المؤسسات الرسمية تحتقر «إيمازيغن» وتعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية
يُعتبر عبد الهادي أمناي، من أحد أبرز الوجوه الفنية التي تزخر بها الأغنية الأمازيغية الملتزمة سواءا في المغرب، أو في عموم بلدان شمال أفريقيا، في ظرف وجيز استطاع «أمناي باند» أن يؤسس لفعل توعوي تنويري قائم على قيم تيموزغا ويحمل حمولات قيمية انسانية على حد تعبيره، أمناي في حواره مع «العالم الأمازيغي» قال بأن الثورة الفنية الحاملة لهموم الأمازيغ والأمازيغية التي وقعت في الجنوب الشرقي في الآونة الأخيرة جاءت بعد محاولات تعريب البقر والحجر ومنع الكتابة بالأمازيغية في التسعينات والزج بمناضلين في السجن لمجرد كتابتهم بحروف تيفيناغ، وأصبحت الموسيقى والغناء الملتزم بالأمازيغية أحسن قناة لنشر الوعي بضرورة الحفاظ على موروثنا الأمازيغي، وفي سؤال لمؤسس مجموعة «أمناي باند» حول التأخير الحاصل في التفعيل الرسمي للأمازيغية، قال المتحدث بأن غياب ارادة حقيقية رسمية للدفع بإرساء الطابع الرسمي للأمازيغية هي السبب.
نبدأ بالسؤال الكلاسيكي، من يكون أمناي؟
أمناي هو الاسم الفني الذي اخترته للمشروع الفني الذي اشتغلت عليه رفقة ثلة من الشباب المبدع الذي اختار الموسيقى طريقة للتعبير واختار مجموعة امناي كمدرسة فنية تؤسس لفعل توعوي تنويري قائم على قيم تيموزغا وبحمولات قيمية انسانية أيضا، لان الفن ليس له حدود ولا لغة. وهذا هو ما حاولت الاشتغال عليه رفقة كل من أثرو تجربة امناي الفنية كتابة وموسيقى واداء عبر عقد من الزمن مند 2005.
قلت منذ 2005، حدثنا عن هذا المسار الفني وكيف بدأته؟
انجذبت الى الموسيقى وعمري لا يتجاوز 13 سنة، وما حفزني أكتر لسبر اغوارها هو عثوري على الات موسيقية داخل منزل العائلة، لكن اختياري وقع على الة الگيتار وكانت تلك الالة لا تتوفر على اوثار مما جعلني ابتكر لها اوثارا من خيوط فرامل الدراجات رغم انها كانت تتقطع بسهولة الا انها كانت كافية لعزف نغمات، وكان مشواري وإلى حد الأن عصاميا من حيت تعلم الموسيقى.
في يناير 2005 وبفضل الفنان القدير عمر نايت سعيد اتيحت لي فرصة ملاقات الجمهور اذ بعد أن أسمعته أولى أغاني تمت دعوتي للغناء بمناسبة راس السنة الامازيغية الذي كان من تنظيم جمعية امل دادس، كان هذا الحفل بمثابة الشرارة التي اوقدت شعلة مساري الفني، كانت نقطة اللارجوع، لان اداء الموسيقى بالنسبة لي كان واجبا والتزاما قبل ان يكون متعة.
وكيف استطعت أن تؤسس مجموعة «أمناي باند»؟
كنت في الأول اؤدي أغاني بشكل فردي ولمدة ثلاث سنوات تلاها إصدار البوم «ارماني» سنة 2008 بعدها انتقلت للإتمام دراستي الجامعية باكادير حيت التقيت بالعديد من الفنانين الذين اتقاسم معهم النمط الموسيقي واهتمامات الاشتغال على النص الشعري حتى يبلغ الرسالة الاجتماعية والفنية التي نحملها، من هنا بداء الاشتغال على تكوين المجموعة واضافة الات موسيقية أخرى كما العمل على انماط موسيقية أخرى لتطويعها لخدمة القضية والانسان الامازيغيين .
ماهي الصعوبات التي واجهتك أثناء وبعد تأسيسها وفي مسارك الفني عموما؟ وكيف استطعت تجاوزها؟
أظن أن تكوين مجموعة موسيقية والعمل على انجاحها هو بمثابة عبئ كبير على قائدها خصوصا في سن الشباب وكثرة الإغراءات وكل ما يفرضه التأثير والتأثر من عبئ اضافي على كاهل أعضاء المجموعة زيادة على الإرهاصات المادية واللوجستيكية، وعيا بكل هذه العوارض حاولت جاهدا الحفاض على الاسم الفني «امناي» الذي لا يعود لي شخصيا لكنه اسم لظاهرة موسيقية برزت من قلعة مكونة واسست لنمط موسيقي جديد ورؤية جديدة للحقل الفني بالمنطقة، أعطت إشعاعها على المستوى الوطني والدولي وكانت مدرسة ومحطة عبور لعديد من المجموعات الموسيقية الاخرى ولطاقات ابداعية نفتخر بها.
حدثنا عن الثورة الشبابية التي وقعت فيمجال الفن الملتزم بالجنوب الشرقي؟
نعم انها ثورة بكل المقاييس، فبعد محاولات تعريب البقر والحجر ومنع الكتابة بالأمازيغية في التسعينات والزج بمناضلين في السجن لمجرد كتابتهم بحروف تيفيناغ، أصبحت الموسيقى والغناء الملتزم بالأمازيغية أحسن قناة لنشر الوعي بضرورة الحفاظ على موروثنا الثقافي، وكانت تجربة الفنانين موحا ملال من دادس وحمو كموس من گلميمة وليد ميمون من الناضور وعموري مبارك من سوس العالمة من التجارب الرائدة في مجال الغناء الملتزم بالأمازيغية مند التسعينات، بعدها جاءت تجربة امنزا من گلميمة، صاغرو من ملعب وامناي من قلعة مكونة لكن بحمولة تصعيدية وصلت حد الاحتجاج موسيقيا والتعبير عن مواقف عجز السياسيون عن تحمل مسؤولية الصدح بها، وهنا تم التأسيس للأغنية الثورية الامازيغية او كما سماها المرحوم «مبارك اولعربي» «تيزليتاتناغن». وكلها مجموعات مزجت بين تأليف الموسيقى، التسجيل، الاداء الحي داخل وخارج الوطن، اصدار كتب، المشاركة في مسيرات، يعنى فنانين كرسوا حياتهم للفعل النضالي، وهو ما جعل عدة مجموعات تحدو نفس الحذو بجرعات متفاوتة من التجديد وهو ما يصنع تراكما لا يستهان به.
هناك تقارب أو تشابه إن صح التعبير بين الموسيقى القبائلية بالجزائر وموسيقى الجنوب الشرقي ما سر هذا التأثر بموسيقى القبايل، معتوب، أولحلو .. ؟
أظن أن هذا شيء طبيعي لان تجربة امازيغ القبايل الموسيقية سبقت تجربة امازيغ الجنوب الشرقي بسنوات عدة لذا اظن انه من الطبيعي التأثر بتجربتهم خصوصا واننا نتحدث عن اناس قدموا الغالي والنفيس للقضية الامازيغية، لكنني رغم ذلك استحسن التأثر لكن ليس الى حد التقليد.
كيف تنظر لواقع الفن والفنانين الأمازيغ عموما؟
واقع الفن والفنانين الامازيغ عموما هو العصامية، وهنا اغتنم الفرصة لأقول لكم بانه ان رأيتم فنانا امازيغيا ناجحا فأعلموا انه يضاعف الجهود وينكر الذات ويضحي بالغالي والنفيس وبشكل ذاتي، اي ان الفنان ينفق من ماله الخاص ولا يتلقى اي دعم من اي جهة كانت رغم ان وزارة الثقافة منوط بها دعم المبدعين الا انني لم اسمع يوما بان فنانا امازيغيا تلقى الدعم من مؤسسة رسمية، لذى تحية عالية لكل من استطاعوا الصمود والمسير بمشوارهم الفني نحو الافضل.
اما بخصوص الثيمات وجودة الكلمات والموسيقى فانا جد متفائل بان تراكم التجربة الموسيقية سينتج الافضل، وهناك مجموعات عدة تبدع وتجدد في الانماط الموسيقية وتبصم على تاريخ حافل بالنجاحات.
وبرأيك لماذا هذا التهميش والإقصاء الذي يعاني منه الفنان الأمازيغي؟
كما سلف وذكرت المؤسسات الرسمية تحتقر كل ما هو امازيغي، وتعتبر الامازيغ مواطنين من الدرجة الثانية، وهو نقيض الحال لان الامازيغ هم الشعب الاصلي لشمال افريقيا، فيتم تقليص حصتنا من الظهور في وسائل الاعلام السمعية البصرية وكذا مشاركتنا في المهرجانات الوطنية، زيادة على تعامل شركات الانتاج وشركات ادارة الاعمال التي لا تبدل جهدا لاحتضان مجموعات موسيقية امازيغية.
لدى وجب على الجمهور الامازيغي المساهمة في انتشار هذه المجموعات عبر شراء الاقراص الاصلية وعبر نشر موسيقاها عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى تعرف اشعاعا اكبر واهنا أتذكر مقولة للفنان موحا ملال إذ قال: «ان الانترنت يناضل الى جانبنا» اذا الكل منوط بالمساهمة في انجاح هذه التجارب وبكل الوسائل المتاحة.
