الجزائر والصحراء المغربية

رشيد راخا

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من يوليو 2024 في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية، لموضوع “إفريقيا الأطلسية، من أجل منطقة قارية مندمجة، شاملة ومزدهرة”، وذلك بحضور أكثر من خمسمائة مشارك ضمنهم العديد من صناع القرار والدبلوماسيين والفاعلين الاقتصاديين.

وأشاد خبراء بارزون وشخصيات سياسية من مختلف البلدان الأفريقية، وخاصة من منطقة الساحل، بالمبادرة الملكية الأطلسية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، نظراً لأن التكامل الاقتصادي بين الدول المتوسطية الإفريقية، وخاصة الاتحاد المغاربي (UMA)، تم تعطيله بشكل فعلي من قبل جنرالات الجزائر[1].

وعند الاستماع بعناية إلى مختلف المداخلات وكذا المناقشات التي أثارها المسؤولون الدبلوماسيون والسياسيون والخبراء وصناع القرار الأفارقة- سواء من المغرب، او السنغال، أو بلدان الساحل من مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد- أدركت أن البلد الذي يعارض بشدة هذه المبادرة الملكية الأطلسية الواعدة والجديرة بالتقدير هي، للأسف الشديد، جارتنا الجزائر، رغم أنها ستكون المستفيد الرئيسي من هذه المبادرة قبل أي بلد أفريقي آخر. وهنا يطرح السؤال: لماذا؟

يجمع كل الخبراء السياسيين والمحللين في مجال الجيوستراتيجيا، على ان مختلف الرؤساء الجزائريين بدءا من الراحل هواري بومدين وصولا إلى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون (باستثناء الراحل محمد بوضياف الذي اغتيل بطريقة جبانة) دعموا، بشدة وبشكل غير مشروط، جبهة البوليساريو الانفصالية منذ خمسة عقود، ليس بسبب زعمهم المضلل الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير (والذي بالمناسبة يرفضونه بشكل قاطع للشعب القبائلي والطوارق في أزواد)، ولكن لهدف آخر وهو هوسهم بإيجاد ممر إلى الساحل الأطلسي. إن هذا الدعم غير المشروط للأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو يكلف الخزينة العامة الجزائرية كثيرا ويعيق بشكل جدي تطور الجزائر الاجتماعي والاقتصادي وسعيها لضمان الرفاه الاجتماعي لشعبها، لدرجة أن المواطنين يضطرون، من اجل الحصول على المواد الغذائية الأساسية، للوقوف في طوابير طويلة لا نهاية لها! وهكذا، ووفقًا لموقع “ألجيري بارت” فإن النظام الجزائري يهدر، سنويًا، أكثر من مليار دولار كدعم لمرتزقة البوليساريو ! [2]

لقد ضيّع القادة الجزائريون حوالي خمسين عامًا في محاولة الحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي، لكنهم لم يحققوا هدفهم أبدًا! وكان يكفيهم ببساطة الاعتراف بالوحدة الترابية للمملكة وبمغربية أقاليمنا الصحراوية، والتماهي مع موقف القوة الاستعمارية السابقة إسبانيا التي تعتبر مخطط الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب على هيئة الأمم المتحدة في أبريل 2007 [3]، “الأساس الأكثر جدية وواقعية وموثوقية” لحل هذا النزاع نهائيًا. ونتيجة لذلك، سيكون المغرب على استعداد لدعم البنية التحتية اللازمة قصد التسهيل اللوجستيكي لنقل المنتجات والموارد الطبيعية الجزائرية إلى الموانئ المغربية الأطلسية، بما في ذلك ميناء الداخلة! أما إذا أصرّت الجزائر على انتظار الاستقلال المزعوم للصحراء الغربية، فسيتعين عليها الانتظار خمسين عامًا أخرى أو أكثر!.

وبالافتراض جدلا، أن الجنرالات الجزائريين ودُماهم الرئاسية لا يريدون العودة إلى رشدهم ولا يرغبون في تبني البراغماتية التي تسِم السياسة الواقعية ولا الحس السليم، وفي تحليل بارد لسيناريوهم الوهمي، المتمثل في تحقيق جبهة البوليساريو “حلمها بالاستقلال”، وخلق “دولتها المستقلة”، رغم أن هذا السيناريو غير محتمل على الإطلاق، يقول صديقي وزميلي الصحافي الألماني “أوو توبير” (Uwe Topper)بشكل موفق[4]: “إن أيا من الطرفين لم يكن وحيدًا(في إشارة إلى الجزائر والمغرب). كان باستطاعة الرباط الاعتماد منذ الستينيات على ملايين الدولارات، والصواريخ المضادة للدبابات، وكذا الطائرات المقاتلة من الولايات المتحدة، للدفاع عن نفسها ضد الجزائر، التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي، وكانت تتلقى كمية أكبر من المعدات العسكرية من موسكو. كان البوليساريو مجرد بيدق في هذه اللعبة؛ ولو انتصر، لأصبحت الجمهورية الصحراوية الشاسعة وشبه الخالية، محمية للجزائر ولكان ساحلها المكان المثالي لإقامة هذه القاعدة البحرية الخالية من الجليد والتي كانت البحرية السوفيتية تبحث عنها كما “الكأس المقدسة” بالنسبة لبحار العالم. وهذا أكثر ما كانت تخشاه واشنطن. وكان منح الرباط كل الدعم اللازم لمنع حدوث ذلك، عنصرًا أساسيًا في سياستها الخارجية” (ولا يزال كذلك منذ الاعتراف الذي لا رجعة فيه من خلال إصدار مرسوم في ديسمبر 2020 من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على جميع مناطق الصحراء المغربية).

إن الحقيقة التي يجهلها القادة والجنرالات الجزائريون، بسذاجة أو لامبالاة، هو أن مرتزقة البوليساريو إذا ما نجحوا في تحقيق أهدافهم، فلن يقبلوا أبدًا بحماية جديدة من قبل السلطات في الجزائر. وبالتالي، فإن أول شيء سيقومون به هو الإعلان الفوري والصريح للحرب ضد الجزائريين، باستخدام نفس الأسلحة التي قدمتها الجزائر لهم، من أجل تأكيد استقلالهم وسيادتهم المزعومين، على غرار ما فعله الجزائريون ضد إخوانهم المغاربة، إذ بمجرد ما حصلوا على استقلالهم، باستخدام الأسلحة التي قدمها لهم إخوانهم المغاربة (وضمنهم بعض أفراد عائلتي) عن طريق الناظور، وبركان، ووجدة [5]، قاموا بإعلان الحرب على المغاربة، بإشعال حرب الرمال عام 1963![6].

في مقابلة صحفية حديثة له[7]، كشف السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه دريانكور، أن الراحل الملك الحسن الثاني اعترف، في محادثات مع الرئيس شارل ديغول، بأن المغرب والجزائر رغم أن كلاهما استعمرتهما فرنسا ورغم أن الجزائريين يعتبرون إخوة للمغاربة، لكن دعم المغرب للجزائر خلق في نهاية الأمر توترات. وقال بهذا الصدد: “نحن مسلمون، تم استعمارنا جميعًا من قبل فرنسا، إنهم إخواننا، لقد ساعدناهم، لكنني أدرك جيدًا أن ذلك سيسبب لنا الآن مشكلة”. وبمجرد ما استولى الجيش الجزائري على السلطة، تسبب نظام العسكر في مشاكل مع البلد الذي دعمهم أكثر!

لنعد إلى سيناريوهنا الافتراضي، في حال تمكن مرتزقة البوليساريو، الذين يقبعون دائما تحت رحمة الضباط الجزائريين، من إقامة “دولة مستقلة”، أي “الجمهورية الصحراوية” الوهمية، فإن أول بلد سيهبّ لدعمهم ضد الجيش الجزائري لن يكون سوى روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين، الذي يعزز بشكل ملحوظ وجوده في أفريقيا، عبر مرتزقة فاغنر الدمويين، كما فعل في مالي، ويفعل في النيجر…!

وفي الأخير، فإن الخيار الوحيد أمام القادة والجنرالات الجزائريين، الذين يكرسون كل جهدهم وطاقاتهم وينفقون موارد مالية ضخمة لعرقلة هذه المبادرة الملكية الأطلسية الخلاقة، من خلال محاولاتهم الفاشلة الضغط على موريتانيا والدول الأخرى مثل السنغال (من خلال محاولة عرقلة خط أنابيب الغاز نيجيريا-أوروبا الذي يمر عبر البلدان الأفريقية على الساحل الأطلسي)، هو الانضمام إلى هذه “المنطقة الأطلسية”، وفتح حدود الجزائر مع المغرب، والتماهي مع الموقف الواقعي للولايات المتحدة الأمريكية وأغلبية دول الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي بشأن حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والذي يمكن أن يكون مصدرًا مضمونًا للازدهار الاجتماعي والاقتصادي لأكثر من 40 مليون مواطن جزائري. وبالإضافة إلى ذلك، كما تؤكد بشكل موفق إحدى المؤثرات المصريات، “فإذا تحالفت الجزائر والمغرب، اللذان يتجاوز عدد سكانهما 80 مليون شخص، لتشكيل بلد واحد ودولة واحدة، فإن هذه الأخيرة ستصبح، بحكم الواقع، القوة الاقتصادية والصناعية والبحرية والعسكرية والسياحية الأولى في القارة الأفريقية بأكملها”![8].

توقيع:

رشيد راخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي

إحالات:

[1]- https://amadalamazigh.press.ma/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d8%ba%d9%8a-%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d9%8a/

[2]- https://algeriepart.com/exclusif-ce-que-reellement-coute-la-republique-sahraouie-au-tresor-public-algerien/

[3]- www.europarl.europa.eu/meetdocs/2009_2014/documents/dmag/dv/dmag20101130_06-/dmag20101130_06-fr.pdf

[4]- https://blogs.elconfidencial.com/mundo/de-algeciras-a-estambul/2022-04-23/guerra-rusia-ucrania-conexion-sahara-occidental-marruecos_3412112/

[5]- https://www.amadalamazigh.press.ma/archivesPDF/280.pdf

[6]- https://www.jeuneafrique.com/124805/politique/d-but-de-la-guerre-des-sables-2/

[7]- https://www.youtube.com/watch?v=HsoD8b4uifc

[8]- https://www.youtube.com/watch?v=givhciDqEGU

اقرأ أيضا

التناص في الأدب الأمازيغي نماذج مختارة من الشفاهية ومن رواية أضيل ن إسردان ل عمر بوعديدي

 تمت مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب الأمازيغي بكلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة سيدي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *