تواصل المخازن الجماعية في منطقة سوس ماسة، والمعروفة باسم “إكودار” باللسان الأمازيغي، تحديها لعوادي الزمن، لتقف شامخة أمام تقلبات الظروف الطبيعية، مقدمة بذلك المثال الساطع على ثراء الثقافية والهندسة المعمارية الأمازيغية المغربية.
ويتميز الهيكل الهندسي ل”إكودار”، وهي صيغة جمع لكلمة “أكادير”، بكونه يضم اثنان إلى أربعة أبراج. وتعد “إكودار” فضاءات جماعية خاضعة لحراسة دقيقة، حيث لا تتوفر إلا على مدخل واحد، مفتاح بابه في عهدة حارس يحمل لقب “لامين”، وهو اسم يحمل دلالات عميقة تحيل على “الأمن” و”الأمانة”.
داخل هذه المخازن الجماعية، يتم الائتمان على أشياء وممتلكات لأفراد الجماعة التي يتبع لها المخزن الجماعي ( أكادير)، الذي يحتوي على غرف جد صغيرة، تشكل خزانة أمينة للحفاظ على أثمن الأشياء التي يمتلكها أفراد القبيلة مثل عقود البيع والشراء، وعقود الزواج، والمجوهرات، وعقود إثبات الملكية العقارية، وكذا بعض المواد الغذائية من قبيل الحبوب والتمور والتين المجفف والعسل والزعفران، والزيت وغيرها..
ويقول الأستاذ الباحث خالد ألعيوض إن “إكودار” تم تشييدها منذ قرون خلت فوق قمم صخرية. وهي تتكون من ثلاثة إلى أربعة أدوار مقسمة إلى غرف صغيرة من نفس المقاس، يتم الولوج إليها عبر باب صغير مصنوع من الخشب. وهي في ملكية رب الأسرة الذي يسهر بشكل منتظم على الترميم والعناية بها كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
كما يضم “أكادير” غرفة خاصة بالحارس “لامين”، إضافة إلى مكونات أخرى ذات صلة بالحياة اليومية للجماعة من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر غرفة خاصة باجتماع أعيان القبيلة، وطاحونة تقليدية، وأحيانا مسجد صغير، وحيز مكاني خاص بمعتنقي الديانة اليهودية من أفراد الجماعة.
وأوضح الأستاذ ألعيوض أن الأمازيغ من معتنقي الديانة اليهودية كانوا معروفين بعلو كعبهم في ما يتعلق بمجالات الصيدلة وصناعة المجوهرات والحرف التقليدية، حيث كانوا يمضون أياما، قد تمتد لفترة أسبوعين، في كل مخزن جماعي من أجل تسويق منتجاتهم.
وأضاف أن المخازن الجماعية، علاوة عن كونها تشكل مخزنا للمحافظة على الممتلكات الثمينة والمواد الغذائية، فهي أيضا تشكل ملجأ للاحتماء من الأخطار المحتملة التي تحدق بالجماعة، فضلا عن كونها تشكل، حسب الأستاذ ألعيوض، “أقدم نظام بنكي عرفته الإنسانية”.
وتكتسب “إكودار” أهمية اكثر في المواسم التي يكون فيها المحصول الزراعي ذا أهمية، ولا يمكن فتح الغرف التي يحتوي عليها “أكادير” إلا بحضور “لامين” الذي يتولى أيضا فتح أبوابها الصغيرة وفق نظام معين، وذلك حتى يتأتى ضمان التهوية اللازمة للغرفة، بما يسمح لها بالحفاظ على المواد الغذائية المخزنة دون أن يلحقها أي تلف، وبما يسمح كذلك للقط أو القطط، التي يطوعها “لامين”، بالدخول للمخزن لمطاردة الفئران التي قد تلحق الضرر بالممتلكات المخزنة في “أكادير”.
ويخضع تدبير المخزن الجماعي لنخبة من الأشخاص يشكلون “مجلس” القرية أو القبيلة، ويدعى بالأمازيغية “إنفلاس”، ويتولى المجلس مهمة وضع ميثاق أو عرف، يتم تدوينه على لوح خشبي، ويحدد حقوق وواجبات كل منخرط في هذه المنظومة الجماعية.
ومن أجل تثمين هذا الموروث الثقافي المعماري والتعريف به على الصعيد العالمي، انعقدت ورشة وطنية شكلت توطئة للتحضير لإدراج هذا الموروث ضمن قائمة التراث الإنساني المعتمدة من طرف منظمة اليونسكو.
وفي هذا السياق أيضا، تم التوقيع مؤخرا على اتفاقية من أجل خلق مركز للتعريف بالمخازن الجماعية وتثمينها، حيث وقع على هذه الاتفاقية كل من وزير الثقافة، ووالي ورئيس مجلس جهة سوس ماسة، ورئيس شركة التنمية الجهوية للسياحية سوس ماسة، ورئيس المجلس الإقليمي لاشتوكة أيت باها، ورئيس المجلس الجماعي لايت باها.
وحسب المحافظ الجهوي للتراث الثقافي لسوس ماسة، الأستاذ العربي بيروان، فإن هذا المشروع يستوجب استثمارا ماليا بقيمة حوالي 6 ملايين درهم، ستساهم فيه وزارة الثقافة بمبلغ 3 ملايين درهم، وجهة سوس ماسة بمبلغ 5 ر2 مليون درهم، والمجلس الإقليمي لاشتوكة أيت باها بمبلغ 500 ألف درهم، فيما سيساهم المجلس الجماعي لايت باها بتوفير الوعاء العقاري لإقامة المركز.
وسيضم هذا المركز جناحا للعرض الدائم لتاريخ تقنيات تشييد المخازن الجماعية، وإدارة، وقاعة للعروض المؤقتة، وأخرى لاستقبال الشهادات حول التاريخ والأركيولوجيا، وخزانة سمعية بصرية، وفضاء للأطفال، ومكتبة خاصة، ومرافق صحية، إلى جانب جهاز للمراقبة.
* زينب جناتي