رشيد نجيب
غيب الموت بشكل مفاجئ الفنان الظاهرة صالح الباشا رحمه الله والذي ووري الثرى بقرية إيداوكرض بإقليم تاصورت (الصويرة). وقد خيم حزن كبير جدا في الأوساط الفنية والشعبية إزاء هذا الحدث الأليم بسبب ما يمثله الفنان الراحل صالح الباشا من استثناء واضح لدى كل النخبة الفنية والموسيقية الأمازيغية بالمغرب، وذلك على المستويات الشخصية والإنسانية والفنية والإبداعية…
باستحضار تاريخ الفن الأمازيغي بالمغرب، تاريخ الروايس الفنانين تحديدا، يكاد يشبه هذا الحزن ذاك الحزن المعبر عنه تجاه رحيل الرايس الأمازيغي الحاج محمد أجحود المعروف فنيا بالدمسيري أو البنسير الذي رحل عن دنيا الناس العام 1989.
وفعلا، هناك الكثير من الأشياء والعناصر المشتركة بين الرايسين المرحومين الباشا والدمسيري، واللذين ينحدران تقريبا من نفس المنطقة. ومن هذه الأشياء كونهما معا من خريجي التعليم الديني العتيق المعروف بالمناطق الأمازيغية حيث حفظا القرأن الكريم بعدد من كتاتيب المنطقة ومدارسها العتيقة. ولعل ظاهرة ولوج خريجي هذا النوع من التعليم إلى المجال الفني وهو المعروف بطابعه المحافظ يحتاج إلى الكثير من الدرس والتمحيص والتوثيق خاصة من النواحي السوسيولوجية والأنتروبولوجية…
الخصلة الثانية التي تميز صالح الباشا، إنسانا وفنانا، هو تواضعه الكبير في علاقاته بجمهوره ومحبيه. فهو عفوي في تواصله وفي ممارسته الفنية. إذ صنع بإبداعه واختياره الموسيقي المتميز أداء وغرضا جمهورا كبيرا عريضا لدى كل الفئات. وفي نفس الوقت، خلق لنفسه جمهورا خاصا يتابعه في كل الحفلات والسهرات التي يحييها والمهرجانات التي يشارك فيها.
أما الخصلة الثالثة، فهي حياته من أجل الفن، أي أنه يمارس الفن للفن بعيدا عن أية أطماع فنية أو شهرة زائفة زائلة فحياته كلها مخصصة للفن والموسيقى الأمازيغية:” كولو صاحت ئنو ما موت هديغ ءابلا ءامارك”، كما يقول في إحدى روائعه الموسيقية. وهذا الأمر يجعله بوهيميا من الناحية الفنية، أو لنقل إنه متصوف في الفن أو إنه مجذوب الفن، يعيش فنه ويمارسه فوق خشبات العرض بطريقة مغايرة للمألوف والمعروف تلهب الجمهور الواسع.
وتتمثل الخصلة الموالية، في كونه يبدع بشكل استثنائي، تقريبا، كل إبداعه الفني على كل المستويات الفنية كتابة ولحنا وأداء. وتلقى إبداعاته قبولا كبيرا لدى جمهوره.
أما الخصلة الخامسة، في ارتباط لحفظه للقرأن الكريم، فهو يبدأ دائما سهراته التي يحييها في الأعراس والحفلات الأمازيغية بالدعاء الصالح. ولا شك في أنه قبل أن يلج المجال الفني، قد قام بكل الطقوس الدينية التي يقوم بها الروايس كالعادة قديما من زيارات للمقامات الروحية (في الغالب مرقد ولية من أولياء الله ذكرها بتاشريفت في إحدى أغانيه) بحثا عن إلهام مطلوب. كما أنه يقوم كل سنة بدعوة كريمة لفقهاء المنطقة لتلاوة القران والدعاء معه وإكرامهم، وهناك أشرطة موثقة له وهو يقرأ معهم القرأن بالطريقة الأمازيغية المعروفة بتاحزابت. ولعل الحضور الكثيف جدا لفقهاء سوس بحفل عزائه المعروف بالسلكة يحمل أكثر من دلالة وعبرة.
عيشه من أجل الفن وطيبوبته قد تكون – وقد حرف شك – تجعله عرضة لاستغلال وجشع كبير من لدى الكثيرين على مستوى الفاعلين في المهرجانات والسهرات والإنتاج. وهذه دعوة لصيانة حقوق الفقيد لتصل إلى ذوي حقوقه من ورثته.
أما الخصلة الأخيرة، وكما عبر عن ذلك في حواراته القليلة جدا لاسيما مع الإعلامي القدير محمد ولكاش- عيشه بكرامة مشبها نفسه بشجرة أركان غير متوسل لدعم أو غير متسول للمشاركة في مهرجان. وتلك قصة أخرى: “ئساون هلي نيغ”. رحم الله الرايس الفنان صالح الباشا الظاهرة الفنية الفريدة ومبدع الفقراء.