الوسطية والاعتدال ليست هي زيارة الأضرحة.. تفكيك وهم “الإسلام الأمازيغي” المفترى عليه

بقلم: عبد النبي إدسالم

في الأيام الأخيرة، برزت محاولات متكررة لترويج خطاب يربط بين “الوسطية والإعتدال” وطقوس زيارة القبور والأضرحة، ويقدّم ذلك ضمن تصور مشوّه لما عرف في التاريخ الشمال افريقي “بالإسلام الأمازيغي”. هذا الطرح لا يعاني فقط من الهشاشة المنهجية والافتقار إلى الأسس العلمية، بل يكشف عن نزعة توظيفية متشنجة، تسعى لملء الفضاء الافتراضي بخطاب يائس، يفتقر إلى الاتساق العقلي والديني، ويتوسّل الهوية الأمازيغية كغطاء لشرعنة ممارسات خارجة عن جوهر المفهوم التاريخي المشكل لمنظومة الاسلام الامازيغي.

أولًا: الوسطية ليست غطاءً للخرافة

الوسطية في الإسلام مبدأ أصيل، لا يُقاس بالممارسات المحلية أو الطقوس الشعبية، بل يُضبط بنصوص الوحي ومعايير التوحيد. إنها تعني التوازن في الفهم والموقف، والاعتدال في السلوك والمقاصد، دون إفراط أو تفريط. أما اختزالها في زيارة الأضرحة، وتقديم هذه الممارسة على أنها تعبير عن التسامح والروحانية، فهو ضرب من التضليل. فالاسلام، في جوهره دين توحيدي، قام على “تحرير الإنسان من التبعية لكل وساطة بينه وبين خالقه”، وكانت زيارة القبور في الإسلام مقرونة بالعبرة والتذكرة لا بالتوسل والاستغاثة.

ثانيًا: الأمازيغية ليست مرجعية دينية

الترويج لما يُسمى “الإسلام الأمازيغي” يوحي وكأن الأمازيغية دين أو مرجعية روحية قائمة بذاتها، وهذا انحراف خطير في التصور. الأمازيغية لغة وثقافة وهوية عريقة، لكنها لا تملك وظيفة تشريعية أو عقدية، وليست بديلًا عن الشريعة الإسلامية كما يحاول البعض أن يوهم الناس بذلك. الإسلام الذي اعتنقه الأمازيغ لم يكن نسخة معدّلة أو مرقّعة حسب الجغرافيا، بل هو الإسلام ذاته الذي دخل إلى شمال إفريقيا، والذي استوعبه الأمازيغ، بطريقتهم الخاصة فصاروا من أعمدته وحملته. فلا مجال لتحنيط الدين في قوالب إثنية، ولا لتلفيق نسخة “محلية” منه بإملاءات أيديولوجية.

ثالثًا: الخرافة ليست بنية للتماسك الإجتماعي

الادّعاء بأن زيارة الأضرحة تساهم في بناء مجتمعات متماسكة ومتسامحة، فيه تجاهل لحقيقة تاريخية: أن هذه الممارسات لم تكن يومًا مصدرًا للتحرر أو النهضة، بل ارتبطت في معظم السياقات بالتواكل والخضوع والتجهيل، بل واستُغلت لتكريس أنماط من السيطرة الرمزية والدينية على الناس. فالتدين الشعبي، حين يفقد صلته بالوعي، يتحول من طاقة اجتماعية إلى عائق حضاري. وإن كان لا بد من استدعاء “التراث” في النقاش، فليكن التراث العقلاني، تراث المراجعة والنقد والنهوض، لا تراث الأساطير وأوهام الكرامات المتهافتة.

رابعًا: التطرف الحقيقي هو في تحريف المفاهيم

المفارقة أن من يدّعي محاربة “التطرف الديني” يقع في تطرف فكري موازٍ، يتمثل في تحريف المفاهيم، وتزوير المصطلحات، وترويج قراءات هوياتية مشوّهة باسم “المرجعية الأمازيغية” أو “الوسطية”. هذا النوع من الخطاب يحوّل الاختلاف الثقافي إلى أداة للتمزيق، ويزرع الشك في مفاهيم وآليات نحتها الأمازيغ وشكلت جزءا من محاولاتهم المستمرة في سبيل الدفاع عن هويتهم الحقيقية والفريدة فالمرجعية الدينية للمجتمع المغربي، التي ظلّت –لقرون– تقوم على الإسلام السني المالكي المعتدل، الذي لم يكن يومًا ضد الأمازيغية، بل كان وعاءً حامياً لها.

خاتمة: الإسلام لا يُفصَّل حسب المزاج الثقافي

إن محاولة صناعة “إسلام محلي” مفصّل على مقاس توجهات معينة، بحجة “الإعتدال” أو “الخصوصية الأمازيغية”، هي انزلاق خطير نحو تديين الهوية وتفكيك المرجعية الجامعة. فالأمازيغ، في عمقهم الحضاري والديني، لم يحتاجوا يومًا إلى نسخة “معدّلة” من الإسلام ليتدينوا، بل خاضوا في العلم والتجديد، ضمن مدرسة إسلامية عالمية، لا محلية مغلقة. ومن هنا برز فيهم من العلماء ما عجز الشرق على ولادته
ومن أراد أن يخدم الأمازيغية بحق، فليُحررها من الاستغلال الإيديولوجي، وليجعل منها أداة للنهوض الثقافي والفكري، لا وسيلة لتبرير ممارسات منبتّة، أو لترويج شطحات فكرية لا تمت بصلة لا للإسلام ولا للأمازيغية.

اقرأ أيضا

رسوم الإقصاء الثقافي: قراءة نقدية في القرار الوزاري حول كراء القاعات الفنية بالمغرب

 مقدمة يُعد القرار الوزاري المشترك القاضي بفرض رسوم مالية مرتفعة على استغلال الفضاءات والبنيات الثقافية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *