جاير الحنفي، فنان أمازيغي خرج من رحم المعاناة التي يكابدها الأمازيغ في القرى والمداشير المهمشة، ليرسم لنفسه طريقا فريدا وخاصا به في مجال الفن العصري التقليدي، واستطاع أن يمزج بين إيقاعات الثرات الفلكلوري التقليدي مع الألات الموسيقية الجديدة العصرية، أي بين ما هو تراثي تقليدي وما هو عصري غربي، قصة الحنفي لا تختلف كثيرا عن قصص عدد كبير من الفنانين الأمازيغ، إذ غادر بيت أهله في سن لا يتجاوز الـ11 سنة، واشتغل في ملهى ليلي بمراكش، قبل أن يتنقل بين مدن مراكش أكادير والدار البيضاء وهو لا يزال طفلا يافعا، ورغم أن ظروفه لم تسعفه في إتمام دراسته إلا أنه استطاع أن يتعلم فن الموسيقى في مدرسة الحياة، جريدة «العالم الأمازيغي» نبشت في حياة ومستقبل الحنفي وأجرت معه الحوار التالي.
ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻫﻞ ﻣﻦ ﻭﺭﻗﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ؟ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ الحنفي؟
الحنفي جاير ازددت سنة 1993 ببلدة إكدي الاطلس الصغير بتارودانت، من أب روحي في فن أحواش، وكان والدي يترأس مجموعة من الفرق التراثية الفلكلورية الخاصة بفن أحواش، ترعرعت في مدينة أكادير، ولم تسعفني الظروف لإتمام دراستي فغادرتها في السنوات الابتدائية.
ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃﺕ ﻣﺴﺎﺭﻙ ﺍﻟﻤﻬﻨﻲ؟
كان لي شرف التعرف على مجموعة من الأصدقاء، خصوصا الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في أحد مقاهي مراكش «ملهى ليلي» حيت كنت أشتغل وفي نفس الوقت أتعلم فيها فن الموسيقي، وساهم احتكاكي بمجموعة من الفنانين الذين كانوا يحيون السهرات الليلية هنا في صقل موهبتي، زد على ذلك الاجتماعات التي كانت تجمعني بعدد كبير منهم، كانت بالنسبة لي هي المدرسة التي علمتني الشيء الكثير، ومنها انطلقت، ولا تفوتني هذه الفرصة لكي أشكر كل الأصدقاء الذين اشتغلت معهم ووقفوا بجانبي طوال تلك الفترة، وبعد مدة غادرت مراكش عائدا إلى أكادير والتقيت بمجموعة «رباب فيزيون» واشتغلت معهم لمدة سنتين.
هنا غادرت «رباب فيزيون» وأسست مجموعة خاصة بك، ﻣﺎﻫﻲ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺮﺿﺖ ﻃﺮﻳﻘﻚ ﺍﻟﻔﻨﻲ قبل وأثناء وبعد تأسيس مجموعتك؟
الصعوبات حدث ولا حرج، وقبل أن تعترض طريقي الفني، اعترضت طريقي في الحياة، فليس من السهل أن تغادر بيت أهلك وأنت لم تتجاوز بعد سن الحادية عشر، هذا ليس بالسهل، أضف إلى ذلك عدم اهتمام والدي بحياتي أنداك، على أي الصعوبات لا بد منها وهي سنة الحياة، ولا يوجد أحد ازداد متعلما، وبالعودة إلى الشق الأول من سؤالك، في هذه الفترة فكرت في تأسيس مجموعة تهتم بفن أحواش، ارتأيت أن أطلق عليها اسم «أحواش ديفيزيون»، خلال تلك الفترة كانت الأمور تسير بشكل جيد وأحسن، لكن بعد مرور مدة قصيرة وجدت نفسي عاطلا عن العمل، لأنه كما تعلمون فرص العمل في أكادير ضئيلة للغاية، وهنا فكرت في العودة إلى الدار البيضاء للبحث عن آفاق جديدة.
لكن كيف جاءتك فكرة تأسيس مجموعة تهتم بهذا الشكل من الفن؟ ولماذا اخترت بالضبط هذا النوع الذي يمزج بين العصري والتقليدي؟
أسست مجموعة منذ سنة 2011 واستمرت الى غاية 2015، لكن مع الأسف الشديد لم تنجح لأسباب عديدة، أبرزها العطالة وغياب فرص للعمل والتسويق، الآن أفكر في تأسيس مشروع آخر اسمه «دجنافير» ومتأكد بأن هذا المشروع سيقول كلمته في المستقبل، بسبب تواجد أصدقاء متخصصين ومتمكنين وكنت أحلم بالاشتغال إلى جانبهم، كالصديق سفيان كاكا، ابن الدار البيضاء دي الأصول النفزاوبة، له تجربة كبيرة في مجال الفن واشتغل مع فنانين ومجموعات موسيقية كبيرة في المغرب وخارجه، كذلك الصديق سيمو بابارا والصديق دافيد غسان، وهؤلاء جميعهم فنانين متمكنين وذووا تجربة غنية في هذا المجال بالإضافة الى مجموعة من الأصدقاء الآخرين، زد عليهم الملحن الكبير في المغرب، ألا وهو الفنان حميد الدوسي، والآن نشتغل على أول ألبوم أتمنى أن يخرج في نهاية نوفمبر المقبل، أما بخصوص اختيار هذا النوع من الفن، أقول لك بأنه هو من اختارني بحكم أني نشأت وسط جو أسري كله فن وثرات أحواش، ومنذ صغري اكتشفت بأن هناك روحانية تجذبني إلى ماهو أصيل وعصري في ذات الوقت، وبالفطرة وجدت نفسي أميل وأحب هذا النوع من الموسيقى، وهنا استطعت أن أمزج بين إيقاعات التراث الفلكلوري التقليدي مع آلات موسيقية جديدة عصرية، أي منها ما هو تراثي تقليدي إلى ما هو عصري غربي.
ﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺭﻙ ﻭﺣﻴﺎﺗﻚ ﺍﻟﻤﻬﻨﻴﺔ؟
الفنان عالي فايق هو أكثر الفنانين تأثيرا، وكان لي بمثابة تحقيق لحلم راودني كثيرا عندما التقيته في الواقع، بل واشتغلت إلى جانبه وكان لي الشرف أن أقدم أول عرض بدعوة منه في أكادير عام 2014، أيضا الفنان عصام كمال أنا معجب جدا بأعماله ويحمل رسالة نبيلة في الفن، لأنه أعطى الشيئ الكثير وشارك في عدد من الحفلات الخيرية والأعمال الجمعوية التي حضرت فيها، أيضا المرحوم عبد الكبير شوهاد مؤسس مجموعة أرشاش، مع الأسف توفي سنة 2006 وتناساه الجميع، وكذا الفنان العالمي بوب مارلي وآخرون.
ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﺨﺘﺰﻧﺔ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻴﺔ الحنفي؟
أهدافي أن تكون لي رسالة نبيلة عبر الفن، وأحاول أن تصل رسالتي بالأمازيغية إلى قلوب الناس وأرسم البسمة في وجوههم، وسأحاول أن أنضم حفلات خيرية أو أشارك فيها، لأن الفن هذه هي غايته الأصلية، كما سأحاول أن أنقل تجربي للأجيال الصاعدة المهتمة، وسأحاول أن أسوق فن أحواش وما يزخر به لكن بطريقتي.
ﻫﻞ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺁﺧﺮ ﺃﺧﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ؟ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﻓﻲ ﺟﻌﺒﺘﻚ ﻟﻘﺎﺩﻡ ﺍﻷﻳﺎﻡ؟
منكب صباح مساء في الإعداد لمشروع سيجمعني بمجموعة بنات أحواش، وأيضا أستعد لجولة فنية بعدد من المدن المغربية ابتداء من شهر أبريل القادم، بالإضافة كما قلت لكم الاستعداد لإخراج الألبوم الأول مع نهاية السنة.
ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻲ؟
الفنان الأمازيغي من الفنانين الذين يشتغلون ويبدعون ويبحتون عن الجديد دائما، لكن مع الأسف لا نرى أعمالهم إلا خارج المغرب، زد على ذلك التشرذم والتفرقة التي يعيش فيها الفنانون الأمازيغ، لا يجتمعون فيما بينهم ولا يلتقون للحديث عن مشاكلهم ومناقشة قضاياهم، هم غالبا لا يجتمعون إلا عندما يتوفى أحدهم ويحضرون في جنازته. أتمنى أن تتغير هذه العقلية وأن يفكر الفنان الأمازيغي فيما يخدم قضيته لا ما يسيئ إليها.
ﺃﻳﻦ الحنفي ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻴﺔ؟
القضية الأمازيغية قضيتي، وأفتخر بثقافتي وأصلي الأمازيغي، ومن لم يعجبه الحال فليضرب رأسه عرض الحائط، القضية الأمازيغية لها شعبها ولها متخصصين فيها، ما أؤكده لك هو أنني لم آخد الأمازيغية لخدمة أهداف شخصية، لأن هذا يسمى التجارة بالقضية، كما يفعله عدد من الفنانين دون ذكر أسمائهم. والمجموعة التي أحترمها لأنها تمكنت من إيصال رسائلها هي مجموعة صاغرو باند التي أسسها المرحوم مبارك أولعربي، وبالمناسبة لا تفوتني الفرصة لأترحم على روح الطالب الأمازيغي المغتال في مراكش عمر خالق.
هل يمكن أن يلعب الفن دورا بارزا في خدمة القضية الأمازيغية؟
بالتأكيد يستطيع ذلك، لأن الفنان بمقداره أن يبعث برسائله عبر الفن، وبإمكان هذه الرسائل أن تصل الى عمق المجتمع أكثر من خطابات البرلمانين والسياسيين عموما، لكن شخصيا كما قلت لا أتفق مع البعض منهم ممن يرى في القضية طريقا للاغتناء.
قبل أن أطرح سؤالي الأخير.. لماذا قررت الرحيل عن المدينة التي ترعرعت فيها والإغتراب في غياهب مدينة الدار البيضاء ؟
عليكم بطرح هذا السؤال على المسؤولين على مدينة أكادير، وعن المسؤولين عن جهة سوس عموما، لأنهم لو وفروا لنا الأجواء الملائمة للعمل في المدينة لمّا قررت الرحيل والإغتراب في الدار البيضاء، أضف إلى ذلك سيطرة مجموعة من الدخلاء في مجال الفن على المهرجانات واللقاءات الفنية التي تنظم بمدينة أكادير، عكس مدينة الدار البيضاء مثلا.
ﺳﺆﺍﻟﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ.. ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺗﻨﺼﺢ ﺍﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻎ ﺍﻟﺼﺎﻋﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻔﻦ ﺑﺄﺷﻜﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ؟
نصيحتي هي التضحية، فبدون التضحية لا يمكن لأحد أن يصل إلى مبتغاه، عليهم بالمشاركة في التداريب والمهرجانات، وأن يشاركوا في الأعمال الخيرية والإجتماعية، وأن يضحوا كثيرا بوقتهم وحياتهم الشخصية، وأن يحتكوا بالفنانين والمهتمين وأن لا يبالوا كثيرا للصعوبات التي تعترض طريقهم، حينها فقط سيحققون كل ما يسعون إلى تحقيقه في حياتهم.
ﺗﻨﻤﺮﺕ ﻟﻚ، ﻭﻟﻚ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺇﻳﺼﺎﻟﻪ ﻟﻠﻘﺮﺍء ﻋﺒﺮ ﻣﻨﺒﺮ «ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﻣﺎﺯﻳﻐﻲ»؟
شكرا لكم، شكرا لجريدة العالم الأمازيغي التي أعتبرها مدرسة ملتزمة في خدمة الأمازيغية والأمازيغ، كما أود أن أشكر جميع المهتمين والمتابعين والمعتزين بثقافتهم وهويتهم الأمازيغية.
حاوره: منتصر إثري