الصويرة-إكتشاف عملة برونزية رومانية تعيد قراءة علاقة قبائل احاحان بالتجارة الرومانية قبل الإسلام


بعث لي أحد الأصدقاء (رفض الكشف عن اسمه) بصورة لعملة برونزية رومانية تعود لحقبة حكم الإمبراطور أنطوان بيوس(Antonius Pius 138-161) واكتشفت هذه العملة بمنطقة احاحان جنوب الصويرة،للأسف لم أتمكن من التواصل مع الشخص الذي صاحب الاكتشاف ليمدنا بمزيد من المعطيات للكشف عن موقع الاكتشاف بالضبط،وذلك لتمكين أهل الاختصاص والباحثين في حقل الدراسات الأركيولوجية للبحث في إمكانية تحديد آثار لمدينة قديمة محتملة في هذا الموقع.فمن المعروف أن مملكة احاحان القديمة ربطت علاقات تجارية مع جزيرة الصويرة،التي كان يحكمها الملك الأمازيغي يوبا الثاني،إذ احتلت الجزيرة مكانة اعتبارية قي انتاج وصناعة صباغة الأرجوان،وتصديره إلى مدن العالم الروماني،حيث تستخرج هذه المادة من الصدفات البحرية، وتستعمل في تلوين الأقمشة،وأمر الملك يوبا الثاني أنذاك بإنشاء مراكز لانتاجه بجزيرة موكادور وجزز الكناري، وتشير المصادر التاريخية إلى قدم التعامل التجاري بالمقايضة بين قبائل احاحان والفنيقيين عن طريق اشعال النار كعلامة تواصلية لبدء التبادل التجاري،وزكتها الحفريات الأثرية بالجزيرة،التي توجد لقاها الأثرية بمتحف سيدي محمد بن عبد الله تحت إشراف مندوبية الثقافة. ويعود الفضل للملك يوبا الثاني في ربط القبائل الأمازيغية بالعالم الروماني على مستوى العلاقات التجارية.ولعل اكتشاف هذه العملة سيكون مؤشرا على وجود روابط تاريخية بين الرومان والقبائل الحاحية قبل الإسلام،خصوصا القبائل المستقرة بالجبال، ويطرح فرضيات وجود مدن قديمة بالمنطقة، وقد تحدث في هذا الصدد الحسن الوزان خلال القرن 15م عن المدن الحاحية ووصف أدوارها التجارية ومعمارها الحضاري،ومؤسساتها خصوصا الجمركية في تنظيم التبادل التجاري، رغم أنه لم يعطينا تاريخ تأسيس هذه المدن،فمن المرجح أن تعود ظاهرة التمدين بالصويرة والقبائل المحيطة بها إلى مرحلة ما قبل الإسلام، وتؤكد أن ظاهرة التمدين متجذرة في الثقافة الأمازيغية الحاحية بالأطلس الكبير الغريي لانفتاحها على التجارة الأطلسية خلال العهود القديمة،ووصل امتدادها إلى جزز الكناري، وتشير وثائق هنري دوكاستري على وجود علاقات تجار البندقية مع تجار مدينة تفضنة القديمة خلال العصر الحديث.
إن هذه العملة المكتشفة دليل أركيولوجي ومؤشر مهم، سيكون بداية للتفكير في إنجاز حفريات أركيولوجية في حال تحديد مواقع اكتشافها،وسيعيد قراءة التاريخ القديم للمنطقة واسهاماتها في العلاقات التجارية مع العالم الروماني القديم،وحسب ذة.هدى العبودي المتخصصة في تاريخ العملات النقدية، فقد أكدت في اتصال معها عن طريق الزميل الأستاذ محفوظ أسمهري أن العملة البرونزية المكتشفة باحاحان صدرت في عهد الإمبراطور الروماني أنطوان لوبيو (138-161 ميلادية)، والصورة الموجود في هذه العملة هي لوجه الإمبراطور، وكتب عليها عبارة(ANTONINUS AUG TR P XXIIII)، فحسب موسوعة ويكبيديا فقد كان حكمه الذي ساده السلام مميزاً بازدهار الفنون والأدب، والتجارة، والعمارة بتشجيع منه ورعايته.
إن هذا الاكتشاف سيكون لبنة لأهمية البعد الأمازيغي لمدينة الصويرة في ظل الدينامية الثقافية التي تشهدها مؤخرا،فما زال حضور الثقافة الأمازيغية محتشما،ويغيب في كثير من التظاهرات المقامة بعاصمة الرياح،لاعتبارات وخلفيات تقصي أهمية البعد الحضاري للأمازيغية رغم دسترها في دستور 2011م،وحان الوقت لاعادة الاعتبار للتاريخ القديم لإقليم الصويرة وجعل مثل هذه الاكتشافات لبنة أساسية للمصالحة الثقافية مع التاريخ الأمازيغي للمدينة ومحيطها القبلي،رغم محاولات طمس هويتها الأمازيغية لاعتبارات أمنية تجاوزها الزمن،فشعارات التعايش والتسامح الثقافي والحضاري المواكبة للمدينة، سيكون بداية لاعادة الاعتبار للأمازيغية في المشهد الثقافي.
وفي الختام،أثمن عاليا زيارة رئيسة منظمة اليونيسكو أدري أزولاي رفقة مستشار صاحب الجلالة السيد أندري أزولاي خلال السنوات الماضية لمغارة بيزماون موقع اكتشاف أقدم حلي في تاريخ المغرب،ومن شأن هذه الالتفاتة أن تتعزز بإنشاء متحف للثقافة الأمازيغية بالمدينة على غرار بيت الذاكرة، وسيزيد من فسيفيساء التعدد الثقافي والحضاري لعاصمة جوبا الثاني المعروفة في العالم القديم بجودة صناعتها لصباغة الأرجوان.

محمد أبيهي-أستاذ التاريخ المعاصر/جامعة محمد الخامس الرباط.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *