الخطاب الأمازيغي يواجه الخطابات الإقصائية بقوة الحجة التي تستدعي تحليلا علميا وتبريرا عقلانيا
نرحب بكم أستاذ أفدجاح ضمن حلقة جديدة من سلسلة حوارات العالم الأمازيغي، بداية من هو محمد انعيسى، ولماذا لقب أفدجاح؟
في البداية أتقدم لكم بالشكر الجزيل على ما تبذلونه من مجهودات من أجل تسليط الضوء على كل ما بتعلق بالثقافة الأمازيغية لغة، ثقافة وهوبة.
محمد انعيسى من مواليد ابدورن، إحدى القرى الريفية التابعة لمدينة سلوان سنة 1978. تابعت دراستي الإبتدائية في أغمير، الإعدادي والثانوي بمدينة أزغنغان، حيث تحصلت على الباكالوريا سنة 1997 بثانوية طه حسين بجعدار شعبة العلوم التجريبية.
تابعت دراستي الجامعية بجامعة محمد الأول بوجدة وتحصلت على شهادة الإجازة في شعبة الفيزياء النووية سنة 2003.
أثناء دراستي الجامعية التحقت بصفوف الحركة الثقافية الأمازيغية، ومن خلالها تعلمت الكثير.
بالنسبة للقب أفدجاح يعود إلى تمثيلي لدور الفلاح في إحدى المسرحيات التي كتبها الأستاذ عبد الاله بوطيبي سنة 1998. عندما يطلق عليك الطلبة لقبا معينا فاعلم أنه سيتبعك طول حياتك، ولحسن الحظ أنني قمت بدور الفلاح وهذا اللقب أفتخر به كثيرا.
برز اسمكم مؤخرا في مجال الكتابة الأمازيغية عبر مجموعة من الإصدارات آخرها “تنفاس ن جحا”، هلا حدثتمونا عن خطواتكم الأولى؟
منذ وقت طويل وأنا أفكر في إصدار ديوان شعري أجمع فيه قصائدي التي كتبتها منذ سنة 1992.صراحة، العراقيل المادية لم تكن السبب لأن مجموعة من الأصدقاء اقترحوا علي الدعم المادي سواء للديوان الشعري أو للشريط الغنائي. ربما الكسل هو السبب الرئيسي وليست هناك مبررات معقولة.
تعرفت على شخص عبر وسائل التواصل الإجتماعي كان يتابع دراسته في شعبة الدراسات الأمازيغية، اقترح علي إصدار ديوان شعري ووعدني بالمساعدة في ما يتعلق بالأمور التقنية. هذا الشخص هو الأستاذ الصديق محمد الفارسي الذي كان محفزا لجميع إصداراتي، أولها ديوان «أفريون ن تفاوت» سنة 2020، هذا الديوان الذي كان أول منشور لجمعية ثامزغا للثقافة والتنمية بمدينة العروي.
كيف جاءتكم فكرة تأليف كتاب عن الفنان الوليد ميمون، وما هي التحديات التي واجهتكم؟
بعد ديوان «أفريون ن تفاوت» أصدرت رواية «أمسكسي جار وزوار ذوافار»، هذه الرواية التي بدأت في كتابتها قبل جائحة كورونا بأيام معدودة.
كورونا فرضت علينا الحجر الصحي، والحجرالصحي فرض علينا الكتابة والإبداع.
أما فكرة تأليف كتاب عن الفنان الوليد ميمون لم تكن مطروحة في البداية، فقط فكرت في كتابة مقال بالأمازيغية حول هذا الفنان العظيم الذي جمع بين الشعر والغناء والرواية. بدأت في كتابة الأسطر الأولى للمقال، حتى وجدت نفسي تائها بين مايقارب الخمسين صفحة. قلت مع نفسي لماذا لا أستمر في الكتابة لتأليف كتاب بلغتنا كتكريم لفنان أعطى الكثير للأمازيغية؟
أولى إصداراتكم الشعرية ديوان “أفريون ن تفاوت” كانت سنة 2020، علما أن تجربتكم في كتابة الشعر قد سبقت ذلك بكثير، حدثنا عن بداية هذه التجربة؟
ديوان «أفريون ن تفاوت» لم يكن إلا عصارة لتجربة امتدت لسنين في مجال كتابة الشعر، بلغة المادية الجدلية هو تحول كيفي لتراكم كمي.
كانت بدايتي في كتابة الشعر منذ سنة 1992 عندما شاركت بقصيدة في المجلة الحائطية بإعدادية صوناصيد، وهي قصيدة اقتبستها من الفنان الوليد ميمون حيث كتبت قصيدة «رقارن ن عشرين» على غرار القصيدة المعروفة «رقارن ن خمزطاش».
في التسعينات كنت أتابع برامج الإذاعة الأمازيغية، خاصة برنامج «أوارن ذي رميزان» الذي كان يبث يوم الأحد ويقدمه الصحفي المقتدر مصطفى البوزياني، شاركت بعدة قصائد في هذا البرنامج وتعلمت منه أيضا تقنيات الكتابة الشعرية، لأنني كنت أستمع لقصائد كثيرة لشعراء معروفين في مجال الكتابة الشعرية.
