احتضنت قاعة شالة يوم 05 يونيو الجاري، في إطار ورشات المعرض الدولي للكتاب، جلسة حول “الرافد العبري والهوية المغربية”، شارك فيها سادة الاساتذة أمين الكوهن، إدريس عبيزة، محمد براص، وبتسيير محمد المدلاوي.
ومن أهم النقط التي جاءت في عرض الاستاذ محمد المدلاوي، التي غاصت في تحديد مفهوم الرافد العبري، واوردها كما يلي:
1- تسمية جديدة لمفهوم قديم
– مصطلح “الرافد العبري” مصطلح استحدثه نصُّ دستور المملكة المغربية-2011 في تصديره الذي هو جزء منه. غير أن مفهومه أقدم من ذلك إذ تبلور تدريجيا في الأدهان منذ حوالي أربعة عقود بفضل بداية امتلاك الآلة الرئيسة اللازمة للولوج إلى أوجهه ومضامينه، أي اللغة العبرية، لغة وحرفا. كان رائد نفض غبار النسيان عن تلك الأوجه والمضامين هو عضو أكاديمية المملكة المغربية، الراحل حاييم الزعفراني، وذلك من خلال مؤلفاته الغزيرة امتدت الذي حوالي ثلاثة عقود. أعمال عبّد بها الطريق لطرح مزيد من الأسئلة المعرفية المتعلقة بذلك “الرافد” وساهم بشكل رئيسي طول سنوات إنجازها على تكوين مجموعة من الباحثين الأكاديميين تمكّنوا من آلة اللغة العبرية ودرّسوها بدورهم في الجامعة المغربية وأطروا من جهتهم أفواجا جديدة هي اليوم في طور طبقتها الثالثة.
– بفضل تراكم المعارف خلال عمل هذه الأجيال، استعاد الفكر المغربي تدريجيا إلى حيز الوعي معالم رصيد هائل من المعارف انقطع عنه سند العلم بسبب حاجز لغته (اللغة العبرية) أو بسبب حاجز مجرد حرف كتابته (الحرف العبراني). رصيد هائل من أوجه العلوم (علوم اللغة واللسانيات خاصة وكذلك التاريخ وتقييدات المناقب والحوليات) والثقافة والآداب (من نثر وشعر وقصائد زجلية/ملحونية ويوتوبيات معاصرة رفيعة المستوى، وصحافة) والفلسفة والتصوف والعادات والتراث المادي وغير المادّي. أقول “مجرّد الحرف” نظرا لأن كمّا هائلا من تلك أدبيات ذلك الرصيد ليس عبريا في لفظه بل كان بلغات مختلفة منها اللغة العربية الفصحى، ومنها كذلك ما هو بالعربية الدارجة المهوّدة أو بالأمازيغية المهوّدة لكنه مدوّن بالحرف العبراني المعدّل ببعض الإعجامات المناسبة حسب النظام الصوتي لكل لغة من تلك اللغات.
2- ضرورة توسيع المفهوم وأشكَلَةِ تناوله
– مصطلح “الرافد العبري” أضحى اليوم في حاجة إلى توسيع مفهومه لتشمل العناية الأكاديمية المعرفية به كافة أوجه تجلّي أوجهه. فقد ظل لحوالي ثلاثة عقود كمجرد ملحق هامشي بالدراسات الأدبية للعدوة الشمالية لفضاء “الغرب الإسلامي”، أي الدراسات الأندلسية، في حين أن أوجهه في قطبه الأساسي وفضاء استمراريته التاريخية إلى اليوم أي المغرب، قد ظلت العناية بها إلى حدود العقد الأخير خاصة على هامش الهامش. ففي هذا العقد الأخير فقط بدأ استكشاف أوجه ما أصبح يعرف بـ”الأدب المغربي الناطق بالعبرية“، وذلك من خلال ترجمات سلسلة من القصص والروايات المعاصرة الناطقة باللغة العبرية والتي يؤطر هيكلتها الفضاءُ المغربي والشخصيات والعادات (مطبخ، ألوان، لباس، أحداث) والمدن والقرى والثقافة المغربية عامة.
– ومن مظاهر ما يتهدد جواهر كثير من أوجه التجديد عامة، هناك ظاهرة التهافت الاحتفالي (folklorisme) الذي يركَب موجة مختلف الشعارات الظرفية. ويتعين التذكير هنا بأن ما تمت الإشارة قبل قليل الى إنجازه في باب المعرفة بـ”الرافد العبري” والتعريف به كان قد أنجِز في كبَـــــــد وفي ضيــــقِ وعُـــزلةِ ظروف سوسيو-مهنية معروفة، نظرا لما كان غالبا على الفكر الجمعي في المغرب، وذلك إلى درجة أن كثيرا ممن “تورطوا” في ذلك الحقل قد اضطرّوا مهنيا إلى ارتداء مختلف ألوان عباءات التقيّة التي من مخاطرها بالنسبة للبعض انتهاءُ تطبُّع البدء بالاستحالة إلى طبعٍ قارّ نهائي.
وإذ كان الأمر كما ذُكر في هده الفقرة الأخيرة، فإن تغيّر الظرفية في السنوات الأخيرة قد ترتبت عنه غلبةُ الاحتفالية الإرادوية عند قوم آخرين على جميع الأصعدة والمنابر، فاستُحدثت/ارتُجلت لذلك أطر سوسيو-تواصلية ما فتئت تتناسل.
– الاحتفالية شيء طبيعي ومشروع في هذا الباب وفي غيره. لكنها جنوحٌ ينطوي بحكم منطق طبيعته على آفة احتمال الحلول بديلا عن الجوهر، أي جوهر المعرفة بالرافد العبري والتعريف به. وهذا المنحى المحتمل عكسي النتائج (contre-productif) على جميع الأصعدة في الأمدين المتوسط والبعيد، بما في ذلك صعيد الظرفية الذي هو محركه.
– فجوهر “الرافد العبري” لا يمكن النفوذ إليه من بوابة إنعاش الاحتفالية المناسباتية، ولا حتّى من باب مراكمة “التقريريات والمعاينات الأكاديمة” (“كان وكان”، “حياته وشعره”، “التأثر والتأثير” …). لا يمكن النفاد إليه سوى بمنهج أشكَـلةِ الموضوع (problématisation du sujet)، أي جعل الموضوع في كل مرحلة وحين مثارا لأسئلة معرفية جديدة بدل انتقائيةٍ تُغازل الشعارات اللائقة ظرفيا. أوجه أشكَلَة موضوع “الرافد العبري” كثيرة وسأقتصر منها، على سبيل الختم، على وجه واحد، ألا وهو وجه رهانات التملك. لعل الجميع يلاحظ اليوم احتدام حروب تملك مختف أوجه التراث المادّي وغير المادي وحتى تملك التاريخ من منطلقات الكيانات الوطنية الحديثة. الرافد العبري المغربي لا يشكل استثناء في هذا الباب، وأطراف تنازعه متعددة. وإذ بدأ هذا العرضُ ببيان الدور الحاسم لامتلاك الأدوات اللغوية في استرداد هذا البعد الهويّاتي وتملكه، فلا أحد يجهل أن هناك انعدام توازن صارخ بين الأطراف التي تتنازع استردادَ هذا البعد وتملكه من حيث امتلاك الأدوات اللغوية اللازمة لذلك. فهناك أطراف تمتلك اللغات اللازمة وفي مقدمتها اللغة العبرية (زيادة على لغات عالمية) وتضيف إليها معرفة بالعربية والدارجة والأمازيغية بشكل يمكن الباحث المعني (أديب، سيميولوجي، إثنوغرافي، أنثروبولوجي، صحفي، عالم سياسى، …) يغوص ميدانيا في حقل بحثه كالسمكة، بينما يظل طرف آخر قصير الآلة اللغوية أو منعدمها. وفي ذلك انعدام توازن كبير تكون له نتائجه.
3- مقال سابق ذو صلة (مقال بالفرنسية وفي بدايته رابط نحو صيغة بالعربية)
“استرداد أوجه الرافد العبري في الثقافة المغربية إلى حيز الوعي”-يناير 2021
https://orbinah.blog4ever.com/en-francais-avec-un-lien-vers-une-version-en-arabe-de-la-reappropriation-consciente-de-l-affluent-hebraique-de-la-culture-marocai
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
شكرا، العالم الأمازيغي، على هذه التغطية.