الديبلوماسية الأمازيغية

امحمد القاضي
بقلم: امحمد القاضي، رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

حبا الله المغرب بموقع وتاريخ وثقافة متفردة. إذ أن موقعه الجغرافي “شوكة” بلغة سماسرة العقار، جعل منه دولة تتوفر فيها جميع الشروط لتلعب دورا متميزا إقليميا ودوليا. فموقعه كبوابة إفريقيا على أوروبا، والجناح الغربي لدول شمال إفريقيا، وإمتدادا للعالم العربي والعمق الإسلامي.

فتاريخيا، شكل المغاربة على الدوام الإستثناء، فإنتفاضتهم على أمراء بني أمية بعد أن عاثوا فيهم سبيا وغنائم، وقيادتهم لفتح الأندلس على يد طارق بن زياد، وحصارهم لغزو العثمانيين شرقا، وتوغلهم تجاريا في إفريقيا جنوب الصحراء في عهد المرابطين شكل إستثناءا تاريخيا.

المغرب كان على الدوام دولة إستقطاب وعبور وإنطلاقة للهجرة، مما جعل من أهله أناس كرماء، مضيافين ويتعايشون مع الأجنبي في سلام.

إلا أن أهم الأحداث التي طبعت المغرب في العشرينية الأخيرة، وشكلت ثورة هادئة، هي ما شهدته الساحة من إنفراج على عدة أصعدة. فلجنة الإنصاف والمصالحة شكلت قطيعة مع سنوات الرصاص والإنتهاكات الجسيمة في حقوق الإنسان، وشكل خطاب أجدير سنة 2001 تصورا جديدا للهوية المغربية، وجاء تعديل مدونة الأسرة سنة 2004 ليوسع الحقوق المدنية للمرأة المغربية، تم دستور 2011 الذي يعتبر صونا للحقوق، وأخيرا إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية بالمملكة.

نجحت كل هذه المبادرات في ترسيخ تلاحم الأمة المغربية، لأنها تنطلق من الذات وترمي للتصالح مع الهوية الوطنية المتجدرة في دماء المغاربة. وفشلت كل المحاولات لتعميق المد القومي العربي المنهزم ببلادنا، وهاهو المد السلفي الإخواني المشرقي يصطدم بجدار الإسلام المعتدل المغربي، خاصة بجهة سوس، وتتساقط أوراقه كورق الثوث يوما بعد يوم. فعلى سبيل المثال، البرقع واللباس الأفغاني، وتسمية الفقهاء بالشيوخ، والألقاب الجهادية الذكورية “كأبو عمار” لم تجد حقلا خصبا تسرب فيه أفكارها المسمومة للساكنة بجبال الأطلس، سوى لذى القلة القليلة ذوي القلوب الضعيفة. جبال الأطلس ستظل على الدوام صخور تنكسر عليها النوايا الخبيثة للدخلاء.

كل الأحداث السالفة الذكر تم التسويق لها في المحافل الدولية، بإعتبارها تقدم عرفته الساحة السياسية والحقوقية الوطنية. إلا أن الإحتفال بإيض ن يناير، وإقرار السنة عيد وطني حدث لم يتم الترويج له في أبعاده ودلالاته كسفير للوطنية والثقافة الأمازيغية المتجدرة والتي تشكل إحدى خصوصية المغرب. خاصة أن رمزية الحدث في الإحتفال بالطبيعة وبعده البيئي والحفاظ على الموارد الطبيعية، في زمن الجفاف وشح الموارد المائية والإستغلال الشرس للطبيعية، مبادئ تتغنى بها كل المنظمات الدولية. إيض ن يناير نداء للإنسانية لتصحيح التبدير الغير معقلن لما تجود به الطبيعة، وخاصة الموارد المائية التي تسائل العالم حول وسائل تدبير الندرة.
إيض ن يناير أكبر من نغمات ورقص أحواش والأكلات التقليدية. كما قال أحد الزملاء صادقا، الإقتصار على الجانب الفولكلوري للحدث: ” قتل مع سبق الإصرار لرمزية إيض ن يناير”. إنه فرصة للتصالح مع الطبيعة، ومناسبة للتسويق للتعدد الثقافي المغربي، والتنوع العرقي والتعايش بين عدة مكونات للهوية الوطنية. القضية الأمازيغية، قضية دواتنا الجماعية، وكنز يتوفر عليه المغرب لم نستغله بعد في السلك الديبلوماسي ودواليب القرارات العالمية والمحافل الدولية والعلاقات الخارجية للترويج للمغرب كوجهة إستثمارية بمناطق جبال الأطلس. زلزال الأطلس عرى على الهشاشة والتهميش الذي تعيشه ساكنة صناع الفرجة، وأحواش، بينما تعيش ساكنة الحواضر من عائدات السياحة الثقافية والفولكلورية. أعالي جبال الأطلس تنتظر إنتعاش السياحة الجبلية وتقوية البنى التحتية والولوجية ونماء إقتصادي ودفعة تنموية قوية لتدارك الخصاص والإهمال الذي دام لعقود.

حضور الإرادة العليا في التنزيل المتدرج لملف الأمازيغية يجب أن توازيه إرادة سياسية حقيقية تترجمها ميدانيا وتنمويا المجالس المنتخبة والجهات المسؤولة محليا وإقليميا، والمؤسسات الوصية.

المغرب عرف كيف يوظف الديبلوماسية السياسية، والحقوقية، والثقافية، ومؤخرا الرياضية، فلما لا يوظف ورقة الديبلوماسية الأمازيغية لتصبح سفيرة المغرب للنويا الحسنة فوق العادة لتحصل نهضة حقيقية بأعالي الجبال.

إلى ذلك الحين لكم أجمل تحية أينما كنتم.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *