بالصور: “الدَّشْرَة” الأمازيغية “تيفَرْدُودْ” تحولها التبرعات إلى “أنظف” قرى الجزائر

قبل نحو عام من الآن، قرر سكان قرية “تيفردود” بأعالي جبال جرجرة في تيزي وزو الجزائرية، رفع التحدي ورفع سقف المنافسة عاليا للتويج بجائزة باتت تقليدا سنويا، تمنح لأنظف قرية. وسريعا أضحى الحلم حقيقة.
ورغم شهادة حسين آيت أحمد -أحد قادة الثورة الجزائرية- عن القرية التي قضى فيها سنوات من طفولته متعلما ودارسا في مدرستها الفرنسية أيام ثورة التحرير، فإن “تيفردود” لم تحظ بالشهرة إلا بعد تتويجها الأحد بجائزة أنظف قرية في نسختها الخامسة لعام 2017، بعد أن نافست على اللقب 78 قرية مشاركة.

التحدي الذي رفعه السكان تحقق حينما أصروا على جعل قريتهم مثالا يحتذى به في النظافة والجمال، وبحسب الحاج إسماعيل -الذي أخذ إجازة لمدة ستة أشهر وعاد من فرنسا التي يقيم فيها إلى قريته للمشاركة في هذا التحدي- فإن “80% مما أنجزه السكان كان بأموالهم وتبرعاتهم الخاصة”.

الجائزة التي ترعاها سنويا السلطات المحلية لولاية تيزي وزو تخضع لعدة بنود، أهمها إعادة الاعتبار للمساحات العمومية والنافورات، واستحداث مساحات خضراء، وتجميل المحيط والشوارع، وصيانة المقابر وتنظيم عملية جمع النفايات.

وكان أول نشاط بيئي للقرويين -بحسب حديثه للجزيرة نت- “القضاء على المفرغة العشوائية التي كانت إلى جانب مقبرة القرية، وبعد ذلك تم وضع صناديق للنفايات في كل شوارع القرية، كما وُضعت عدة صناديق في مكان مخصص للقيام بعملية الفرز الانتقائي للنفايات القابلة للتحلل البيولوجي، إلى جانب تجميع الخبز اليابس، وجمع النفايات الورقية لإعادة تدويرها”.

وفي المقابل، تم تحويل المساحات الفارغة إلى مساحات خضراء بزراعة العشب الطبيعي مع تخصيص فضاءات لألعاب الأطفال وتشييد ملعب مغطى بالعشب الاصطناعي ومسبح وحضانة إلى جانب مركز ترفيهي للشباب، كما تمت تهيئة المنابع المائية وتحويل بعضها إلى نافورات.

تهيئة البيئة

ورغم أن الجائزة مخصصة لموضوع بيئي، فإن السكان البالغين 1500 نسمة في القرية التي ترتفع 1195 مترا عن سطح البحر، اهتموا بإبراز تاريخهم وتراثهم الأمازيغي العريق، مما أعطى المنافسة بعدا آخر.

وإلى جانب حفاظ السكان على المعمار التقليدي الأمازيغي العريق، تنتظر الزائر لهذه القرية عدة محطات عبر دروبها الضيقة المزينة في كل زاوية بأصيص الورود، تعرف بتاريخها ورجالها.

فمع مدخل القرية وفي شارعها الرئيسي، تستقبلك لوحات تشكيلية تخلد كل واحدة منها ذكرى ومسيرة شهيد من شهداء القرية الــ28 الذين سقطوا في ميدان الشرف بثورة التحرير.

وغير بعيد عن هذه المحطة التاريخية، يتراءى للزائرين تمثال نصب على قمة نافورة حجرية لصاحب رواية “الربوة المنسية” مولود معمري، وهو يشير بيده اليمنى بعيدا، والهدف في الجهة المقابلة ليس إلا قرية “ثاوريرث ميمون” مسقط رأس معمري الذي أصبح معلما وهرما أمازيغيا ليس لقريته فقط، ولكن لكل أمازيغ الجزائر.

وعلى الجهة المقابلة للتمثال، تستقبلك لوحة تشكيلية أخرى تخلد روح أحد أبناء القرية، وهو الناشط كمال أمزال المدعو “مجيد آث وامر”، الطالب الذي اغتيل بجامعة الجزائر في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 وأصبح منذ ذلك الحين رمزا للنضال من أجل الثقافة والهوية الأمازيغية.

التاريخ والتراث

ومن المنجزات التي تعبر عن قوة الرابط الذي يجمع سكان القرية هو ما سمي بالأمازيغية “آخام نثادارث” أي بيت القرية، وهو منزل يحوي عدة طوابق وصالة كبيرة وإلى جانبه ساحة كبيرة، يوضع تحت تصرف أي شخص من سكان القرية لاستعماله في الأفراح أو العزاء أو أي نشاط اجتماعي آخر.

وفي قلب القرية، اهتم السكان بالحفاظ على أحد أهم خصائص المجتمع الأمازيغي، حيث تم العمل على إعادة تهيئة وتحسين المكان المخصص منذ القدم لاجتماعات سكان القرية وأعيانها ضمن النظام الاجتماعي المعروف بمنطقة القبائل بــ”ثاجماعث” أي “الجماعة”، والتي تتكون من أعيان القرية، ويعود لها أمر تسيير الحياة العامة، والنظر في كل شؤون سكان القرية، بما في ذلك حل النزاعات والإشراف على الأعمال التضامنية وغيرها من الأعمال المرتبطة بحياة القرويين.

ففي هذا المكان يلتئم السكان مرة كل شهر للنظر في شؤون قريتهم، وفي مكان الاجتماع نصب ما يسمى بــ”أسقيف”، وهو سقف خشبي بجانبه سلم خشبي مصنوع من جذوع الشجر، مخصص لإيواء ضيوف القرية القادمين من الأماكن البعيدة، وتحت السقف الخشبي المرتفع نصب في الأرض “الكانون” (الموقد)، وهو مكان محفور داخل أرضية إسمنتية مخصص لإشعار النار من أجل تدفئة الضيوف المقيمين في ليالي الشتاء الباردة.

المصدر : الجزيرة

اقرأ أيضا

“المشاركة المغربية في حرب تحرير الجزائر” محور مائدة مستديرة بالناظور

بمناسبة تخليد الذكرى 69 لعيد الاستقلال المغرب ومرور 70 سنة على اندلاع حرب التحرير الجزائرية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *