تحل علينا اليوم، الإثنين 24 يونيو 2019، الذكرى الأربعون لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وقد قرر مكتب الجمعية إحياء هذه الذكرى الكبرى تحت شعار “40 سنة من النضال المستمر من أجل كافة حقوق الإنسان للجميع”.
وأكدت الجمعية في تصريح بمناسبة تخليدها الذكرى الأربعين لتأسيسها، على تشبثها بمواصلة النضال الوحدوي وانخراطها في حماية وإشاعة حقوق الإنسان، داعية كافة الديمقراطيات والديمقراطيين إلى المزيد من التعاون لتحقيق المطالب والأهداف الأساسية للحركة الحقوقية، ومعبرة في نفس الوقت عن تشبثها بشعار “وحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان”، واستعدادها للعمل المشترك، من أجل الكرامة والديمقراطية وكافة حقوق الإنسان للجميع والذي يشكل الميثاق الوطني لحقوق الإنسان أرضية مهمة للعمل المشترك للحركة الحقوقية، ووثيقة مرجعية لها في نضالها من أجل بناء دولة الحق والقانون، وفرض احترام الحريات وكافة حقوق الإنسان للجميع ببلادنا.
وعبرت الجمعية عن اعتزازها بمرور 40 سنة من النضال من أجل مغرب تسوده قيم الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكافة حقوق الإنسان للجميع، فبتاريخ 24 يونيو من سنة 1979، وفي خضم الصراع المرير من أجل بناء دولة الحق والقانون ومجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية، مجتمع المواطنين والمواطنات الأحرار المتساوين في التمتع بكافة الحقوق الإنسانية بدون أدنى تمييز، تأسست الجمعية المغربية لحقوق الانسان كإطارحقوقي ينحدر مؤسسوه نساء ورجالا من تجارب سياسية ونقابية وجمعوية ونسائية تقدمية ، وتراكم كفاحي شعبي انعكس على مستوى المبادئ والأهداف التي سطرها القانون الأساسي للجمعية .
وقد اعتبرت الجمعية منذ تأسيسها أن النضال من أجل إقرار حقوق الإنسان الكونية والشمولية هي مهمة كافة المواطنين/ات، حيث تم تأسيس 13 فرعا في البداية في كل من: الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، الناظور، القنيطرة، مكناس، بني ملال، فاس، سطات، أكادير، وجدة، الخميسات.
وتتميز الجمعية كإطار وحدوي، بانفتاحها على مختلف الفعاليات الديمقراطية بالبلاد من أجل المساهمة الفعالة في فرض احترام حقوق الإنسان في كونيتها و شموليتها وإلى ترسيخها في الواقع، محليا وجهويا وكذا على الصعيد الدولي من خلال انخراطها في الحركة الحقوقية العالمية الهادفة إلى فرض احترام حقوق الإنسان والشعوب في كافة أرجاء المعمور، مع ما يتطلبه ذلك من تصدي للعولمة الليبرالية المتوحشة وللإمبريالية كحركة معادية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وللصهيونية كحركة عنصرية، استعمارية وعدوانية.
وطوال أربعين سنة من النضال على واجهة الدفاع عن حقوق الإنسان حماية ونهوضا، ترسخت مجموعة من المبادئ المترابطة والمتكاملة التي شكلت أسس عمل الجمعية وهي: كونية حقوق الإنسان، وشموليتها، والجماهيرية، والاستقلالية، والديمقراطية، والتقدمية.
ومنذ تأسيسها نالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نصيبها من القمع الذي عرفته البلاد خلال هذه الفترة، إذ ضاعفت السلطات من أسلوب مضايقتها لأنشطة الجمعية وحرية التعبير عن آرائها ومواقفها اتجاه وضعية حقوق الإنسان بالبلاد حيث تم منع العديد من أنشطة فروعها، ومنع انعقاد المؤتمر الوطني الثاني للجمعية مرتين في مارس وفي يونيو 1983. كما تم اعتقال العديد من أطر ومنخرطي/ات الجمعية في 1981 و1983 و1984… وتمت محاكمتهم/هن، مما أدى إلى تراجع كبير في أنشطة الجمعية آنذاك، فتوقفت اجتماعات هياكلها الوطنية والفرعية…
وفي خضم الحركية والمد الاجتماعي الذي عرفه المغرب اواخر الثمانينات، وبعد إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين ومن ضمنهم مسؤولي الجمعية، بدأت الترتيبات والخطوات لعقد المؤتمر الوطني الثاني (مؤتمر الانبعاث) الذي انعقد فعلا بتاريخ 11 مارس 1989وشكل انطلاقة جديدة لنشاط الجمعية.
وخلال 40 سنة من تواجدها في الساحة الحقوقية، راكمت الجمعية تجربة غنية، وظلت تضطلع بدور رائد في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها؛ واستطاعت، رغم كل الامتحانات العسيرة والمضايقات، أن تساهم إلى جانب الحركة الحقوقية والديمقراطية، في انتزاع مكاسب حقوقية هامة (إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إصدار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، اعتماد الدولة للأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، دسترة بعض الحقوق والحريات، إعمال عدد من حقوق النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة…، رغم هشاشة هذه المكاسب).
