قام عدد من الباحثين والمؤرخين والأكاديميين المغاربة والأجانب، والمهتمين بتاريخ شمال المغرب والأندلس، اليوم الخميس 10 أكتوبر، بزيارة ميدنية لعدد من المواقع الأثرية والتاريخية التي تقع بإقليم الناظور.
ونظم باحثون ومؤرخون من اسبانيا، البرتغال، بلجيكا، هولاندا وفرنسا، إضافة إلى عدد من الباحثين والأكاديميين المغاربة، زيارة إلى الموقع الأثري بقلعة “تازوطة” المتواجدة بقمة جبل “كوروكو” الشهير في إقليم الناظور، وقدموا من خلال الزيارة عدد من المعطيات والمعلومات التاريخية المتعلقة بتاريخ “تازوطة”.
وانتقل المشاركون في ” المؤتمر الدولي، شرق تاريخ بلاد الريف في التاريخ والآثار والمعمار”، المنظم على مدى أيام 9\ 10\11 و12 أكتوبر 2019، بمدينة الناظور، من طرف مؤسسة “الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري” بمعية عدد من الشركاء، من “تازوطة” إلى زيارة الموقع الأثري لمدينة غساسة، أو “إغساسن” وهي مدينة أثرية تقع هي الأخرى في إقليم الناظور وكانت تابعة ل”إماراة النكور”. والشهيرة بالميناء الذي نزل فيه أبي عبد الله، آخر ملوك الأندلس، بعد مغادرته غرناطة إثر سقوطها سنة 1492.
وقام الباحثون بزيارة ضريح الولي الشهير بغساسة، “سيدي مسعود المرابطي” الذي حاول أن يجعل من “إغساسن” رباطا لإعادة فتح الأندلس، غير أنه لم يتمكن ليدفن بهذه المدينة التاريخية وأصبح قبره مزاراً للباحثين والمهتمين بتاريخ المغرب والأندلس. كما قدموا كذلك عدد من المعطيات والمعلومات المتعلقة بتاريخ المدينة التاريخية، إضافة إلى قراءات شعرية بالإسبانية بالتزامن مع “ذكرى أبي عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة والأندلسيين المُهجَّرين”.
وأوضح الدكتور أحمد الطاهري، رئيس مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري، أن “الموقع الأثري “لقلوع كرط” الذي اشتق منه اسم قلعية، قبيلة قلعية الكبيرة بمنطقة شرق بلاد الريف، لها أصول قديمة جدا منذ عصر بوكوس الأول، ثم أعيد بناؤها في العصر الوسيط باسم “قلوع كرط” قبل أن يتم إعادة بنائها من طرف بني مرين وهم الذين أطلقوا عليها اسم “تازوطة””.
وأضاف الطاهري في تصريح ل”العالم الأمازيغي” أن “الموقع هام جدا، لأنه مفتاح المواصلات العابرات للقارات، من أعماق إفريقيا عبر الصحراء الكبرى إلى سيجلماسة إلى إمليلية وباتجاه كل حوض البحر الأبيض المتوسط، ونحو أسيا واوروبا”. لذلك -يضيف المتحدث- “فقلعة تازوطة لها تاريخ هام جدا، لأنه في الحقيقة المغاربة لا يعرفون هذا التاريخ لأن ليس هناك بحث تاريخي عميق حولها”.
وأشار الطاهري؛ وهو أستاذ التعليم العالي، أن من بين أهم وأبرز نتائج هذا المؤتمر الدولي الذي تنظمه مؤسسة “الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري”، مع شركائها في مدينة الناظور حول “شرق تاريخ بلاد الريف في التاريخ والآثار والمعمار”، هو “أخير ما انتج في البحث العلمي فيما يتعلق بأهمية قلعة تازوطة باعتبارها المفتاح الأساسي العابر للقارات من بين افريقيا وآسيا وأوروبا خلال العصور التاريخية المختلفة”.
وكشف الدكتور أحمد الطاهري؛ أن في “قلعة تازوطة نشأ النظام السياسي المعروف في تاريخ المغرب في المرحلة الانتقالية ما بين العصر الوسيط والعصر الحديث باسم المخزن”.
وبخصوص مدينة غساسة، أكد الدكتور أحمد الطاهري، أنها كانت من أهم وأبرز المدن التي كانت نافذة للمغرب منذ عصر بني مرين واستمرت إلى خربت.
وحول فكرة المؤتمر، قال الأستاذ الطاهري:” لدينا في مؤسسة “الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري”ما نسمه بالمسالك التاريخية والأثرية عبر شمال المغرب ويتعلق الأمر بالمسالك التي تنطلق من طنجة إلى غساسة ومليلية وقمنا بالعديد من المؤتمرات الدولية. وهذا المؤتمر يدخل في إطار سلسلة من المؤتمرات التي نظمنها في كل من طنجة حول “الأندلسيين المهجرين” وفي تطوان حول ” المرأة في المغرب والأندلس ” الذي حظي بالرعاية الملكية، وكذلك مؤتمر “المرسكيون” بطنجة وعدد كبير من المؤتمرات والملتقيات الدولية في عدد من المدن بشمال المغرب”.
من جانبه أكد عبد الهادي لورتي، أن ” مدينة لغساسة كان لها تاريخ كبير وعريق، وكانت معروفة بمينائها منذ العهد القديم، لدرجة أنه كان أحد وأبرز النوافذ الكبيرة للمغرب على البحر الأبيض المتوسط”.
وأوضح لورتي وهو عضو اللجنة المنظمة للمؤتمر، أن “ميناء مدينة لغساسة كان يستقبل مجموعة من السلع والسفن من مختلف الدول الأوروبية بالخصوص، وكان أيضا معروف بنزول أبو عبدالله الصغير؛ أخير ملوك غرناطة بالأندلس ليمهد له الطريق حتى يمر إلى فاس”.
وأشار المتحدث إلى أن “من بين المعالم التي بقية لحد الآن في هذه المدينة، ضريح سيدي مسعود الذي نزل بالمدينة أيضاً في نفس تاريخ نزول أهير ملوك الأندلس؛ وأنجز رباطاً هنا بالمدينة لمقاومة الاحتلال الاسباني سنة 1506 ويقال أنه سقط شهيدا سنة 1513 ليدفن في رباطه”.
وفي ختام الزيارة الموجهة ل”معالم التراث التاريخي بقلعية”، زار المشاركون في المؤتمر عدد من المسالك التاريخية والثقافية بشرق بلاد الريف، ومشاهدة المناظر العامة بمدينة الناظور. ليختتموا اليوم الثاني من المؤتمر الدولي بزيارة بيت الباحث، عمر دودوح الفونتي الذي قدم بدوره لمحة عن تاريخ شمال المغرب والأندلس والمعارك التاريخية التي عرفتها المنطقة الشمالية والريف.
يذكر أن المؤتمر انطلق يوم الأربعاء 09 أكتوبر الجاري، بتنظيم رحلة من مدينة تطوان باتجاه الناظور، تحت شعار “المسالك التاريخية والثقافية عبر شمال المغرب :من سيدي الصعيدي بتطاوين إلى سيدي مسعود بغساسة”. إذ شهد جلسة التمهيدية، أشرف عليها زهير بنحمو، أستاذ التاريخ، ومؤطرة من طرف مؤرخين وأثريين ومعماريين.. حول “مسلك غمارة وصنهاجة: تطاوين (تطوان) تارغة وتيكساس وتيغسة (شفشاون) مسطاسة وتلا بادس – سنادة (الحسيمة)”. و “مسلك نفزة وبطوية: المزمة ونكور (الحسيمة)، مرسى تمسامان وسيدي صالح والمصلى (الدريوش)، مرسى كرط (الناظور)”.
ومن المرتقب أن يشهد اليوم الجمعة، الافتتاح الرسمي للمؤتمر الدولي “شرق تاريخ بلاد الريف في التاريخ والآثار والمعمار”، بكلمات المنظمين والجهات الداعمة، ثم مباشرة بعد ذلك، تنظيم عدد من الندوات والمحاضرات، يؤطرها عدد من الباحثين والمؤرخين والأكاديميين المغاربة والأجانب، بالمركز الثقافي وسط مدينة الناظور، من الساعة التاسعة والنصف صباحا إلى غاية الساعة السابعة مساء.
منتصر إثري