صدر حديثا عن مطبعة الشمال بالناظور كتاب تحت عنوان: “المراجعة الدستورية لسنة 2011 وسؤال الإنتقال الديمقراطي” للفقيد المصطفى البوعزاتي “أمسرم” الباحث في الدراسات السياسية والدستورية، وكتب تقديمه الدكتورين عثمان الزياني و محمد سعدي أحد الوجوه المعروفة داخل حقل علم السياسة والقانون الدستوري، وقد جاء الكتاب في طبعة أنيقة من 90 صفحة من الحجم المتوسط مؤثث بلوحة الغلاف التي أنجزها الفنان التشكيلي نجيم بلغربي.
البحث إنطلق من تفكيك الإشكال العريض والمركزي الذي طرحه المؤلف في تقديمه وهو:
هل شكل دستور 2011 دستورا إنتقاليا نحو الديمقراطية؟ أم أنه يسعى إلى إعادة إنتاج النظام السياسي عبر نهج سياسة الواجهة للخروج من أزمة الشرعية التي يعيشها؟.
ومما جاء في الإستهلال الذي وضعه المؤلف لكتابه “المراجعة الدستورية لسنة 2011 وسؤال الإنتقال الديمقراطي”، مايلي:
“تُطرح المسألة الدستورية بشكل ملح في مسلسلات الإنتقال الديمقراطي، التي ما هي إلا تعاقد بين الحاكم والمحكوم، على قاعدة الديمقراطية، وإرادة القطع مع النظام الإستبدادي، لأجل التأسيس للحكم الديمقراطي، هنا يظهر الدستور بإعتباره الوثيقة الأسمى التي ستتضمن العقد الجديد، والتي ستحاول وضع الأسس الديمقراطية لنظام الحكم والممارسة السياسية، لهذا ففي خضم مسلسلات الإنتقال إلى الديمقراطية، غالبا ما يعتبر الدستور كمدخل للإنتقال الديمقراطي، ذلك أن العلاقة بين الدستور والديمقراطية علاقة وطيدة جدا، لأنه لا يمكن البتة الحصول على حكم ديمقراطي بوجود دستور يكرس قواعد الإستبداد، ويلتف على القواعد الديمقراطية في الحكم، بدعوى الخصوصية أو إحترام مبادئ تراثية وماورائية“.
ونقرأ في تقديم الدكتور عثمان الزياني: “إن الفقيد البوعزاتي كان مهووس دائما بطرح التساؤلات والإشكالات وتوظيف قدراته المعرفية وملكاته العقلية في زعزعة الكثير من التحاليل والمسلمات الواهية التي تنساق وراء الوهم الدستوري والسياسي، فهو ليس من طينة الباحثين الذين تتحكم فيهم العاطفة ويبني تحليلاته على فورات لحظية تستخدم فيها “بروباغندات سياسية” محكمة، غرضها الأساسي التنفيس على النظام السياسي وتحصين عناصر الاستمرارية والديمومة، بقدر ما كان يحتكم في تحليلاته وتشريحه للنسق السياسي لصوت العقل، ويعرف كيف يوظف المنطق العلمي في دحض الكثير من المغالطات .. ففي ظل زخم كثرة الكتابات والتحليلات تحضر لمسات الباحث “البوعزاتي” في قوالب علمية قل نظيرها لكونها متمردة عن أي غواية أو سلطان ومنفلتة من عقال الهواجس النفسية المصلحية…”.
كما نقرأ في الكلمة التقديمية لمحمد سعدي، أستاذ العلوم السیاسیة بوجدة: ” تعرفت عليه بشكل خاص من خلال مناقشاتي العديدة معه، فقد كان عميقا في تفكيره، ينفذ إلى عمق الأسئلة الحقيقية بشجاعة ودون مواربة، وطرح الأسئلة الحقيقية هو روح الوجود، وبالسؤال بدأت المعرفة، وبه عرف الإنسان هوياته. روحه المرحة الشفافة جعلته دائما نشيطا ويقضا في وعيه السياسي متسلحا دوما بلغة نقدية بناءة تصل إلى حدود السخرية من الواقع السياسي“.
ويتوزع كتاب الفقيد المصطفى البوعزاتي على فصلين:
الفصل الأول: عملیة الإصلاح الدستوري ومسلسل الإنتقال الدیمقراطي
وقد تطرق فيه إلى العلاقة بين الإصلاح الدستوري والإنتقال الديمقراطي، و المعايير الناظمة للدساتير الإنتقالية منهجية ومضمونا، وكذلك دراسة الإصلاح الدستوري الأخير، للوقوف على ممكنات التغيير والتحول إلى الديمقراطية، وعلى عناصر إستدامة النظام السياسي، عبر منهجية ومسار المراجعة الدستورية .
الفصل الثاني: الخیار الدیمقراطي في دستور 2011، بین الدسترة والتكریس
تناول فيه المؤلف كيف تعامل دستور2011، مع إشكالية السلطة وكيفية ممارستها وهندسة بنائها، ودراسة المسألة الحقوقية في دستور2011، التي تعتبر من أهم القضايا التي يجب أن يحسم فيها الدستور الديمقراطي.
ليخلص المؤلف في الأخير إلى أن دستور 2011 عمل على المحافظة على إستمرارية سمو ووحدة السلطة السياسية المتجسدة في الملك، ويتضح ذلك ذلك جليا من خلال التحكم الملكي في مسار ومنهجية وضع الوثيقة الدستورية.
ويقدم كتاب الفقيد المصطفى البوعزاتي دراسة هامة حول آليات اشتغال المؤسسات الدستورية بالمغرب، وأعتقد جازما أن القارئ المنتمي للحقل العلمي والأكاديمي سوف يجد فيه ضالته.
وتأتي فكرة نشر هذا الكتاب تكريما لذكرى الفقيد المصطفى البوعزاتي الذي غادرنا في الثالث من مارس الماضي ، وتعريفا بالمسار النضالي الملتزم الذي دافع من خلاله على قيم الحرية والكرامة بجرأة واستماتة، وإغناء للمكتبة القانونية والسياسية بهذا العمل الأكاديمي المتميز.
شفيق زاهد