الاباضيون هم أول مذهب إسلامي انتشر بشمال إفريقيا في بداية دخول الإسلام إلى هذه المنطقة، ومنذ انطلاق الفرق الاسلامية المختلفة من خوارج وشيعة وسنة انطلقت الاباضية كمذهب يرفض الخضوع للمذاهب التي يترأسها أئمة من شبه جزيرة العرب والمشرق بصفة عامة مثل مالك، والجو يني، والأشعري، وابن عبد الوهاب، وابن الجوزية، والشافعي، وابن حنبل وأبو حنيفة، وحسن البصري وغيرهم، وتقول بعض الدراسات أن الاباضية نشأت باليمن، واعتنقها السود، ونظموا بها ثورتهم المشهورة لدى الكتاب الذين لا يستحيون من استعمال كلمة العبيد القبيحة، بثورة «العبيد» أو ثورة الزنوج، ولا يخفى أن الأمازيغ أفارقة من مختلف الألوان البشرية ومنهم السود، وهذا مايؤكد الطابع الإفريقي لمذهب الاباضيين الموجود بكثرة في زنجبار وتونس وليبيا والجزائر ولا يوجد في اليمن، ولكن الأصل اليمني لا يستقيم مع الاسم الأمازيغي لهذا المذهب وهو «اباضيين » IBADITES المشتقة من فعل «ايباض» IBADH يعني يحكم، ومنه اسم الحكومة «تانباضت» إلا اذا كانت هذه الكلمة مشتركة بين الأمازيغ وأهل اليمن منذ القديم، وهو موضوع يستحق دراسة من المختصين من علماء تاريخ الكلمات اللغوية La philologie ولا عيب أن تكون الكلمة مشتركة بين الشعوب .
هناك شخص يذكره الكتبة الذين لا يعترفون بحضارة الأمازيغ هو عبد الله ابن أباض ينسبون إليه مذهب الاباضية ويعتبرونه من قبائل جزيرة العرب، ولكنهم لا يفصلون ترجمته ولا يجزمون بمعلومات مفصلة عنه، وهم يحاربون المذهب، ولا يستبعد كذبهم فيما يكتبونه عنه، وأشهر مبادئ الاباضية بشمال افريقيا هي ممارسة العبادات بالأمازيغية، وعدم احتكار الدين بلغة العرب وحدها، وكثرة الأباظيين الآن توجد في شمال افريقيا وهو دليل ملموس على أنها منبثقة منها. وهي متقاربة مع مذهب البورغوطيين في بعض الأمور.
ولفعل «ايباض» بالأمازيغية معان أخرى، مثل: الاستطاعة، فنقول مثلا «ايباض» وتعني «يستطيع»،ونقول «ايباضان» IBADHAN وتعني «الظلم».
ويعرف المغاربة والجزائريون وغيرهم أن سكان منطقة مزاب MZHAB بالجزائر تحمل نفس الاسم الذي تحمله قبيلة مغربية مشهورة بسهل الشاوية، وهي قبيلة تعرف بالتحرر، وبالانفتاح الديني وقوة الرجال وجمال النساء.. وقبيلة ايكورارن IGURAREN، التي ينطقها الدارجيون كورارة GOURRARA موجودة بنواحي وجدة وبركان، تحمل نفس الاسم الذي تحمله مدينة كورارة التي انفجرت فيها الحرب المذهبية هذه الأيام في جنوب الجزائر، وتوجد آثار مهمة في تاريخ شمال افريقيا مثل الدولة الرستمية التي حكمت شمال افريقيا بعد سقوط حكم الملكة تهيا (دهيا).
