أجرأة ترسيم الأمازيغية يجب أن يبقى بعيدا عن المنافسات الضيقة الأفق
مرت سنتان على ترسيم الأمازيغية، ولكن ظلت حبيسة الفصل 5 من الدستور .ما هو تفسيركم لهذه الوضعية؟
هناك نوع من التأخر في بلورة المضامين المتقدمة للدستور، لأسباب موضوعية وذاتية، والمسألة لا تهم فقط أجرأة ترسيم الأمازيغية وما يهمهنا، هو أن الحكومة قد وضعت مخططا تشريعيا، تمت إحالته على البرلمان، يتضمن جملة من القوانين التنظيمية، ومن بينها القانون المتعلق بالأمازيغية، والذي يتبوأ مكانته ضمن الأولويات المسطرة في هذا المجال.
لكن وجب الانتباه إلى أن هذه القوانين التنظيمية هي قوانين مؤسسة، وبالتالي فإن إخراجها إلى حيز التطبيق يجب ألا يكون شأنا حكوميا صرفا، لأنه أمر يهم الجميع، مما يستتبع، بالضرورة، تعبئة كافة فعاليات المجتمع المعنية، السياسية منها وغير السياسية، لبلورة اجماع حول هذه القضية الوطنية الجوهرية، اجماع قائم على إعمال مقاربة شمولية، تشاورية وتشاركية، وتتويج ذلك بنصوص تنظيمية قوية تحظى بالتوافق الوطني اللازم المطلق كما هو الشأن بالنسبة لدستور 2011
وإلى حين ذلك، لا يمكن لأي مراقب موضوعي ونزيه إلا أن يسجل بأن الامازيغية قد قطعت أشواط مهمة على درب التحضير التدريجي لأجرأة المقتضى الدستوري بترسيمها .فالأمازيغية صارت تأخذ مكانها تدريجيا في الفضاءات العامة، من خلال، على سبيل المثال، الهويات البصرية التي يتزايد انتشارها، خاصة بواجهات المؤسسات الرسمية، والأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، والأوراق الرسمية، وبطاقات الزيارة، والشهادات التعليمية، ومنها شهادة الباكالوريا، بحيث أصبحنا، فعلا، أمام بداية إشاعة حرف” تيفيناغ” في الحياة العامة، حتى أضحى غير المألوف ولا الطبيعي هو عدم اعتماد هذا الحرف هنا او هناك .وهذا أمر مهم للغاية، كان ضمن مطالب المدافعين عن انصاف الأمازيغية، بتبويئها المكانة اللائقة بها كمكون أساسي من مكونات الهوية الثقافية المغربية، ومن بينهم حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان، كما تعلمون، من السباقين إلى رفع لواء الانتصار لهذه القضية الوطنية الجوهرية.
ولعلكم التقطتم، في هذا الباب، الدلالة الرمزية لكون الدكتور الحسين الوردي، وزير الصحة وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ،هو أول وزير يجيب عن سؤال شفوي داخل البرلمان بالأمازيغية) الريفية).
بماذا تفسرون أنه في الوقت الذي من المفروض فيه أن تذهب كل الأطياف السياسية إلى تقديم مشاريع قوانين ومقترحات قوانين لتفعيل وأجرأة ترسيم الأمازيغية، نصادف فريق العدالة والتنمية يضع مقترح قانون لحماية اللغة العربية .هل فعلا اللغة العربية محتاجة إلى حماية؟
ليس لي أن أعلق على عمل الفرق البرلمانية، ولكن أود أن أشدد، كأمين عام لحزب التقدم والاشتراكية، على أن حزبنا سيدلي بدلوه في الموضوع في إطار التحالف الحكومي، باعتباره مشاركا في الحكومة، مع اقتناع راسخ بضرورة تفادي التنافس في طرح المشاريع والمقترحات الأحادية فيما يتصل بأجرأة ترسيم الامازيغية، لأن هذه المسألة يجب أن تبقى في منأى عن المنافسة ضيقة الأفق، ويجب التعامل معها من منطلق هاجس حماية التعدد اللغوي في البلاد، ومقاربة اللغتين الرسميتين على قدم المساواة، مع مراعاة، طبعا، ما لا مناص من مراعاته من تدرج في إطار شمولي، تشاركي وتشاوري.
كنتم على رأس وزارة الاتصال وفي عهدكم تم إدراج الأمازيغية لأول مرة في دفاتر تحملات القطب العمومي، وفي عهدكم كذلك تم وضع اللبنات الأساسية لإرساء قناة الأمازيغية. هل أنتم راضون على وضعية الأمازيغية في الاعلام.؟
كنا، في هذا المجال، قد حرصنا على أن نشتغل، بجد ومثابرة، مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، من أجل التأسيس للإعلام السمعي البصري الناطق بالأمازيغية، مراهنين، بالخصوص، على” الحضور أولا، والجودةثانيا“ وتأتى لنا، بفضل ذلك، أن نشهد، لاحقا، انطلاق القناة الامازيغية، فيعهد الحكومة السابقة، لما كان حزب التقدم والاشتراكية يتحمل حقيبة وزارة الاتصال، في شخص عضو ديوانه السياسي، الأستاذ خالد الناصري.
واليوم– وقد قطعت الأمازيغية أشواطا مهمة للغاية، ومن مؤشراته، فضلا عما سبق، إطلاق البوابة الامازيغية ضمن الخدمات الاعلامية التي تقدمها وكالة المغرب العربي للأنباء-.. اليوم يجدر أن نشدد على الشق الثاني من الشعار آنف الذكر، أي “الجودة”، حيث يتعين، بعد ضمان الحضور الأساسي، مواصلة العمل ليس فحسب من أجل تقوية هذا الحضور في جميع القنوات التلفزية المتوفرة، مع تجنب أي “غيتوهات” من أي نوعكان، ولكن كذلك من أجل تجويد المنتوج أكثر فاكثر …
الكثيرون يقولون بأن هناك أزمة في الحكومة، وتوجت بالفعل هذه الأزمة بانسحاب حزب الاستقلال من هذه الحكومة. ماهي تداعيات هذا الانسحاب، وأين تتجلى هذه الأزمة بالضبط؟
لابد من التدقيق، أولا، بأن الأمر لا يتعلق بانسحاب لحزب الاستقلال من الحكومة، وإنما بقرار انسحاب” موقوف التنفيذ“، اتخذه المجلس الوطني لهذا الحزب .. فالانسحاب الفعلي له مسطرة دستورية واضحة، والقرار المذكور، الذي تم الإعلان عنه منذ أزيد من شهر، سار في منحى مغاير.
بطبيعة الحال، القرار الصادر عن القيادة الجديدة لحزب الاستقلال هو، في حد ذاته، قرار سيادي لهذا الحزب، الذي عليه ان يتحمل مسؤولية تبعاته وتداعياته وانعكاساته، علما بأنه قرار لم يأت، خلافا لما ورد في السؤال، تتويج الأزمة في الحكومة، لأن هكذا أزمة لا وجود لها أصلا، حيث لم يقدم أي وزير استقالته ولا تم تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة، والحكومة بكامل أعضائها تواصل الاشتغال بشكل عاد، في ظل علاقات ودية وطيبة بين جميع الوزراء، وفي إطار الصلاحيات المخولة لها، أي أنها أبعد من أنتكون حكومة تصريف أعمال كما يحاول البعض أن يروج لذلك.
لكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام، فما يمكن أن يعاب على الحكومة، ونحن جزء منها، أن أداءها، وهذا ما نبهنا إليه مرارا وتكرارا، يعتريه نوع من التأخر في بلورة مشاريع الاصلاحات الأساسية، والبطء في وتيرة تفعيل المضامين المتقدمة للدستور الجديد، وإنجاز الأوراش الكبرى المفتوحة أو المبرمجة .وهذا ما يملي، بالضرورة، كما دأبنا على الدعوة إلى ذلك بإلحاح، تسريع وتيرة العمل الحكومي على مختلف الأصعدة.
في المقابل، وهنا تكمن المفارقة، خيمت على سماء الأغلبية الحكومية ما يمكن اعتباره فعلا أزمة، تمثلت في عدم التماسك وغياب حد أدنى من الانسجام بين بعض مكوناتها، وظهرت على شكل صراعات تظل، في المحصلة النهائية، هامشية وسياسوية ومعيقة للعمل الحكومي الجاد والمجدي، وبالتالي لمسار الاصلاح، مع ما يتولد عن ذلك من تأثيرات سلبية على البلاد، التي تواجه تحديات كبرى، وتجتاز أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة.
قمتم بمبادرة للتقريب بين شباط وبنكيران، وفشلتم، لمن تحملون مسؤولية هذا الفشل؟
قمنا بتلك المساعي الحميدة من منطلق الحرص على ضمان حد أدنى من تماسك الأغلبية الحكومية، كشرط لازم لضمان فعالية الحكومة. وكانت النتائج الأولية لهذا” الخيط الأبيض” إيجابية ومبشرة، حيث استأنفت الأغلبية اجتماعاتها، وتم الاتفاق على جملة من الأمور الهامة، وبدا وكأنسفينة هذه الأغلبية تسير في الاتجاه السليم، لولا أن رياحا أخرى هبت على نحو آثرنا معه عدم الانسياق وراء الحملات متدنية المستوى، التي استهدفت حزبنا، كمؤسسة ومسؤولين قياديين، وذلك لاقتناعنا الراسخ بأن اللجوء إلى السب والقذف والافتراءات وإثارة الضجيج إنما هي أسلحة ضعاف الحجة ممن تعوزهم القدرة على رفع مستوى النقاش، ويجدون راحتهم في العبث السياسي والتنافس الحزبي الضيق.
ونحن، في حزب التقدم والاشتراكية، الذي يخلد في غضون السنة الجارية الذكرى 70 لتأسيسه، نربأ بأنفسنا أن ننجر إلى درك السياسة السياسوية والحسابات الانتخابوية، ونأبى إلا أن نظل أوفياء لتاريخنا ومسارنا ورصيدنا النضالي، متحملين، على الدوام، كامل المسؤولية عن اختياراتنا الصعبة، التي لا نتردد في اختيارها متى اقتنعنا بأنها في خدمة قضايا الوطن والشعب، حتى ولو اضطررنا في ذلك للسباحة ضد التيار، ولعل مواقفنا المبكرة والمتقدمة من قضية الثقافة واللغة الأمازيغيتين خير دليل على ذلك.
بماذا تفسرون الجهود المبذولة من طرف المغرب في محاربة دور الصفيح، ومع ذلك نرى هذا المشكل يتفاقم يوما بعد يوم؟
للموضوعية والانصاف، لابد من طرح هذا الموضوع وفق مقاربة نسبية، ذلك أن البرنامج الوطني” مدن بدون صفيح” حقق نتائج مهمة، رغم الاختلالات والنقائص التي يمكن تسجيلها، حيث تحسنت ظروف معيشة أزيد من 210 ألف أسرة، أي ما يقارب 60% من الأسر المعنية بالبرنامج، بالرغم من الاكراهات التي تعترض بلورة المشاريع السكنية الموجهة لهذا البرنامج، من صعوبة تعبئة العقار، الناتجة عن ندرته، ومشكلة الأسر المركبة والإضافية، وصعوبة التزام الشركاء بالتمويل …الخ.
وقد استطاعت الحكومة الحالية، خلال هذه المدة من انتدابها، إعلان 7 مدن بدون صفيح إلى حدود اليوم، فيما سيتم الإعلان عن 13 مدينة أخرى خلال نهاية السنة الجارية وبداية السنة المقبلة، علما بأن الأمر يهم أزيد من 34 ألف أسرة .يضاف إلى ذلك أنه تم تحسين ظروف عيش أكثر من33 ألف أسرة ما بين يوليوز 2011 ومارس2013 ، وتوقيع 8 اتفاقيات تهم ما يزيد عن 14 ألف أسرة قاطنة بسكن مهدد بالانهيار بكلفة 809مليون درهم، علاوة على 32 اتفاقية تمويل في إطار التأهيل الحضري، وتهم ما يزيد عن 136 ألف أسرة، بكلفة اجمالية قدرها 1.23 مليار درهم.
والمقاربة الجديدة المعتمدة حاليا تدمج برنامج مدن بدون صفيح وبرامج التأهيل الحضري وإعادة الهيكلة في إطار توجهات سياسة المدينة. وإلى حدود اليوم، تم الاعلان عن 23 مشروع جديد، كدفعة أولى، بكلفة مالية تقارب 9 مليار درهم، على أن يتم خلال الأسابيع المقبلة التعاقد بشأن 20 مشروع جديد.
صحيح أن تقدم البرنامج يختلف من مدينة إلى أخرى، حسب حجم الأحياء العشوائية وكثافتها السكانية، إلا أن نجاح هذا البرنامج في أية مدينة يكونله انعكاس ايجابي على تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين في ربوع المملكة كافة، بما في ذلك حتى المدن الكبرى، من قبيل مدينة الدارالبيضاء التي تم فيها القضاء نهائيا على أقدم أحياء الصفيح، ويتعلق الامر بكل من حي باشكو، السكويلة، وطوما الذي قطع فيه البرنامج أشواط مهمة.
كما نؤكد دائما، فيإ طار مقاربتنا التشاركية، على أن نجاح البرنامج الوطني مدن بدون صفيح“، رهين بتعزيز دور المنظومة المحلية وتقوية الحكامة، من خلال الاستحقاق والشفافية وتوجيه البرنامج نحو أهدافه الاجتماعية المحضة . وهذا، بالذات، ما نحرص عليه في الوزارة.
ولابأس، في هذا الصدد، من التذكير بأشغال الندوة الدولية التي احتضنتهابلادنا، قبل بضعة أشهر، حول موضوع “القضاء على مدن الصفيح: تحدي دولي لسنة 2020″، والتي كانت مناسبة للتعريف بالتجربة المغربية في مجال محاربة السكن غير اللائق، ولها دلالة رمزية باعتراف منظمة دوليةبالخبرة والتجربة المغربيتين في ميدان السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق
ما محل القرية في سياسة وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة؟
قبل أن أجيب على هذا السؤال، أود القول بأن القرية في قلبي كمواطن قبل الوزير .وأعتقد بأن هذا إحساس مشترك لدى جميع المغاربة.
هنا، وتحديدا بخصوص ما سبق وأثاره البعض عن التسمية الجديدة لهذه الوزارة “وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة “في هيكلة الحكومة الجديدة، يجب أن أؤكد، بداية، على أن هذا لا يشكل أي تراجع صريح أوضمني عن أولويات هذه الوزارة واهتمامها بالعالم القروي. كما أؤكد حرص الحكومة على مواكبة دينامية التنمية السريعة التي تعرفها البادية المغربية والمناطق الجبلية على الخصوص، وذلك عبر دعم وتقوية تنافسية هذه المناطق وتأهيل اقتصاداتها والمحافظة على مؤهلاتها الايكولوجية. ومن الاجراءات العملية المتخذة في هذا الشأن الرفع من ميزانية صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية إلى 1.5 مليار درهم لتمويل مشاريع مندمجة مبنية على مقاربة تشاركية وتعاقدية، وتفعيل56 مشروعا ترابيا برمجت سابقا بمساهمة صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية بنحو 267 مليون درهم، ونصف المشاريع المبلورة همت المناطق الجبلية. كما تم التعاقد بشأن 93 مشروعا، كدفعة أولى، من أصل 415 من المشاريع الترابية المنتقاة عن طريق مسطرة طلب العروض، في إطار مقاربة جديدة مبنية على الشفافية والاستحقاق، بكلفة قدرها1.22 مليار درهم، يساهم فيها الصندوق بمبلغ491 مليون درهم.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية تم إصدار دورية جديدة لتشجيع وتبسيط البناء بالعالم القروي، والتعامل بالمرونة اللازمة في ما يخص معالجة طلبات الرخص.
إن توجه الحكومة، اليوم، في مجال تنمية المناطق القروية المغربية، توجه واضح يقوم على توفير مزيد من البنيات التحتية، وتعميمها، بما يتيح تسهيل الولوج إلى الخدمات الأساسية كالصحة، التمدرس وفضاءات القرب.
حاورته: أمينة إبن الشيخ