل الأسرة الوحيد. يحاول الخروج من غرفته، بينما أسرته ومدير عمله ينتظرون خلف الباب، غير مدركين ما حدث له. حينها سوف تصدر منه العديد من ردود الفعل كان أقواها على الاطلاق هو الانعزال. ليقرر اباه ان يفتح عليه الباب. وإذ ذاك ويرونه، ويصابون بالذعر. والده يدفعه بعنف إلى داخل الغرفة، ويُصاب غريغور بجروح. تبدأ الأسرة في حبسه داخل غرفته، ويتعاملون معه كعبء. لتقرر أخته غريتا أن تعتني به مؤقتًا، وتقدم له الطعام، لكنها تدريجيًا ستنفر منه. ليدشن سامسا مراحل جديدة مؤلمة نتيجة دخوله غياهب التدهور النفسي كمضاعفات شديدة لعملية تحوله المفاجئ. مع مرور الأيام سيعتاد غريغور تدريجيًا على جسده الجديد، لكنه يظل واعيًا بذاته كإنسان يشعر بالإهمال والذنب والعزلة. ويستمع بحسرة إلى أحاديث أهله الذين يرونه عبئًا الأسرة تبدأ في العمل لكسب الرزق، ويُهمل غريغور أكثر فأكثر. الذروة والانهيار، في إحدى اللحظات، تفتح أخته باب الغرفة بينما مستأجرون جدد بالبيت، فيرونه ويهربون مذعورين. بعد الحادث، تقول أخته بحزم إنهم يجب أن “يتخلصوا منه”. يسمع غريغور ذلك ويتألم بشدة. يعود إلى غرفته، ويقرر الانسحاب من الحياة الأسرة تشعر بالراحة، وتخرج في نزهة، وتبدأ بالتخطيط لحياة جديدة أكثر إشراقًا الرواية تنتهي بإيحاء بأن الحياة مستمرة، ولكن على حساب الفرد المختلف. . . لنهاية في الصباح، يُعثر على جثة غريغور، وقد مات في هدوء. يعالج كافكا من خلال عمله هذا العديد من الثيمات الكبرى ومنها الاغتراب (Alienation): فغريغور يعاني من الاغتراب عن جسده، ثم عائلته، وعن عالم العمل. فتحوله الجسدي يجسد عمق التحول النفسي والاجتماعي الذي كان يعيش فيه. والذي يتميز بالعبث واللاجدوى. ولكن هذا لا يُفسَّر سبب التحول، ولا يُعالجه، مما يعكس عبثية الوجود والواقع بالمنظور الكافكاوي وكيف يتمثل الهوية والإنسانية. وهنا يبقى غريغور في داخله إنسانًا رغم مظهره، لكنه يُعامل كحشرة فقط. يمكن القول إن رواية التحول لفرانز كافكا تسائل ما الذي يجعل الإنسان إنسانًا؟ هل الشكل؟ أو الوظيفة؟ أم العاطفة؟ وهنا سوف تظهر أسئلة عميقة تهز كيان سامسا المسكين، وينتقد بشدة النفاق الاجتماعي، خصوصا عندما تحوُّلت أسرته من الاعتماد الكلي عليه إلى نبذها له، مما يكشف هشاشة العلاقات المبنية على المنفعة. فالعزلة ثم العقوبة ثم السؤال، لماذا يُعاقَب غريغور دون ذنب واضح، ويُعزل كما لو كان وباءً. ويتحول إلى رمز لكل من يُقصى أو يُختزل بسبب اختلافه. أما بالنسبة للأسلوب واللغة المستعملة في الرواية فقد استعمل كافكا أسلوبا واقعيا-عبثيا ويقدم أغرب حدث انطلاقا منهما (تحول إنسان إلى حشرة) وكل ذلك حسب النقاد بلغة باردة وعادية. ونبرة محايدة خالية من العاطفة، ما يزيد من الإحساس باللاجدوى. من طرف القارئ. فانطلاقا من الوصف الداخلي ويُركّز على المشاعر والانفعالات أكثر من الأحداث ويمكن تكثيف المتناقضات الرمزية للتحول في العناصر التالية:

غريغوري: الإنسان الحديث في آلة العمل.