لم يكفيني الشعر فالتجأت إلى الرواية رغم أنني شخصيا أجد ضالتي في الموسيقى
يطغى على كتابتك الشعرية الطابع العلمي، هل لهذا علاقة بمساركم الأكاديمي، وما هي الثيمات الشعرية التي اشتغلتم عليها؟
في الحقيقة لا يمكن للإنسان أن يخرج عن إطاره الفكري وتكوينه الأكاديمي، لهذا ربما يطغى على كتاباتي النزوع نحو الفلسفة والعلوم الحقة، الديوانين الشعريين الذين أصدرتهما يدخلان في إطار فلسفة التنوير والوعي بالذات وليس صدفة أن يحمل ديواني الأول عنوان «أجنحة النور»، والديوان الثاني «الذوبان أو الاستلاب». النور أو الضوء كان موضوعا دراسيا لسنوات في مواد مختلفة لشعبة الفيزياء.
بدون العقلانية والعلم لا يمكن أن نعي ذواتنا على حقيقتها، كم أن الخطاب الأمازيغي في حقيقته يواجه الخطابات الإقصائية بقوة الحجة التي تستدعي تحليلا علميا وتبريرا عقلانيا للقضية الأمازيغية.
رغم أنني كتبت في مواضيع مختلفة قد نجد خطا رابطا بين جميع قصائدي وهو فلسفة التنوير التي تعتبر الإنسان هو الكائن الأسمى للإنسان.
نرى أن مجال اشتغالكم لم يقتصر على هذه الأنماط الأدبية فقط، بل خضتم غمار الرواية، من خلال رواية “امسكسي جار وفار دوزوار”، التي نستشف من خلالها بعدا فلسفيا، حدثنا عن هذه الرواية؟
في نفس المشروع، المشروع التنويري، فكرت في كتابة رواية حول الكلب والذئب لأن الثقافة الأمازيغية تزخر بكم هائل من الأمثال الشعبية والنكت حول هذين الحيوانين، هذا من جهة، من جهة ثانية حاولت إقحام نظرية التطور والإرتقاء الطبيعي لداروين في هذه الرواية، فضلا على أن الدين كذلك تطرق إلى الذئب من خلال قصة النبي يوسف عليه السلام.
الرواية تناقش موضوع الهوية والإستلاب من خلال الذئب والكلب الذين ينحدران من أصل واحد، الفرق أن الكلب اختار العيش مع الإنسان وتنازل على هويته في حين أن الذئب حافظ على جوهره وغريزته.
الرواية رمزية وتنطلق من نقاش جدلي بين شخصياتها المحورية، جدل الطبيعة والثقافة، جدل الهوية والإستلاب.
أين يجد أفدجاح ضالته، الشعر أم الرواية؟ وما الدافع الذي جعلك تخوض غمار الرواية بدل الإكتفاء بالكتابة الشعرية؟
لا أدري إن كان المشروع التنويري يقف عائقا ايديولوجيا أمام الإبداع أم يحفزه. إذا كانت الكتابة تعبيرا عن الذات كما يقال، فربما لم يكفيني الشعر للتعبير عن كل ما أريد أن أعبر عنه فالتجأت إلى مجال آخر للتعبير وهو الرواية، رغم أنني شخصيا أجد ضالتي في الموسيقى.
كيف تقيم وضعية التجربة الإبداعية الريفية، والأمازيغية عموما؟
في السنوات الأخيرة عرفت التجربة الإبداعية الريفية قفزة نوعية من ناحية الإصدارات، وهذا شيء مهم للتجربة الإبداعية ناهيك عن التراكم الكمي الذي ستعرفه المكتبة الأمازيغية. كما أن شعبة الدراسات الأمازيغية والأبحاث التي يقوم بها طلبة هذه الشعبة حول الإصدارات قد يدفع الشعراء والأدباء إلى إصدار مزيد من الكتب.
ما هي التحديات التي تنتظر الحركة الإبداعية الأمازيغية للدفع بعجلتها إلى الأمام؟
كل تجربة إبداعية لابد وأن يوازيها نقد بناء يكشف نقط ضعفها ومكامن خللها. للأسف الحركة النقدية ضعيفة جدا في هذه المرحلة. والحركة الإبداعية الأمازيغية في حاجة ماسة إلى مؤسسات تدفع بعجلتها إلى الأمام.
لكل تجربة شعرية أو روائية تأثيرات، بالنسبة لك، بمن تأثرت من الشعراء والروائيين؟
في ما يتعلق بالشعر الأمازيغي تأثرت بالشاعر سعيد الموساوي والموسوعة الوليد ميمون، أما الرواية فصراحة لم أتأثر بأحد.
بعيدا عن الشعر والرواية، ما هي اهتمامات محمد انعيسى؟
الموسيقى والمسرح والفلسفة.
ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
انتهيت من كتابة مسرحية سوف أنشرها قريبا، كما أنني في صدد كتابة رواية ثانية فضلا عن ديوان شعري ثالث.
كلمة حرة…
شكرا لجريدة «العالم الأمازيغي» على هذه المساحة المتاحة لتقاسم تجربتي المتواضعة مع قراءها، وأتمنى من كل المبدعين أن يصدروا إبداعاتهم، لمزيد من التراكم الثقافي الأمازيغي.
حاوره: خيرالدين الجامعي