الناظورية الفنانة التشكيلية سهام حلي: تيمة “ثقل الحدود” فكرة مستوحاة من معبر بني انصار ..

كان من دواعي فخري واعتزازي أن أكون يوم أمس ضيف برنامج “مغاربة العالم” الذي تقدمه الاعلامية مينة شوعة والذي له مكانة مميزة جدا لدي ولدى شريحة كبيرة جدا من مغاربة العالم، في الحلقة الخاصة بالمبدعة والفنانة التشكيلية سهام حلي..

كان حوارا ثريا وممتعا حول مسارها الفني و”ثقل الحدود” آخر معرض تشكيلي لها.

كانت فرصة لندخل مشتل فنانة تفوح منه رائحة الصباغة.. مشتل فنانة تشكيلية تعشق الالوان وتمنحها وجوداً صارخاً، ندخل عوالمها الملونة بألق جميل.

تقول سهام أن علاقتها بالفن التشكيلي بدأت منذ الطفولة و أن الفن التشكيلي هواية لا تفرق بين الجنسين، وموهبة لا تعرف الحدود وعليه ينبغي على كل من يعشق هذا الفن، إبراز موهبته وممارسته في رسم إيجابيات ومتغيرات محيطه..

مـن هنا، كانت لوحاتها فضاءات جمالية تعبر بصريا ورمزيا عما اختمر في عقلها ووجدانها مـن هواجـس وأفكار وخيال وقلق يدفعها إلى ترجمة كل ذلك بريشتها وبألوانها، لترسم لنا لوحات تبطن رسائل قوية، مـن واجب أي متأمل أن يجتهد في فـك شفراتها، حسـب قراءاته وتصوراته.

تعرفنا خلال البرنامج إلى الحضن الذي ترعرعت فيه الفنانة سهام.. فهي سليلة بيت يملأه الحب والتفاهم  والحرية الابداعية في مدينتها “الناظور”، هناك تفتقت موهبتها التي قاومت من أجلها وسافرت إلى وجدة ثم تطوان حيث درست في المعهد الوطني للفنون الجميلة.

التكوين هذا لم يمنعها من الاعتراف والتذكير بوجود فنانين مغاربة من عيار ثقيل تكونوا من تلقاء ذاتهم، على غرار الفنانة الشهيرة الفطرية القديرة “مريم مزيان “.

لدى الفنانة سهام العديد من اللوحات المختلفة التي استسقت من قصص وأحداث كثيرة من الريف ومن مناطق اخرى..

والأفكار والرؤى في معارض سهام، هي جزء من اشكالية وجودها المقترن بالذاكرة المكانية والذاكرة الزمانية معا، باعتبار أن الفنان التشكيلي تقول سهام، يمر بمراحل مختلفة في حياته الفنية حيث تقوم كل مرحلة من هذه المراحل على عدة متغيرات تتفاعل ويتفاعل معها حدس الفنان، ولعل هذه المتغيرات لا تصل بذات الفنان بقدر ما تتصل بالواقع الاجتماعي الذي يحيطه، ونحن هنا نتحدث عن تلك المراحل التي تتعلق بإنتاج الفنان وما يصاحبها من إيقاع معين في العمل الفني.

معرض “ثقل الحدود” .. هو مرحلة من هذه المراحل الابداعية، الاشتغال على تيمة “الحدود” وسرد سيرتها لكونها أساس الصراعات والنزاعات التي قد يعيشها الانسان.. جسدت الوضع عبر لوحات بخطوط “مسيجة” عن معاناة الإنسان.. عن غربته وعذابات مختلفة..

استطاعت سهام وكما كل مرة إيصال رسالتها عبر لوحاتها السهلة الممتنعة لتعطي قيمة وأهمية في لوحاتها كرسائل إنسانية.. انطلاقا من الطبيعة مرورا بالمرأة  ووصولا اليوم الى “الحدود”..

“ثقل الحدود”، لوحات جميلة تحمل آثاراً لخطوات منسية تركت بصماتها وهي تحاول أن تركب القوارب المهترئة أو أن تتخطى الأسلاك التي قد تعني في لوحاتها حدودا لوطن أو بلد أو لداء أو بلاء..

تقول سهام عن معرض “ثقل الحدود” أن الفكرة قديمة، تعود الى 2011، فثمة شيء داخلي ربطها ويشده بهذا الوضع، فنما، وكبر، ثم طفا على مسطح اللوحة.. “كنت بحكم الورشات التكوينية التي كنت أشارك فيها، -تقول سهام- أقصد من حين لآخر مدينة مليلية، وكان يثير انتباهي كل مرة وضع المعبر الحدودى ببني انصار بين الناظور ومليلية، وضع كان يستفزني كثيرا.. كان من يحمل عنوانلة بينما الآخر يذوق الأمرين.. هنا تولدت لدي فكرة توضيف الحدود في لوحاتي ومَعارضي.. لتكبر الفكرة اليوم وتنضج، بداية في فيلا الفنون بالدار البيضاء سنة 2012 ثم تونس لتكتمل اليوم بمعرض “ثقل الحدود” المنظم هنا بالرباط“.

هذه المتغيرات وصلت لسهام  بسبب الأوضاع  التي حلت بمدينتها، فمثلت ذلك بلوحاتها التي وصفت المعاناة الإنسانية والحالة التي تعيشها المنطقة الفاصلة بين مدينتي الناظور ومليلية أو حتى سبتة وتطوان في ظل هذه الحدود.. لترسم الفنانة سهام في لوحاتها حال هذا الصخب الإنساني ومحاولة التعايش مع الأوضاع الصعبة في المعابر وعلى الحدود.. هـذه الحـدود التي تحمل وجهين مغايرين لبعضهما البعض -تقول سهام-  “قـد تكـون قاسـية ومستفزة، تُذلك، تستفزك وتُقزِّمك في وجه الآخر من أجل لقمة العيش عن طريق التهريب مثلا.. وتكشف عن عمق تورط الإنسان المستلب المهان الذي أرادوا له أن يفقد كل شيء، وأن يجردوا حياته من محتواها الإنساني الرفيع. أو قـد تكون عكس ذلـك، تُقويك، تسمو بك وتكسبك شأنا لأنك تحمل معك أفكارا ومعارف لتلقنهـا للآخر على الطرف الآخر للحدود، كما في حال سهام التي كانت تنتقل إلى مليلية عبر نفس الحدود، لكن معززة مكرمة دون الوقوف في الطوابير الطويلة أو حتى إشهار بطاقتها لأن على الجانب الآخر للحدود كان الطرف الآخر في حاجة إليها، إلى ثقافتها، إلى دروسها، إلى فنها.. مـا كان يجعلها تعبر الحدود بدون حواجز أو أسلاك شـائكة…

سهام تعتبر فعلا رائدة الفن التشكيلي في منطقة الريف إلى جانب -طبعا- الفنانة مريم مزيان من خلال تبنيها لمواضيع وتيمات مرتبطة بالواقع المعاش وتبنيها للهوية الحضارية الأمازيغية في حضور الإرث الأمازيغي في لوحاتها والتي تحيل على الهوية الأمازيغية، والكينونة الإسلامية المجسدة في حضور الرؤية الإسلامية في لوحاتها كذلك من خلال تشكيل الاسم الرباني أحيانا وتجسيده فنيا.. مع الانفتاح على مجموعة من التجارب التشكيلية للتعبير عن نفسيتها الحالمة التواقة إلى الحرية والحياة في عالم يسوده الحب والسلام والاحترام للهوية وللرأي والاختلاف.

فنانة ملتزمة، موهوبة، مجتهدة، محبة لفنها ووطنها، صديقة زملائها، ناجحة في مسارها الغني بأعمالها. خلوقة تشتغل في صمت.. والأجمل أنها تتسم بحضور إنساني كبير، مليئ بالموهبة والإستمرار بالإبداع والعطاء واكتساب الإحترام والحب من الناس.. راقية في تعاملها، فتجاوزت بالتالي محليتها الى انسانية الإنسان.

وما بعض اهتماماتها وانشغالاتها ذات الجانب الانساني من ورشات الصباغة في مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدينة.. وللأطفال في بعض المراكز الثقافية لدليل على ذلك..

أتذكر حين قضت سهام فترة علاجية بمستشفى الأم والطفل بالمركز الاستشفائي الجامعي بوجدة وبعد فترة من العلاج، عادت إلى المركز رفقة عدد من الفنانين التشكيليين لرد الجميل والعرفان للطاقم الإداري والطبي وكذا زرع الأمل والحب في صورة تجسد تضامن الفنان مع المريض عبر الريشة واللوحة.

حب واحترام من الجميع لهذه الفنانة المقتدرة، وهو ما يتأكد من خلال شهادات كثيرة مادحة وصريحة في حقها، لم يفتهم التذكير بخصال سهام اﻹنسانية والفنية معاً، وربما هي ذاتها ما جعل سفارة المكسيك تمنحها ذات سنة جائزة استحقاق رفيعة، الجائزة الأولى للاستحقاق الفني.

في هذا التوجه والاتجاه، أسهمت سهام، بشكل فاعل، برسم خارطة فنها، وترك بصماتها المتفردة بنتاجات إبداعية، اطلع على قيمتها الجمالية والفكرية والفلسفية، الناس في صالات العروض.. واستضافتها مواقع وإذاعات وفضائيات ونشرت عنها أقلام نقدية قديرة في الصحف والمجلات.

خلاصة اللوحة..
الطموح الأعلى هو سر نجاحها وتقدمها وتحقيق أهدافها..
صنعت نجاحها لنفسها بنفسها.

محمد بوتخريط

اقرأ أيضا

الدكتور إدريس البخاري يقدم كتابًا عن الحسن الثاني: حكمة ملك ومسيرة إنجاز

صدر حديثًا عن الدكتور إدريس البخاري كتابٌ يوثق المسيرة الحافلة للملك الحسن الثاني، مسلطًا الضوء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *