بعد العرض ما قبل الأول بالرباط، تم يوم أول أمس السبت 15 يونيو الجاري، بفندق ميشليفن بمدينة إفران، عرض ومناقشة الشريط الوثائقي “أجراس تومليلين” لمخرجه، حميد درويش. الشريط الوثائقي الذي تصل مدته 52 دقيقة، يحكي عن قيم الحوار بين الحضارات ومبادئ التعايش السلمي بين الأديان التي كان يزخر بها المغرب.
وجاء عرض الوثائقي الذي يستحضر جزءا مهماً من تاريخ المغرب في التعايش الديني، بدعوة من الوزير حمو أوحلي، رئيس المجلس الإقليمي لإفران، وبمشاركة أكثر من ثمانين عضوا من أعضاء جمعية قدماء ثانوية طارق بأزرو، وكذا عدد من المشاركين من فعاليات ثقافية وحقوقية وإعلامية ومن مناضلات و مناضلي الحركة الأمازيغية.
كما حضر العرض والمشاركة في مناقشة ما يحمله الشريط من قيم والتنوع والتعايش الديني، كل من مدير مؤسسة “كاريتاس”، بالإضافة لمخرجه حميد درويش، وبعض من قدماء “دير رهبان تومليلين” وكذا اكاديميين مرموقين ومنهم بالخصوص الدكتور محمد معتصم، الأستاذ الجامعي والعضو سابقا بالمجلس الدستوري.
وأكد عبد الواحد درويش، مسؤول العلاقات العامة على أن الفريق “حرص على إنجاز الشريط الوثائقي “أجراس تومليلين”، على أن يعرض لأول مرة بضواحي تومليلين، وذلك رغبة في جعل هذا الموروث الثقافي يساهم في الرفع من الدينامية التنموية بالمنطقة”.
وأشار درويش إلى أن ” مخرجات هذا اللقاء هو فتح نقاش جدي بين العديد من المعنيين من أجل إعادة الاعتبار وترقية هذا الموروث الثقافي عبر مؤسسة ستكون حاضنة لحوار الثقافات والحضارات لترسيخ قيم التعايش السلمي “.
من جهته، أكد مخرج الفيلم حميد درويش، أن الشريط الوثائقي “أجراس تومليلين” لا “يتعلق بفيلم الديانات، بقدر ما يمتحن قدرتنا على احترام الاختلاف”.
وشدّد مخرج الشريط الوثائقي، حميد درويش، على أن “أجراس تومليلين” يسعى إلى “المساهمة في حفظ الهوية الجماعية وترقية الموروث الثقافي المادي واللامادي ل “دير تومليلين” الذي تم تشييده من قبل 19 راهبا فرنسيا بضواحي أزرو بالأطلس المتوسط وشكل ما بين 1952 و1968 صرحا ثقافيا واجتماعيا وإنسانيا رفيعا جسد أسمى معاني التعايش والتضامن بين مختلف المكونات الدينية والثقافية والاجتماعية المتنوعة في مرحلة تاريخية كان فيها المغرب ينعتق تدريجيا من أغلال الاستعمار الفرنسي ويرسي أسس الدولة الوطنية المستقلة والموحدة”.
وفي تفاصيل الشريط ، يستذكر “أجراس تومليلين” تجربة 19 راهبا مسيحيا، استقروا بدير تومليلين قرب أزرو، وسط الأطلس المتوسط، وكان هذا “الدير” فضاء للتعايش والتسامح، والتبادل الثقافي، حيث حاضرت فيه أسماء كبيرة من بلدان مختلفة كفرنسا وإسبانيا والهند… وكانت تقدم به خدمات إنسانية لعدد كبير من المغاربة، سواء كانت في مجال التعليم والصحة والإرشاد الأسري…”.
كما كان “الدير تومليلين” يحتوي على مكتبة غنية بآلاف الكتب والمراجع من مختلف أصناف المعرفة الإنسانية، وقد استفاد منها بالدرجة الأولى تلاميذ “ثانوية أزرو” باختلاف انتماءاتهم، وأعطت هذه التجربة جيلا متشبعا بالفكر الإنساني المبني على التعايش والتسامح، برز في إبداعاتهم وكتاباتهم في العقود اللاحقة”.
ويكشف الشريط الوثائقي عن ملابسات إغلاق هذا الصرح الثقافي والاجتماعي بعدما وجهت أصوات محسوبة على”الحركة الوطنية”، وتحديدا بعض قيادات حزب الاستقلال، اتهامات لرهبان تومليلين بالسعي لتنصير سكان الأطلس المتوسط وبالتواطؤ مع قيادات يسارية من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لنشر “الأفكار التنويرية الثورية”.
وهذا ما جعل الجنرال محمد أوفقير آنذاك يصدر قرارا بإغلاق الدير نهائيا سنة 1968 لتنتهي بذلك واحدة من منارات التسامح والتعايش الديني التي كان يزخر بها المغرب حينها.
حري بالذكر أنه تم تقديم العرض الثاني من الشريط “أجراس تومليلين” ومناقشته، كذلك، مساء أمس الأحد 16 يونيو، بالرباط، أمام أكثر من 300 من المسيحيين الكاتوليك مدعوين من قبل المجلة الشهيرة “الحياة المسيحية” .
*منتصر إثري