وجه الباحث والمثقف الكوردي، حيدر عمر رسالة إلى كل من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والشيخ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ الدكتور علي محيي الدين قرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حول اجتياح الجيش التركي و ما يُسمّى بـ (الجيش السوري الحر) منطقة عفرين الكردية في أقصى شمال غرب سوريا.
وقال حيدر في رسالته إلى أن ذلك “أدّى ذلك إلى نزوح أكثر من أربعمائة ألف من سكان المدينة و ريفها، جُلُّهم عجائز و نساء و أطفال، مشردين في العراء، يفترشون الأرض و يلتحفون السماء.
وأشار المثقف الكوردي إلى أن “مليشيات ما يسمّى بالجيش السوري الحر، فقد انتشروا في القرى و النواحي و مدينة عفرين يكفِّرون الناس و يمنعون النازحين من العودة إلى قراهم و بيوتهم، و حتى مَن غامر من النازحين في العودة إلى قريته خلسة أو بدفع مئات ألاف الليرات السورية لأولئك المرتزقة، يمنعونه من الدخول إلى بيته الذي أسكنوا فيه نازحي حمص و القلمون وغوطة دمشق و غيرها من المناطق السورية”.
وهذا نص الرسالة:
منذ بضعة أيام أرسلت هذه الرسالة، و لم أتلقَّ رداً من هؤلاء الشيوخ الذين يمثلون الإسلام و المسلمين. مما يعني أنهم يؤيدون ما يفعله الاحتلال التركي و مرتزقته في عفرين.
بسم الله الرحمن الرحيم 19. 11. 2018
فضلية الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب المحترم.
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحترم.
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي محيي الدين قرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحترم.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
تردّدت كثيراً في الكتابة إليكم في هذا الشأن الذي أكتب فيه اليوم، ذلك لعلمي أنه ليس خافياً عليكم، و أن أصوات الآباء و الأمهات الثكالى لا بد أن وصلتكم عبر الإذاعات المسموعة و المرئية و الفضائيات. و لكن صمتكم حتى الآن دعاني أن أتوجّه إليكم في رسالة باسم عفرين مدينة و ريفاً عارضاً أمامكم أحوال الناس ، و ما يحدث فيها من أعمال لا إنسانية يرفضها، بل يحرَّمها الإسلام.
حضرات الشيوخ الأفاضل.
لعلكم سمعتم باجتياح الجيش التركي و ما يُسمّى بـ (الجيش السوري الحر) منطقة عفرين الكردية في أقصى شمال غرب سوريا، و ذلك بدءاً من العشرين من شهر كانون الثاني لهذا العام 2018، حتى الثامن عشر من شهر أذار من العام نفسه، حيث دخلت تلك القوات مدينة عفرين نفسها بعد أن استولت على (366) قرية و ستِّ نواح هي: بلبل و خربة شرّان و المعبطلي و راجو و جنديرس و شيخ الحديد، و لا زالت حتى اليوم تعيث فيها فساداً و قتلاً و تدميراً و حرقاً و خطفاً و سبياً….
و قد أدّى ذلك إلى نزوح أكثر من أربعمائة ألف من سكان المدينة و ريفها، جُلُّهم عجائز و نساء و أطفال، مشردين في العراء، يفترشون الأرض و يلتحفون السماء. أما مليشيات ما يسمّى بالجيش السوري الحر، فقد انتشروا في القرى و النواحي و مدينة عفرين يكفِّرون الناس و يمنعون النازحين من العودة إلى قراهم و بيوتهم، و حتى مَن غامر من النازحين في العودة إلى قريته خلسة أو بدفع مئات ألاف الليرات السورية لأولئك المرتزقة، يمنعونه من الدخول إلى بيته الذي أسكنوا فيه نازحي حمص و القلمون و غوطة دمشق و غيرها من المناطق السورية .
و لم تكتف تلك الميلشيات بذلك فحسب، بل منذ اليوم الأول لوصولهم إلى القرى، بدأوا في النهب و سرقة ممتلكات الناس، حتى الدجاج لم يسلم منهم.
كان يوجدفي عفرين المدينة و الريف 250 معصرة لعصر الزيتون و استخراج الزيت، نهبوا منها 60 معصرة بعد أم فكَّكوا آلاتها، و لم يبق منها سوى البناء الذي لم يسلم منهم أيضاً، لأنهم أعملوا فيه التخريب و التدمير.و كان في المنطقة 18 مصنعاً للبيرين (مخلفات الزيتون بعد عصره) لاستخراج زيت الصابون منه، ولكن يد النهب طالت سبع مصانع منها، فلم يبق منها سوى أبنيتها التي أعملوا فيها التخريب و التدمير. و كان في مدينة عفرين 12 مصنعاً لصناعة الصابون، طالتها جميعاً يد النهب من قِبَل تلك الميليشيات.
أضف إلى ذلك جرائمهم المستمرة منذ اليوم الأول للاحتلال و الاستيلاء دون توقف، وهي جرائم القتل و السرقة و الخطف والابتزاز و السبي. يقوم أفراد تلك المليشيات باختطاف الناس رجالاً و نساءً، ثم يطالبون ذويهم بدفع الفدية بآلاف الدولارات الأمريكية أو مئات الآلاف من الليرات السورية. و اليوم نحن في موسم قطاف الزيتون، يمنع أفراد تلك الميليشيات الناس من جنْي محصولهم، و يَجْنونه لأنفسهم، و للمستوطنين الذي جاؤوا بهم من حمص و الغوطة و القلمون، ثم يشاركون بالقوة أصحاب ما تبقّى من معاصر الزيتون في ما تنتجه معاصرهم من زيت الزيتون.
كل هذا يحدث بدعوى أن هؤلاء الكرد كُفَّار، و أموالهم غنائم حلال لهم، و ذلك على مرأى من قوات الاحتلال التركيو بعلم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الشيوخ الأفاضل.
لا أطيل عليكم في سرد جرائمهم، فهي كثيرة و متنوِّعة ما بين السلب و خطف الناس و تعذيبهم و الاغتصاب و سبي النساء بدعوى هن نساء الكُفَّار، و قد أحلَّ الإسلام للمجاهدين سبي نسائهم. ولكنني أتوجّه إليكم ببعض الأسئلة النابعة من جميع القلوب المكلومة في منطقة جبل الكرد / عفرين.
إن أغلب سكان المنطقة (حوالي 98%) كرد مسلمون و سُنَّة. هل يجوز شرعاً أن يغزو مسلم مسلماً، و يأخذ ممتلكاته غنيمة و نساءه سبايا؟هل يجوز أن يكفِّر المسلم مسلماً؟ هؤلاء الميليشيات كفَّروا و يكفِّرون سكان منطقة تعدادهم يقرب من المليون و هم مسلمون سُنَّة. هذا في الوقت الذي لم يكفِّر الأزهر الشريف الداعشيين الذين يجزُّون رقاب الناس و يحرقونهم في أقفاص حديدية، لأنهم ينطقون بالشهادتين حسب حجة الأزهر. فما بالكم بما يقرب من مليون من الناس، ينطقون بالشهادتين و يصلون و يصومون و يدفعون الزكاة و يحجُّ القادرون منهم إلى بيت الله الحرام؟!
لعلكم تعلمون أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: “لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، و لا بخطأ أخطأ فيه”. و قال أيضاً: “ليس لأحد أن يكفِّر أحداً من المسلمين و إن أخطأ و غلظ حتى تُقام عليه الحجة”. أية حجة يستند عليها هؤلاء المرتزقة و أسيادهم في تكفير الكرد في عفرين و ريفها؟. ما هي حجتهم و حجة أسيادهم و هم يرون بأعينهم بيوت الله قائمة في كل قرية و قد بناها القرويون بأموالهم، و لم تنفق وزارة الأوقاف على تلك المساجد مليماً واحداً باستثناء بعض تكاليف بناء مساجد مدينة عفرين؟ ما هي حجتهم و حجة أسيادهم و هم يسمعون من اسم الله يُذكر و يُردد و الأذان يرتفع من مآذن تلك المساجد؟ ما هي حجتهم و حجة أسيادهم وهؤلاء الناس يقومون الليل و يصون شهر رمضان المبارك؟ ما هي حجتهم و حجة أسيادهم و هم يرَوْن هؤلاء الناس يقتدون بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام في تقديم الأضاحي في عيد الأضحى المبارك؟ أم حجتهم و حجة أسيادهم هي ما جاء في بعض الكتب الصفراء افتراءً على الرسول صلى الله عليه و سلَّم، يزعمون أنه قال “إن الكرد قوم كُشِف الغطاء عنهم، فلا تنكحوهم ولا تناكحوم و لا تتاجروا معهم”؟ هل يُعقل أن يقول رسول الله مثل هذا الكلام، و قد جاء رحمة للعالمين؟ “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” ( الأنبياء107)، أم أن الله و رسوله استثنيا الكرد من (العالمين)؟. هل يُعقل أن يقول رسول الله مثل هذا الكلام، و قد ورد في صحيح مسلم “عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادعُ على المشركين، قال: إني لم أُبعَث لعّاناً، و إنما بُعِثْتُ رحمة”؟. يرفض رسول الله اللعنة على المشركين، أفيُعقَل أن يقول كلاماً كهذا في قوم من المسلمين تعداده اليوم الملايين؟!
إذا كان هؤلاء يفترون على الله و على رسوله الكريم، و ينهبون و يخطفون و يقتلون و يَسْبون و يغنمون باسم الإسلام، و تحت مسمًى (مجاهدون)، فما الذي يدعو شيوخ الاسلام إلى التزام الصمت تجاه تلك الأعمال و الافتراءات؟!!. ما الذي يدعو الأزهر الشريف و الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام إلى الصمت تجاه تكفير مئات الآلاف من المسلمين، و لم يكفرا “داعش” رغم معرفتهما بما يفعله داعش بالناس الأبرياء، بينهم آلاف المسلمين؟!!
الشيوخ الأفاضل.
أنتم أكثر الناس معرفة بسيرة الخوارج، الذين قاتلوا رابع الخلفاء علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، و الذين اتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة و التابعين من بعدهم، و لم يقاتلهم الإمام علي حتى سفكوا الدم الحرام، و أغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم و بغيهم، لا لأنهم كفَّار، و لهذا لم يكفِّرهم، ولم يسْبِ نساءهم، و لم يغنم أموالهم.
قال تعالى في محكم تنزيله: “مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فّسَادٍ في الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَميعَاً، وَ مَنْ أحْياها فَكَأَنَّما أحْيا النَّاسَ جَميعَاً” (المائدة 32).
لن أدخل في تفسير هذه الآية الكريمة في حضرتكم، فأنتم مَن تشرئبُّ إليهم النفوس في هذا المقام، و لكنني أريد أن أذكِّركم، بأن الفعل (أحيا) الوارد في الآية الكريمة، و لعلكم تعرفون، ورد في غير معناه المعجمي، أي معنى (الإحياء)، إذ ليس ثمة مَن هو قادر على الإحياء سوى الله تعالى الذي خلق، و أمات وسوف يحيي الخلق للحساب، للثواب و العقاب. و إنما جاء بمعنى (التحريم) أي تحريم القتل بغير نفس أو فساد، بمعنى (إنقاذ) حياة إنسان،و يكون بذلك كأنما أنقذ حياة الناس جميعاً، و سيكون ثوابه عند الله كبيراً معادلاً لإنقاذ الناس جميعاً.
إن هذه الآية الكريمة موجَّهة إليكم، أنتم شيوخ الإسلام قبل أيٍّ كان من المسلمين، لأنكم أنتم فقط تستطيعون إيقاف تلك الذئاب الشاردة عن قتل الناس و سلبهم و خطفهم و الاستيلاء على ممتلكاتهم و محاصيلهم و سَبْي نسائهم. أنتم فقط من تستطيعون أن تدعوا أردوغان إلى سحب عسكره و مرتزقته من عفرين و ريفها، ليعود إليها أهلها و ناسها. أنتم فقط من تستطيعون أن ترفعوا اصبعكم في وجه أردوغان بعدم جواز، بل بتحريم غزو بلاد المسلمين شرعاً، و أكثر من ذلك، إن الشريعة الإسلامية تطالبكم بألا تلتزموا الصمت في وجه سلطان جائر، و أن تهبوا لإغاثة المظلومين. نعم أنتم فقط من تستطيعون كل ذلك بإصدار فتوى تحرِّمون فيها ما يقومون به من أفعال دنيئة يحرِّمها الإسلام، و تحرِّمون فيها غزو المسلم بلادَ المسلمين، و تفتون بوجوب انسحاب الجيش و الشرطة التركية من بلاد المسلمين إلى ثكناته و مخافره.
في صبيحة اليوم العشرين من كانون الثاني الماضي، صدحت مئات الآلاف من المساجد في تركيا بسورة “الفتح”، دعماً و تشجيعاً للسلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان و جيشه و مخابراته لـ”فتح منطقة عفرين”، لكأنه يوجِّه جيشه إلى غزو بلد كافر، يريد فتحه و نشر الإسلام في ربوعه و بين ناسه. ما حكم شرع الله في إمام أو خطيب مسجدٍ يحضُّ سلطاناً على التنكيل ببلاد المسلمين؟ ما حكم شرع اللهعلى أئمة المسلمين الصامتين على جور السلاطين و أتباعهم؟ هل يجوز هذا كله شرعاً أيها الشيوخ الأفاضل؟! ما الآية الكريمة و ما الحديث الشريف المروي بسند صحيح عن رسول الله عليه السلام يجيزان ذلك؟! ما حكم مَن يستغلُّ الآي الكريم، و الشريعة الإسلامية في غير موضعها، و ضد الملسمين؟
الشيوخ الأفاضل.
ما يقرب من مليون مسلم في جبل الكرد / عفرين يستغيثون، و لا يجدون مغيثاً بين مليار مسلم و أكثر. متى أحجم الإسلام عن إغاثة المسلمين؟
إن الله سيحاسبكم و سيحاسب كل علماء الإسلام قبل الآخرين عن صمتكم هذا، و أصوات عباده تخترق آذانكم و هم يستغيثون بكم، و أنتم لا تسمعون، أو تسمعون ولكن لا تفعلون شيئاً، و لا تهرعون لنجدتهم.
هذه هي رسالة عفرين إليكم، أنتم الثلاثة الأفاضل مَن تتوجه أنظار المسلمين في كل بقاع الأرض إليهم، و أختتمها بسلام من الله عليكم و بركاته، و أرفق بها مجموعة صور عما يقوم به المرتزقة تحت أنظار أسيادهم. و أنتظر منكم جواباً ينتظره مليون مسلم في عفرين و ريفها.
حيدر عمر
باحث في الأدب الكردي
دمت و دامت قلمك
ولأن الكرة في ملعبهم