كما استطاعت الجمعية أن توسع تواجدها، وتضم إلى صفوفها آلافا من المواطنين والمواطنات، وأصبحت تغطي بفروعها جل المدن بما مجموعه 91 فرعا، منهم ثلاثة فروع بالخارج؛ وأضحت مصدرا للمعلومة بالنسبة للعديد من الهيئات والمنابر الإعلامية والصحافيين والصحافيات، وملاذا للمواطنين والمواطنات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بكل المدن والقرى… ونفذت العديد من البرامج التكوينية لفائدة شرائح مختلفة من الشعب المغربي: تلاميذ وتلميذات التعليم الابتدائي(في إطار مشروع مشتل) والثانوي الإعدادي والتأهيلي(مشروع بوميثيوس والأندية الحقوقية) وأستاذتهم(مشروع ابن رشد)، وطلبة التعليم العالي(مشروع أمل)، والأساتذة الباحثون(مشروع ماراغا)؛ والمحامون (مشروع مؤازرة)، والإعلاميون (مشروع أفكار حرة)، والفنانون(مشروع مايكل أنجلو)، والمناضلون النقابيون (مشروع تقاطع)…
وانطلاقا من مبدأ كونية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة، اهتمت الجمعية بالوضع الاتفاقي للمغرب من خلال التركيز على: المصادقة على المواثيق الدولية وسموها، وملائمة التشريع المحلي معها. كما فجرت الجمعية أسئلة حول موضوعات ظلت تعتبر من الطابوهات مثل إصدار لائحة للمسؤولين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والعلمانية، والمساواة في الإرث، والمساواة التامة بين النساء والرجال، وقضايا الحريات الفردية كحرية المعتقد وحماية المعطيات الشخصية، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان (لائحة 45 سنة 2001)، والترافع من أجل دستور ديمقراطي يضمن السيادة الشعبية وفصلا حقيقيا للسلط،. كما ساهمت الجمعية في توسيع مفهوم المعتقلين السياسيين ليشمل معتقلي الرأي ومعتقلي الحركات الاحتجاجية، وأولت أهمية لوضعية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان والقضايا المرتبطة بحقوق الشعوب وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وبناء دولته على كامل تراب فلسطين وعاصمتها القدس، بالإضافة إلى الاهتمام بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والبيئية.
واختارت الجمعية، منذ تأسيسها، وعلى مدى أربعين ستة من تواجدها في الساحة الحقوقية والديمقراطية، أن تكون دائما إلى جانب فئات الشعب المغربي المتضررة من السياسات الحكومية واختياراتها؛ فكانت في مقدمة المؤازرين للمعتقلين السياسيين والمطالبين بإطلاق سراحهم، ومنخرطة في كل نضالات الشعب المغربي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان شبابها في قلب احتجاجات 20 فبراير المجيدة، ودعمت احتجاجات المعطلين، وكل فئات الموظفين، والمواطنين المتضررين من مختلف الإجراءات والسياسات العمومية اللاشعبية…
هذه الصيرورة النضالية بنفسها الجماهيري والوحدوي ، جعلت من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحد المكونات الرئيسية للعديد من الشبكات الوطنية ( الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان…)، والإقليمية ( التنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان…) والدولية ( الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة المتوسطية لحقوق الإنسان…). هذا الوضع مكنها من احتلال وضع اقليمي ودولي مكنها من الحصول على الجائزة الإفريقية للمدفعين عن حقوق الانسان، وحصول رئيستها السابقة على جائزة الامم المتحدة لحقوق الانسان. هذه المكانة والتقدير اللذان تحظى بهما الجمعية وسط النسيج الحقوقي جعلاها عرضة للعديد من المضايقات والمحاولات الحثيثة للدولة لخنقها، عبر سلسلة من هجمات السلطة، التي ارتفعت وتيرتها مع تصريحات وزير الداخلية، في 15 يوليوز 2014؛ وما أعقبها من منع للجمعية، بشكل ممنهج، من الولوج إلى القاعات والفضاءات العمومية والخاصة، ومن تنظيم المخيمات ومن إغلاق للمؤسسات التعليمية في وجهها، وحرمان مجموعة من فروعها من وصولات الإيداع ومن المنح والتمويل العمومي، واعتقال وقمع مناضلاتها ومناضليها؛ الأمر الذي أفضى إلى استنزاف جزء مهم من طاقتها في عملية مواجهة وصد الهجوم المخزني عليها، وعلى عدد من مكونات الحركة الحقوقية والديمقراطية الوطنية والدولية.
وبالرغم من كل ذلك استطاعت الجمعية الصمود في مواجهة هذه الحملة المتواصلة، والاستمرار في تنفيذ برامجها، والاضطلاع برسالتها السامية في مجال الحماية، والمناصرة والترافع، بفضل ثبات والتزام مناضليها ومناضلاتها، والتزامهم بقيم ومبادئ الجمعية، العمل التطوعي والميداني، والتضامن المعبر عنه من طرف بعض مكونات النسيج الحقوقي والمدني المغربي، والاحتضان الواسع من قبل المنظمات الدولية ذات المصداقية والشبكات الدولية والإقليمية لمنظمات حقوق الإنسان.
وفي الأخير فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تجدد عزمها الاستمرار في النضال بنفس متجدد وطاقة لا تنضب، وإرادة راسخة في مواجهة كل الصعاب لمواصلة أداء رسالتها الإنسانية النبيلة كيفما كانت الصعاب.
أمضال أمازيغ: كمال الوسطاني