نعم أقول المتدخلين وليس الفاعلين، لقد أثار مقال نُشر في مجلة الأنباء بوست تحت عنوان “إدريس شحتان… الحاكم الفعلي للإعلام والذي أذل يونس امجاهد واخشيشن” فضولي، وجعلني أرغب في الإدلاء برأيي في هذا الموضوع، خاصة وأننا كصحافة أمازيغية نُعامل وكأننا خارج نطاق اهتمامات هؤلاء الذين يتحكمون في المشهد الإعلامي. أصبح واضحًا أن الصحافة في المغرب تعيش حالة من الفوضى والتشتت، حيث تتحكم فيها توازنات سياسية ومصالح ضيقة، بينما الصحافيون الحقيقيون يعانون من التهميش والإقصاء.
المجلس الوطني للصحافة، الذي كان يُفترض أن يكون هيئة مستقلة تنظم المهنة وتحمي حقوق الصحافيين، لم يعد أكثر من أداة في يد تيارات سياسية بعينها، تتناوب على التحكم فيه دون أن تقدم أي حلول حقيقية للنهوض بالقطاع. نفس الأمر ينطبق على النقابة الوطنية للصحافة، التي أصبحت مجرد هيكل فارغ، تُستخدم فقط لإصدار بيانات شكلية لا تأثير لها على الواقع. أما ما يسمى بفيدرالية الناشرين والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، فهي اطارات تفتقر إلى هوية واضحة، ولم تقدم أي مبادرات ملموسة لتحسين ظروف العمل الصحافي، بل تحولت إلى طرف يزيد من تعقيد المشهد الإعلامي.
في ظل هذا الوضع، أصبح الصحافيون يعانون من تراجع حقوقهم وانعدام العدالة في التعامل معهم. حتى الامتيازات المهنية، مثل بطائق التنقل، تُوزع وفق منطق الولاءات والعلاقات، حيث يتم استثناء بعض المؤسسات الإعلامية الجادة، كما حدث مع العالم الأمازيغي، وكأنها ليست جزءًا من الصحافة الوطنية. هذا الإقصاء الممنهج يعكس كيف يُنظر إلى الإعلام الأمازيغي كجسم غريب، رغم أنه يؤدي دوره بكل مهنية والتزام.
إذا كان هذا هو واقع الصحافة في المغرب، فإن الحل لن يأتي من الجهات التي تتحكم فيها، بل يجب أن ينبع من الصحافيين أنفسهم. المطلوب اليوم هو تكوين إطار مهني مستقل، يجمع الصحافيين بعيدًا عن الحسابات السياسية، ويضغط من أجل إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة حتى يكون ممثلًا حقيقيًا للجسم الصحافي، وليس مجرد ساحة لصراع القوى النافذة. كما يجب إصلاح النقابة الوطنية للصحافة حتى تستعيد دورها الأساسي، وتنظيم الجسم الصحافي ليتعافى ويضمن لنفسه المهنية والمصداقية والحماية من الفوضى.
الصحافة المغربية اليوم بحاجة إلى وقفة حقيقية من طرف الصحافيين والإعلاميين الذين لا يزالون يؤمنون برسالة المهنة. لا يمكن أن نترك الصحافة تُستغل لخدمة أجندات معينة، بينما يتم تهميش المؤسسات التي لا تدخل ضمن هذه الدوائر. إنقاذ الصحافة مسؤولية جماعية، ولا بد من التحرك قبل أن نفقد ما تبقى من استقلاليتها ومصداقيتها.