التحول: تجسيد مادي للاغتراب الداخلي.

الغرفة: السجن الداخلي والعزلة الاجتماعية.

الأسرة: المجتمع الذي ينبذ من لم يعد نافعًا.

تكمن أهمية رواية التحول لفرانز كافكا في انها الرواية التي تُدرّس عالميًا كتحفة من الأدب الحديث وألهمت الفلاسفة والكتاب الوجوديين وتجسد جوهر “الكافكاوية”: عالم غريب، لا عقلاني، يعاقب أفراده دون سبب، ويبتلع الإنسان في بيروقراطية الحياة.

فالتحليل الرمزي العميق للشخصيات، في العمل الذي اشتهر به ابوليوس/ افولاي وكافكا وعند عقد مقارنة بين “التحول” و”الجحش الذهبي” في الجوانب الرمزية المعمّقة بين الروايتين. فعلى الرغم من الفارق الزمني والثقافي الهائل بين العملين، فإن كليهما يوظف التحول الجسدي كوسيلة لاستكشاف التحول النفسي والاجتماعي والروحي، لكن باتجاهين مختلفين جذريًا.

أولًا: مقارنة في البنية العامة

العنصر الجحش الذهبي (أبوليوس) التحول (كافكا)
النوع رواية مغامرات رمزية ذات طابع ديني قصة رمزية وجودية سوداوية
التحول إنسان ⟶ حمار إنسان ⟶ حشرة
الهدف تجربة التطهر والعودة إلى الروح تعرية الاغتراب والعبث
الخاتمة خلاص روحي بفضل الإلهة إيزيس موت تراجيدي دون خلاص

 

فرمزية التحول الجسدي في تجربة غريغور سامسا في (التحول) ولوسيوس في (الجحش الذهبي) لها الكثير من الابعاد بين فضول نحو اكتشاف عوالم السحر والرغبة في التجربة في تجربة لوسيوس بمعنى ان تحوله كان شبه إرادي وحصل جزئيا (أي انه سعى إليه بشكل غير مباشر) ، السقوط في المادة، الجسد، والرغبة – ثم العودة للروح ويتعلم لوسيوس من التجربة، ويتطهّر، ويجد الخلاص بينما يحدث التحول في رواية كافكا فجأة وبدون مبرر وسبب واضح  بمعنى انه مفروض عليه قسرًا، كما انه عبثي  ويروم الانفصال عن الذات والعالم، مما ينتج عنه تدهور إنساني نفسيًا وجسديًا، تم يُنسى ويُرفض أما بالنسبة للبُعد الديني والميتافيزيقي لذى أبوليوس في (الجحش الذهبي) الرواية تنتهي بتكريس النفس للإلهة إيزيس. التحول تجربة روحية: الهبوط إلى المادة ثم الصعود نحو النور. رؤية أفلاطونية-غنوصية للكون: الروح تسعى للتحرر من الجسد. أما بالنسبة لكافكا في (التحول) لا خلاص ولا دين، بل عزلة وموت في صمت. ولا توجد عدالة سماوية، فقط صمت عبثي في وجه المعاناة والبعد الوجودي طاغٍ فالإنسان غريب في عالم لا معنى له. في تراجيديا التحول يبرز دور الأسرة والمجتمع لوسيوس مفصول عن أسرته منذ البداية بينما غريغور كان مع أسرته، لكنه يُقصى تدريجيًا لوسيوس ينظر اليه كحمار، لكنه لا يُنبذ تمامًا بينما غريغور سامسا ينفر المجتمع من ويهمشه ويهمله أما بالنسبة للخلاص فهو ممكن من خلال الطقوس الدينية في الجحش الذهبي والتطهر مستحيل والبطل يموت في عزلة وبلا معنى في تجربة التحول الكفكاوي. على العموم هذا ما يمكن ان نستشفه من عقد مقارنات في اتجاهات مختلفة في تجربة البطلين.

كما أن تحليل معمق لقصة “كيوبيد وبسيشه” ضمن تجربة “الجحش الذهبي” ومقارنتها بقصة غريغور مع أخته غريتا فدراسة أسلوب السرد في الروايتين مقارنة كافكا وعند القيام بتوسيع المقارنة واقتحام زاوية أخرى في التحليل المعمق لقصة “كيوبيد وبسيشه” ضمن “الجحش الذهبي” ومقارنتها بقصة غريغور مع أخته غريتا. وعند القيام بتحليل قصة “كيوبيد وبسيشه” ضمن رواية الجحش الذهبي لأبوليوس، ومقارنتها بعلاقة غريغور سامسا مع أخته غريتا في التحول لفرانز كافكا، يكشف عن تماسّ رمزي عميق بين التوق إلى الحب والخلاص الروحي من جهة، والانهيار النفسي والعاطفي تحت وطأة النبذ والعبث من جهة أخرى.:

فقصة “كيوبيد وبسيشه”  وبسبب فتاة فائقة الجمال، تثير غيرة فينوس (أفروديت)، فتُرسل كيوبيد (إله الحب) ليجعلها تحب شخصًا دنيئًا.لكن كيوبيد يقع في حبها، ويأخذها إلى قصر سحري، حيث تعيش معه دون أن تراه.حين تكشف هويته، تفقده وتبدأ رحلة تطهر طويلة عبر اختبارات قاسية.في النهاية، تنال الخلود وتتحد في  غريغور وغريتا – علاقة تتدهور في بداية التحول، تقوم غريتا بدور الحاضنة لغريغور، تطعمه وتظهر تعاطفًا.بمرور الوقت، يتحول تعاطفها إلى نفور، خصوصًا عندما تشعر بالحرج من وجوده أمام الآخرين.في النهاية، تقول جملة قاسية: “يجب أن نتخلص منه”، فتُعد هذه القطيعة نقطة الانهيار النهائي لغريغور.البعد الرمزي في المقارنة التحول كاختبار للحب: في قصة كيوبيد وبسيشه، التحولات تمثل اختبارات للعلاقة الروحية، وتنتهي بالتكامل. في التحول، التحول الجسدي يفكك الروابط الإنسانية ويظهر هشاشتها، وينتهي بالخراب. الأنوثة وموقفها من الآخر: بسيشه تمثل الروح الأنثوية القادرة على المعاناة والوفاء. غريتا تمثل تعاطفًا سطحيًا، مرتبطًا بالفائدة والخوف من العار، ثم تتحول إلى ممثلة للمجتمع الذي ينبذ الضعيف. الخلاص مقابل الانطفاء: بسيشه تجتاز الألم لتصل إلى الخلود والاتحاد بالحبيب. غريغور، المحروم من الحب والفهم، يموت دون أن يُفتقد.

هنا سنتساءل مع كافكا. هل قرأ رواية الجحش الذهبي لابوليوس/ أفولاي، الجواب نعم. ففرانز كافكا قرأ كتابات أبوليوس وكان مهتمًا بفكرة التحول الجسدي كصورة للتحول النفسي والاجتماعي، لكنّه قلب المعادلة: حيث كان التحول في الروايات القديمة طريقًا للخلاص، جعله كافكا طريقًا للغربة والموت.

فماهي علاقة كل هذا مع ما حصل ليهود فاس قبل تحولهم الى الإسلام؟ الجواب في الجزء الموالي من هذا المقال.

اقرأ أيضا

رسوم الإقصاء الثقافي: قراءة نقدية في القرار الوزاري حول كراء القاعات الفنية بالمغرب

 مقدمة يُعد القرار الوزاري المشترك القاضي بفرض رسوم مالية مرتفعة على استغلال الفضاءات والبنيات الثقافية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *