في تعليقه على تصريح رئيس لجنة تعديل الدستور في الجزائر لجريدة فرنسية يقول فيه بأن الإسلام سيختفي نهائيا من عناصر الهوية، «بحيث يمكنك أن تكون جزائريا دون أن تكون مسلما أو أمازيغيا أو عربيا»، كتب الدكتور إدريس الكنبوري، في تدوينة له على “الفايسبوك” ليوم تاسع يونيو 2020، يقول، ضمن ما جاء في التدوينة: «وللذاكرة والتاريخ هذه الفكرة قديمة جدا تعود إلى القرن 19. وكان القضاء على العثمانيين الهدف منه إنشاء دول متفرقة. وهذا ليس مشكلا في حد ذاته منطقيا فقد عاش المسلمون هكذا رغم الخلافة. لكن الجديد أن يكون لكل دولة تاريخها الخاص المسمى التاريخ الوطني، وعلمها الخاص وشعارها الخاص، فتم بعث النزعة الوطنية الضيقة التي صارت تدريجيا تحل محل الثقافة المشتركة والدين. ثم لأن هناك تاريخا وطنيا صار الناس يبحثون عن التاريخ الوطني القديم ما قبل الإسلام، فظهرت الفرعونية في مصر والفينيقية في لبنان وغيرهما. وهذه نسخة قديمة. والنسخة الجديدة المعدلة وراثيا كالطماطم السامة هي النزعة الأمازيغية العنصرية المقيتة». لنحلل كلام الدكتور الكنبوري بشيء من التفصيل.
التضحية بالخلافة من أجل العرق العربي:
«وكان القضاء على العثمانيين الهدف منه إنشاء دول متفرقة. وهذا ليس مشكلا في حد ذاته منطقيا فقد عاش المسلمون هكذا رغم الخلافة». لماذا لم يوضّح الدكتور الكنبوري من هي هذه الدول التي كان الهدف من إنشائها هو القضاء على العثمانيين، وبدعم مَن، واكتفى بما قد يفيد أن الأمر يتعلق بالمسلمين؟ لقد كانت هي تلك الدويلات العربية الجديدة التي انبثقت عن اتفاقية “سايس بيكو” في 1916، وليس أية دول إسلامية، كما يريد أن يوحي بذلك. وإذا كان لا يرى مشكلا في القضاء على العثمانيين، فذلك لأن هذا القضاء كان من أجل إنشاء كيانات عربية حتى لو كان ذلك على حساب القضاء على الخلافة الإسلامية. فمن أجل خدمة هذا الهدف العرقي العربي، ليس هناك مشكل أن يمرّ ذلك عبر القضاء على من ليسوا عربا وهم العثمانيون، والقضاء حتى على الخلافة الإسلامية. فالدافع العرقي، كما كان حاضرا عند العرب الذين رحّبوا باتفاقية “سايس بيكو” في وقتها، هو حاضر أيضا عند الدكتور الكنبوري في قراءته لتاريخ تلك الفترة.
أين بدأت هذه النزعة الوطنية الضيقة؟
«فتم بعث النزعة الوطنية الضيقة التي صارت تدريجيا تحل محل الثقافة المشتركة والدين».
ولكن أين بدأت هذه النزعة الوطنية الضيقة؟ وعلى يد من؟ لم تبدأ من المغرب الذي بقي دولة موحّدة حتى بعد الحماية مثلما كان كذلك قبلها. قد بدأت مع الذين صفّقوا لاتفاقية “سايس بيكو” لأنها خلقت لهم كيانات وطنية منفصلة كان الدافع وراءها، كما أشرت، هو العِرق حتى يتميّزوا عن الأتراك، وهو ما جعلهم يستعينون بالأجنبي المسيحي لوضع حدّ للخلافة الإسلامية فقط لأنها كانت في أيدي غبر العرب. وذلك ما أدّى إلى أن تنشأ بشبه الجزيرة العربية، التي كانت مجرد إقليم تابع للخلافة الإسلامية العثمانية، أكثر من عشر دويلات صغيرة، بأعلامها وشعاراتها وعملاتها وثقافاتها القُطرية الخاصة، وحتى مذاهبها الدينية الإسلامية المختلفة.
فالتقسيم والتجزيء والانفصال والوطنية الضيقة هو إذن شيء لا علاقة له بالمغرب كبلد أمازيغي، وإنما هو خاصية ملازمة للعروبة العرقية والقومية بموطنها بالمشرق العربي.
وأين المشكل إذا كان لكل دولة تاريخها الوطني الخاص؟
«ثم لأن هناك تاريخا وطنيا صار الناس يبحثون عن التاريخ الوطني القديم ما قبل الإسلام، فظهرت الفرعونية في مصر والفينيقية في لبنان وغيرهما».
وأين المشكل إذا كان الناس يبحثون عن تاريخهم القديم لما قبل الإسلام؟ فليس هناك مسوّغ، أخلاقي ولا ديني ولا قانوني، لمنع المعرفة التاريخية فقط لأن موضوعها هو التاريخ الوطني القديم السابق عن الإسلام؟ سيكون ذلك بمثابة رقابة فاشية على المعرفة والعلم غير مسبوقة في التاريخ. ولمَ لم يدع الدكتور الكنبوري، حتى يكون منسجما في موقفه، إلى منع التنقيب في التاريخ القديم السابق عن الإسلام في شبه الجزيرة العربية، حيث ظهر الإسلام؟ فهو يعرف أن مئات من البحوث، القديمة والجديدة، أُنجزت، ومن طرف عرب وليس تلك التي قام بها مستشرقون، حول التاريخ القديم السابق عن الإسلام لهذه المنطقة العربية. وهو يعرف أيضا أن دراسة الأدب الجاهلي تخصص قائم بذاته ضمن فروع الأدب العربي. فلماذا لم يستنكر مثل هذه البحوث وهذه الدراسات التي تنصبّ على ماضي العرب لما قبل الإسلام؟ أم أن ما يجوز بالنسبة إلى العرب لا يجوز بالنسبة إلى الأقوام الأخرى التي عليها أن تكتفي فقط بتاريخ العرب، بدعوى علاقته بتاريخ الإسلام؟ فالدافع العرقي العربي حاضر دائما كمحرّك أول لكتابات الدكتور الكنبوري عندما يكتب عن الأمازيغية، التي تشكّل عقدته التي تنغّص حياته، حتى أن إشارته إلى أقوام أعجمية أخرى، كالفراعنة والفينيقيين، هي فقط من أجل خلق فرصة الكلام عن الأمازيغية، التي تشكّل عبئا ثقيلا لا يطيقه ولا يتحمّله، وهو ما قد يفسّر رفضه أن يكون للأمازيغيين علماء خدموا الإسلام، كما يُستنتج من تدوينة له يقول فيها: «أقرأوا تاريخكم قبل أن يمسحوه، أكثر من ثلثي علماء الإسلام من الفرس، الباقي من العرب والتركمان وسراييفو وطشقند وبخارى والهند وإفريقيا».
لنلاحظ كيف ربأ أن يذكر الأمازيغ واكتفى بذكر إفريقيا، وهو ما لم يفعله بالنسبة إلى المنتمين لأسيا وأوروبا. والتناقض في كلامه يكاد يفقأ العين: يوصينا بقراءة تاريخنا قبل أن يمسحوه، لكن هو من يقوم بمسحه عندما يمسح الأمازيغ من هذا التاريخ.
ثم ما ذنب المصريين، أو غيرهم من الشعوب غير العربية، إذا كانت لديهم مآثر تاريخية، قائمة وبادية للعيان، تعود إلى ما قبل الإسلام؟ هل عليهم أن يهدّموها ويمحوها امتثالا لرغبة الدكتور الكنبوري؟ وما ذنب الأمازيغيين إذا كان “الإنسان العاقل” الأقدم، والذي اكتشف بجبل إيغود، هو جزء من تاريخهم القديم؟ ما ذنبهم إذا كان الاحتلال الروماني لما قبل الإسلام جزءا من تاريخهم السابق عن الإسلام؟ فحتى إذا أنكروا، امتثالا لرغبة الدكتور الكنبوري، هذه الحقائق التاريخية لما قبل الإسلام، فإن ذلك الإنكار لن يمحو تلك الحقائق ويغيّر ذلك التاريخ الذي يضمّها، باعتبارها وقائع وأحداثا تمت وحصلت.
الحفاظ فقط على ثقافة الولاء والتبعية:
ما يتظاهر الدكتور الكنبوري بالتخوّف منه، حسب تبريره الواهي، هو أن ذلك التاريخ القديم والخاص سيؤدّي إلى «بعث النزعة الوطنية الضيقة التي صارت تدريجيا تحل محل الثقافة المشتركة والدين». فحفاظا على ما هو مشترك بيننا وبين المشرق العربي، يجب إذن التضحية بما يسميه الوطنية الضيقة، مع ما تحمله من تاريخ قديم سابق عن الإسلام. فتطبيقا لهذا المنطق، وحفاظا على ما هو مشترك، يجب إذن أن نتخلّى عن قضية صحرائنا المغربية لأنها ليست بقضية مشتركة تجمعنا مع العرب، ولا يجب أن نطالب باسترجاع سبتة ومليلية لأن هذا المطلب ليس مشتركا بيننا وبين العرب. بل علينا أن نتخلّى على المذهب المالكي لأن عرب المشرق لا يشتركون معنا في هذا المذهب… هذه هي النتائج المنطقية، الكارثية، لمنطق الدكتور الكنبوري: التخلّي عن كل شيء وإنكار كل شيء ما لم يكن عربيا، حتى نحتفظ في النهاية فقط على ما هو مشترك. وما هو هذا المشترك؟ هو تاريخ وثقافة الولاء للعرب، عندما كان العديد من الأعاجم، كالأمازيغيين، موالي لدى هؤلاء العرب، يخدمونهم خاضعين ومنقادين لهم. حقيقة أن وقائع وتاريخ هذه العلاقة بين المولى الأعجمي وسيده العربي هما شيء مشترك بينهما.
وهو ما يجب الحفاظ عليه كتاريخ وثقافة مشتركين بينهما. أما قبل هذه العلاقة، أي عندما كان المولى المعني حرا قبل استرقاقه، أو بعد تحرّره من خدمة سيده واستقلاله عنه، فإن كل ذلك يجب حجبه وعدم الاهتمام به، ولا البحث فيه لأنه “تاريخ” يغيب فيه العنصر العربي. فالتركيز على المشترك هو في النهاية تركيز على علاقة الخنوع والتبعية، مثل علاقة المولى بسيده. هذه هي الثقافة والتاريخ اللذان يرتضيهما الدكتور الكنبوري لنا، أي تاريخ الذل والخنوع والتبعية. مع أنه لو كان متشبّعا بقيم العدل وثقافة حقوق الإنسان، لدعا إلى الاهتمام والاعتزاز بالثقافات الوطنية والمحلية إنصافا لها واعترافا بها، وليس إلى تهميشها خدمة لنرجسية المركزية العربية، تحت غطاء الإسلام المفترى عليه.
حقيقة النسخة المعدّلة وراثيا:
«وهذه نسخة قديمة. والنسخة الجديدة المعدلة وراثيا كالطماطم السامة هي النزعة الأمازيغية العنصرية المقيتة».
بالنسبة إلى الدكتور الكنبوري تمثّل المطالب الأمازيغية، وهي التي يعنيها بالنزعة الأمازيغية، نسخة جديدة معدّلة وراثيا لما ظهر من مطالب فرعونية بمصر وفينيقية بلبنان.
لنكن علميين شيئا ما. الكائنات الحية المعدّلة وراثيا، نباتات كانت أو حيوانات، هي تلك التي خضعت لتغيير وتحويل في عناصرها وجيناتها الوراثية التي تحدّد هويتها الطبيعية الأصلية، المتمثّلة في خصائصها الطبيعية الأصلية التي على أساسها تُصنّف أنها تنتمي إلى جنس معيّن، كجنس الأشجار التي تنتج ثمارا مرّة مثلا، لجعلها ذات هوية غير طبيعية، أي مختارة فرضتها الهندسة الوراثية بغية إنتاج خصائص أخرى مخالفة لخصائصها الطبيعية الأصلية، تجعلها تنتمي إلى جنس آخر، كأن تتحوّل تلك الشجرة من جنس الأشجار ذات الثمار المرة إلى جنس الأشجار ذات الثمار الحلوة.
فمن تعرّض في المغرب لتغيير وتحويل في عناصر هويته الطبيعية الأصلية، المستمدّة من موطنه الأمازيغي الإفريقي، لجعله يفقد خصائص الانتماء إلى جنسه الطبيعي الأصلي، الأمازيغي الإفريقي، وينتسب إلى جنس أجنبي، عربي أسيوي؟ أليس هم الذين يدّعون أنه عرب، وأن المغرب عربي، وعلى رأسهم الدكتور الكنبوري؟ فمن من هم العرب بالمغرب إذن؟ أليسوا هم المعدّلون هوياتيا والمحوّلون جنسيا (قوميا وهوياتيا) حتى يكونوا قريبين من النسخة العربية الأصلية؟ بل حتى عنصر الوراثة، بمفهومه البيولوجي، حاضر في هذا التعديل الهوياتي والتحويل الجنسي، من خلال الاستشهاد بالأنساب “الشريفة”، أي المعدّلة والمحوّلة وغير الأصلية، أي غير الأمازيغية. وهناك، كما هو معلوم، هيئات ومؤسسات تمنح شواهد إدارية تثبت العميات والمراحل التي مر منها التعديل الهوياتي والتحويل الجنسي للشخص المعني، تشبه الشواهد الإدارية التي يفرضها القانون بالدول الأوروبية، والتي يجب أن تبيّن مختلف عمليات التعديل الوراثي التي خضعت لها المنتوجات الزراعية أو الحيوانية المعدّلة وراثيا OGM (organisme génétiquement modifiés)، والمعروضة للاستهلاك.
فالنسخة المعدّلة بالمغرب، هوياتيا وجنسيا، هي إذن النسخة التي يمثّلها الدكتور الكنبوري وأمثاله من المنتحلين للنسب العربي، الذين هم ضحايا هذا التعديل الذي يسمّونه التعريب. أما النسخة الطبيعية والأصلية، فيمثّلها المتمسّكون بانتمائهم الأمازيغي الأصيل، الذي لم يخضع لتعديل ولا تزوير. ولهذا يكره المعدّلون هوياتيا والمحوّلون جنسيا، مثل الدكتور الكنبوري، الأمازيغية. لماذا؟ لأن ما دامت أنها موجودة، ولم يُقضَ عليها نهائيا كما كان يُعوّل على ذلك بعد الاستقلال، فإنها تفضح التعريبيين المغاربة المتحولين جنسيا، أي قوميا وهوياتيا، وتثبت أنهم مجرد نسخة معدّلة وزائفة للعرب الحقيقيين. ومن هنا حقدهم على الأمازيغية التي لا يتورّعون في اعتبارها عنصرية مقيتة.
من هو العنصري الحقيقي؟
لكن من هو العنصري الحقيقي؟ هل هو الأمازيغي المتمسّك بأمازيغيته وانتمائه وأصله، المطالب بالعناية بلغته وثقافته وهويته وتاريخه، المحترم للعربية وللعروبة وللعرب بموطنهم، ولا يسعى إلى فرض هويته الأمازيغية عليهم، أم هو من يحارب هذه الأمازيغية ويفرض على أصحابها ما يعتبره لغته وثقافته وهويته وتاريخه؟ فإذا كان هذا الأمازيغي، الذي يناضل من أجل النهوض بلغته وهويته وثقافته وتاريخه، عنصريا، فسيكون الصينيون واليابانيون والفرنسيون والإيطاليون… كلهم عنصريين لأنهم جميعا يدافعون عن لغتهم وثقافتهم وهويتهم وتاريخهم.
ولهذا فعندما يصف الدكتور الكنبوري المطالب الأمازيغية بالعنصرية المقيتة، فهو في الحقيقة يمارس ما سمّاه كاتب ياسين «Le voleur qui crie au voleur!»، أي خدعة السارق الذي يطلب النجدة مدّعيا أنه تعرّض للسرقة قصد التستّر على ما اقترفه هو من سرقة.
الملكية متقدمة بسنين ضوئية على موقف الكنبوري بخصوص الأمازيغية:
بتتبع تدوينات الدكتور الكنبوري نقتنع بأنه ملكي يحبّ الملك وينوّه بحكمته وسداد رأيه وصواب مواقفه. يقول في إحدى هذه التدوينات: «مواقف جلالة الملك محمد السادس تجعلك فعلا تشعر بالفخر بانتمائك لهذا البلد وتاريخه. الملكية المغربية ملكية وطنية وطليعة الإصلاح». هذا جميل نتمنى أن يكون حاضرا عند كل مغربي. لكن هل يجهل الدكتور الكنبوري أن هذا الملك، الذي لا يُخفي حبه له وتعلقه به والثناء على قراراته وأعماله، هو من أنشأ، بظهير ملكي شريف، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأعطى تعليماته في خطاب 9 مارس 2011 لينص الدستور الجديد على ترسيم اللغة الأمازيغية؟ طبعا هو يعرف كل هذا. إذا كان يعرفه، فمعنى ذلك، دائما حسب منطقه الذي يعتبر المطالب الأمازيغية عنصرية مقيتة، أن هذا الملك قد استجاب لمطالب عنصرية مقيتة تنفث الفتنة وتنشر البغضاء والتفرقة. وهنا سيكون الدكتور الكنبوري متناقضا مع ما يكتبه إلى درجة لا يمكن معها تصديق ما يقول: فإذا كانت «مواقف جلالة الملك محمد السادس تجعلك فعلا تشعر بالفخر بانتمائك لهذا البلد وتاريخه»، وأن «الملكية المغربية ملكية وطنية وطليعة الإصلاح»، فقد كان إذن على الدكتور الكنبوري أن يكون فخورا بموقف الملك من الأمازيغية، وفخورا بالإصلاحات التي قام بها بخصوص هذه الأمازيغية، وفخورا بالاستجابة الملكية للمطالب الأمازيغية، لا أن يقول عنها إنها عنصرية مقيتة تقطر سما كالطماطم المسمومة. وهذا يبيّن أن الملكية متقدّمة في موقفها من الأمازيغية بسنين ضوئية على موقف الدكتور الكنبوري منها، والذي بقي مشدودا إلى أكذوبة “الظهير البربري” ولم يبرحها قدر أنملة.
“الظهير البربري” كمرجع وحيد للتعامل مع الأمازيغية:
نعم هو لا زال مشدودا إلى أكذوبة “الطهير البربري” التي تمنعه من التفكير في الأمازيغية خارج هذه الأكذوبة. ولهذا نجد أن ما كتيه مثلا منذ عشرين سنة، أي عندما لم يكن هناك اعتراف بالأمازيغية، ولا تدريس لها، ولا قناة تلفزية خاصة بها، ولا معهد للنهوض بها، ولا دستور يرسّمها…، هو ما يكرّره اليوم عندما يختزل مطالبها في العنصرية المقيتة.
ففي أسبوعية “المجتمع ـ مجلة المسلمين في أنحاء العالم” ـ التي تصدر ـ أو كانت ـ من الكويت، كتب بعددها 1392 بتاريخ 14 ـ 27 مارس 2000، مقالا على شكل ملف من 7 صفحات بعنوان: “النزعة الأمازيغية في المغرب العربي بين الثقافي والسياسي”، والذي كان عنوانه على الغلاف هو: “الأمازيغية تدق طبول الحرب على العربية”. أداة التحليل الرئيسية التي تناول بها الدكتور الكنبوري هذا الملف هي نظرية المؤامرة، وفي شكلها العامّي المتخلف، مع التركيز طبعا، بالنسبة إلى المغرب، على أكذوبة “الظهير البربري” مع نتائجها التي هي التفرقة والعنصرية والتجزئة والطائفية… إلى آخر “اللطيف”. واليوم، بعد كل الاعتراف الذي حصلت عليه الأمازيغية، وبعد كل مطالبها التي اُستجيب لها من أعلى سلطة في البلاد، وبعد أن أصبحت لغة رسمية…، يكرّر الدكتور الكنبوري نفس ما قاله عنها في مارس 2000، أي أن مطالبها مجرد عنصرية مقيتة. لم يحدث إذن أي تغيّر في موقفه رغم كل التطورات التي عرفتها القضية الأمازيغية منذ ذلك التاريخ. لماذا؟
لأن مصدره الوحيد الذي يعتمد عليه في فهمه للقضية الأمازيغية، ليست هي تلك التطورات، ولا ما تحقّق لصالحها من إنجازات، ولا الاعتراف الدستوري بها كلغة وهوية، وإنما هو أكذوبة “الظهير البربري، الذي هو أول من جعل من الأمازيغية عنصرية مقيتة، ودعا إلى قراءة “اللطيف” استعاذة من هذه العنصرية. وليس من الضروري أن يذكر الدكتور الكنبوري “الظهير البربري” بالاسم حتى نفهم أنه يغرف منه ويعتمد عليه في موقفه من الأمازيغية، لأن ما يؤكّد هذا الغَرْف وهذا الاعتماد هو ترديده “للطيف” المشهور، وذلك عندما يصف ما سماه النزعة الأمازيغية بالعنصرية المقيتة، والتي هي عبارة تنتمي حصرا إلى القاموس الخاص بأكذوبة “الظهير البربري”.
إذا كانت الأمازيغية قد تحرّرت من أكذوبة “الظهير البربري”، إلا أن مشكلها الآخر هو أن المثقفين المغاربة، مثل الدكتور الكنبوري، لم يتحرّروا بعدُ من هذه الأكذوبة. وهذا التحرّر أمر صعب بالنسبة إليهم. لماذا؟ لأنه سيشمل، بل ويشترط، التحرّر من إرث “الحركة الوطنية”، صانعة أكذوبة “الظهير البربري”.