ولا نحتاج إلى التأكيد أن الاباضية كمذهب إسلامي لا تزال موجودة في ليبيا وتونس والجزائر، ومزاب كأناس، وبشر، وسكان، موجودين في المغرب والجزائر، وأنها لا تزال هي المذهب الخاص بالأمازيغ يحتفظون به مثلا في مزاب، زواره، ونفوسة، وجربه بتونس والجريد، والصحراء الإفريقية، وميزتها السياسية هي أنها لا تعترف بتأسيس نظرية الحكم على شرف قبيلة قريش (الأشراف) مثل ما يعتقده بعض الشيعة، بل تؤسس الحكم على المساواة بين الناس، وتعرض الاباضيون لحملات القتل عبر تاريخ الإسلام في شمال إفريقيا، وتم سفك دماء فقهائهم، والتجأوا إلى السكن بالصحراء والجبال هربا من الظلم. والتزموا السرية في الدين ولذلك لا توجد كتبهم في الأسواق ولا يدرس فقههم في مدارس شمال إفريقيا، سوى ما كان مسموحا به في جامعة الزيتونة بتونس قبل إغلاقها من طرف الحكم الفردي. وذلك لأن تونس كانت معقلا لفقهاء الاباضية عندما كان الأباظيون حكاما لمناطق كثيرة في شمال إفريقيا مثل تونس وتافيلالت أو سجلماسة التي كانت تعني جغرافيا كل صحراء الجنوب الشرقي للمغرب المنقسمة حاليا بين المغرب والجزائر (تيندوف والريصاني والراشدية وسوس وكلمبشار والساورة والداورة…).
وبسبب ثورات 2011 في ليبيا وتونس برزت المطالب الاباضية لدى أهل هذا المذهب ضد وحدة المذهب السني التي تتبناها الديكتاتوريات القائمة وتدعمها السعودية وبعض أثرياء دول الخليج، وبقية عائلات الأتراك الحاكمة في الجزائر، وتصرف دول المذهب الوهابي في مناطق الاباضية الأموال لفرض طقوس السعودية وأتباعها في العبادات بتمويل الأئمة وصرف أموال الحج والعمرة على فقراء الاباضية في ليبيا خاصة… ويستثمر المغرب في مادة تكوين أئمة السنة بالمئات استعدادا لنشرهم ضد المخالفين لمذهب المخزن..
ولا شك أن سنة 2011 انطلقت فيها الحرب المذهبية بين السنة والشيعة والاباضية وهي سبب كبير لتوقف صدور دستور ليبيا وظهور دولة داعش وهجوم الجيش الجزائري على مدن الاباضية مثل غردايا وكورارة وحرب السعودية وحلفائها ضد الشيعة في اليمن.
وختاما فان الحرب التي تجري ضد الاباضية في الجزائر (غردايا وكورارا..) وليبيا، تؤطرها دساتير وحدة المذهب، ومنها دستور المغرب الحالي، وكذلك دستور الجزائر التي تقاتل مواطنين لا يعترف دستورها بمذهبهم ولا بثقافتهم، ونفس الحالة توجد بدستور تونس، ومن المتوقع أن تنتقل حرب وحدة المذهب من اليمن والعراق وسوريا إلى شمال إفريقيا كلها بسبب تبعية الحكام لمذهب السعودية، ومنها الخلايا الإرهابية التي تكتشف بين الفينة والأخرى، وهجرة المجاهدين الأفارقة إلى القتال بالشرق الأوسط. وعلى الشعوب أن ينتبهوا إلى خطورة دساتير وقوانين وحدة المذهب، وما تنذر به من صراعات عنصرية تمس بحرية العقيدة، والحذر من وسائل الإعلام التي تروج بأن ما وقع في غردايا وكورارا بالجزائر هو حرب عنصرية بين عرب بني هلال المسمون «الشعانبة» (لاحظوا أن تونس بدأها التخريب والحرب بعد سنة 2011 من جبال الشعانبة) وبين الأمازيغ بمنطقة مزاب بينما الحقيقة هي أنها جزء من حرب التحالفات المذهبية بين العلويين في سوريا وحزب الله في لبنان، والسعوديين مع الشيعة في اليمن ودولة عسكر مصر مع حماس والإخوان المسلمين.. وتخوض الجزائر الحرب الاستباقية مع الاباضيين الذين فرضوا حكم مجالس المدن في ليبيا منذ سنة 2011 وهي تعرف أن الاباضيين بالجزائر هم نموذج صلب «لحكم المدن» أما الشعانبة فهم بؤساء يتيهون في الصحراء كما تاهوا مهاجرين مع قومهم بني هلال (عرب زغبه الذين ينسب إليهم المغاربة كلمة الزغبي التي تطلق في الدارجة على البئيس) ولا يحكمون الجزائر الذي تحكمه الارستقراطية المتبقية من الأتراك ومن المفر نسين.. ونخبة العسكريين القوميين العرب.. وهم وراء كل المناورات.