هل يمكن أن يلعب الفن دورا في خدمة القضية الأمازيغية؟
لقد تعدى الامر الحديث عن الامكانية لان الفن بالفعل خدم كثيرا القضية الامازيغية، والعديد من لم يكونوا يعون مدى التهميش والاقصاء الذي يطالهم اصبحوا يعون ذلك بفضل الاشرطة الموسيقية المؤدات بالأمازيغية التي دخلت بيوتهم وجعلتهم يطرحون اسئلة ويبحتون عن اجوبة لم تكن واردة لديهم. وهنا اتذكر مقولة معطوب لوناس: الغناء بالأمازيغية هو نوع من المقاومة.
نعرف أن لكل قضية مبادئها، هل يلعب الفنان الأمازيغي بشكل ما دورا في تكريس المبادئ التي تخدم الأمازيغية؟
حري بالذكر أن معظم رواد الغنية الامازيغية الملتزمة هم إما حاملوا شهادات جامعية أو أطر في مؤسسات رسمية أو خاصة، لهم من الثقافة والعلم ما يخولهم تمثيل القضية الامازيغية أحسن تمثيل وعلى أكثر من مستوى، وهو ما يتجلى في أغانيهم، التي تحمل قيم الحرية، المساواة، رفع التهميش، إحترام الأخر، والصدح بالحقيقة مهما كان الثمن.
كيف تنظرون إلى التأخير الحاصل في تفعيل رسمية الأمازيغية والولاية التشريعية أوشكت على الانتهاء؟
أولا لم يكن متوقعا ترسيم الأمازيغية بهذه السهولة في دستور ممنوح، وأظن أنه كان وليد تخوف الدولة من تصاعد الفعل النضالي للحركة الامازيغية إبان الحراك الشعبي الذي عرفه شمال افريقيا، لذا أعتقد أن المراد من ترسيم الأمازيغية في دستور 2011 لم يكن حبا في سواد أعينها لكن لتهدئة الشارع السياسي، ولا أعتقد بأن هناك إرادة حقيقية رسمية للدفع بإرساء الطابع الرسمي للأمازيغية عبر إقرار القوانين التنظيمية.
هل تؤمن بتأثير الفن في الواقع السياسي؟ وما حدود هذا التأثير خصوصا في الواقع السياسي المغربي؟
نعم عبر الفن نرى السياسة نرى الدين، نرى الحرب نرى الحب نرى الحياة عموما، وهناك مثل شعبي في قلعة مكونة يقول: «تار ازلي اور تلي» ما مفاده أن الوقائع التي لم ينظم عليها الشعر فهي مجرد اشاعات، وهو واقع الحال إلى حد الأن، فبالفن عموما نستطيع أن نؤثر بوثيرة مختلفة على وقائع حدثت كما على المستقبل، وفي مجال السياسة أعتبر أن كشف الفساد عبر الموسيقى، الكاريكاتور، الشعر، المسرح… الفن عموما من أنجع وسائل التأثير على السياسة. رغم أن الضريبة أحيانا تصل إلى حد الاغتيال.!
بالعودة إلى مجموعة أمناي، ما هو جديدكم؟
نحن الآن في فترة عمل على ألبوم موسيقي ثراتي جديد ستليه جولة فنية سنعمل على إدراج أكبر عدد ممكن من المدن بها داخل وخارج المغرب.
حدثنا عن زيارتك الأخيرة للجزائر؟
كانت زيارتنا للجزائر في إطار تخليد ذكرى الربيع الأمازيغي بمنطقة القبائل حافلة بالنجاح على كل المستويات لأنني رفقة الفنان موحا توارگيت كنا أول فنانين أمازيغيين من المغرب يحلون بالقبائل لتخليد هذه الذكرى وكان الجمهور القبائلي متعطشا لسماع أغاني اشقائهم أمازيغ المغرب الذين فصلت بينهم السياسات العروبية والحدود الاستعمارية، لأن زيارتنا للجزائر أكدت وبالملموس أن الشعبين في الحقيقة شعب واحد، وسنعمل رفقة أشقائنا القبائليين على تمتين جسور التواصل وتبادل الزيارات والتعاون. كما كان لنا لقاء مع الفنان عبد الرحمان اولحلو رائد الاغنية القبائلية الثورية وبالفنان الصديق عمر عمارني، ومجموعة من المغاربة الامازيغ القاطنين بتيزي وزوا صدفة أثناء مسيرة العشرين من أبريل. وكل ما يمكنني أن اقوله هو أن هذه الزيارة سوف تدشن لزيارات أخرى بين الإخوة أمازيغ القبائل وأمازيغ المغرب.
حاوره: م. إثري